█ _ طالب عزيز 2023 حصريا كتاب ❞ معالم الحضارة الإسلامية ❝ عن دار بدائل للنشر والتوزيع 2024 الإسلامية: الاسلامية يأتي هذا الكتاب ضمن هذه الأرضية التاريخية الأكاديمية المعقدة والمحفوفة بدوافع استعمارية وعنصرية وأطماع اقتصادية قديمة وحديثة يأتي كماء الورد؛ يُطيِّب جراح مجتمعاتنا وآلام شعوبنا منذ سنين من عقدة الدونية فكر إسلامي مجاناً PDF اونلاين ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل اسلامي
❞ يذكر المؤرخ غراهام أن عند الاطلاع على صفحات كتاب منهجي لمدرسة ثانوية عن الحضارة الغربية -أو ثقافات العالم أو أي تعبير لطيف آخر- يكون من الصعب عليك العثور على أي مسلم ما عدا محمد، وربما تصادفك أسماء مثل صلاح الدين أو سليمان القانوني، باعتبارهم حكامًا أذكياء، لكن لا يُذكر أي شيء آخر غير ذلك، فلا ذِكر لأي عالم أو كاتب أو فنان أو فيلسوف.
وباختصار ليس ثمة إشارة إلى أي شخص أو أي شيء من شأنه أن يقودك إلى الاعتقاد بأن العالم الإسلامي كان لديه -في أي وقت مضى- أية ثقافة تستحق الذكر . ❝
❞ ما نخطه هنا هو رحلة تاريخية ثقافية فكرية في مسرح تاريخ المسلمين منذ أن انطلق في شبه الجزيرة العربية، ليشمل شعوبًا وقبائل ودول وإمبراطوريات من حدود الصين شرقًا وحتى حدود فرنسا غربًا. إنها رحلة عصف ثقافي ننوي أن تكون مُسلّية وغزيرة بالمعلومات وتختصر الزمن منذ القرن الأول الهجري/السابع الميلادي وحتى القرن الرابع عشر/العشرين.
سوف نتناول في هذا السفر ثلاثة محاور رئيسة، لعلها تراود أذهان الكثيرين ممن لهم دراية بموضوع تاريخ الحضارة الإسلامية على امتداد جغرافيتها ومواقع تأثيرها ومظاهر إبداعها وما قدمته للبشرية. المحور الأول حول النظرة السائدة عند الجميع -في الشرق والغرب- بأن العرب ما قبل الإسلام كانوا من البدو والأعراب ولم يكونوا أهل مدنية عبر تاريخهم الطويل، فقد كانوا مجرد قبائل وتجمعات عشائرية تعيش في الصحاري والفلوات ولم تكن عندهم دول أو ممالك ونظم سياسية في ظل الإمبراطوريتن العظيمتين، فارس والروم. هذه النظرة السطحية في قراءة تاريخ العرب روج لها أيضًا الحركات الإسلاموية في القرن العشرين ليظهروا عظمة الإسلام الذي جعل من أولئك البدو أمة عظيمة اجتاحت الإمبراطوريات العظمى والممالك الكبرى من شرق الهند وحتى غرب أوروبا. ولكن من أجل بيان عظمة الإسلام لا يتطلب بالمرة إزالة تاريخ العرب ونعته بالبداوة وعدم التحضر. فعظمة الإسلام، بنبيه سيد الرسل محمد بن عبد الله (ص) والقرآن رسالته المقدسة الذي نزل عليه، لا تعني أن ما قبله كان مظلمًا وعصرًا ذا جاهلية في كل مظاهره. بل عكس هذه الرؤية هو الصحيح، فالأمة التي تستطيع أن تحمل عظمة الإسلام وينزل عليها ذلك الكتاب العظيم الذي لو أنزله الله ˝على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله˝، فالعرب كان لهم من القدرة على تحمل مسؤولية الرسالة العظيمة ولا بد أن يكونوا بمستوى الاستطاعة، فـ ˝لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها˝.
المحور الثاني هو ما أشاعه المستشرقون، وتبناه الكثيرون من الحداثيين في شرقنا، أنه حتى وإن كان للمسلمين مظاهر حضارية فإنها لم تكن بمستوى حضارة الغرب، فقد كانوا ناقلين لإنجازات وإبداعات حضارة اليونان ولم يضيفوا لها أي إبداعات أخرى. فهم بالأحرى كانوا مجرد مترجمين استنسخوا حضارة مَن كانوا قبلهم ونقلوها إلى من جاء بعدهم ومن هم أهل لها، كأن لسان حال الغرب، ومن لف حولهم من الحداثيين: ˝إنما هي بضاعتنا رُدَّت إلينا˝. فجزى الله العرب والمسلمين خيرًا بأنهم حفظوها ونقلوها إلينا، وإن أضافوا لها بعض هوامشهم فما على الغرب إلا إزالتها وإرجاعها إلى نصوصها الأصلية، ˝فما رعوها حق رعايتها˝ لأنهم ليسوا بذلك المستوى الحضاري والعلمي والفكري والثقافي، فيخطوا على نصوصها ما لا ينفع ولا يفيد لأهلها من الأوروبيين المتحضرين. نقل الحداثيون تلك المفاهيم وغرسوها في عقول النخب الثقافية عندنا، حتى أصبحنا نرددها كأنها جزء من الحقيقة التي يشوبها شك. في حين أن المستشرقين يعلونها علانية أن ما يقومون به في دراساتهم، التي ينعتونها بالموضوعية لكنها في طبيعتها -كما يصرح المستشرق نولدكه في عام 1887 أن ˝نظرته التي تُعليِ من شأن الشعوب الشرقية˝- كما يقول كارل بيكر.. إنهم يدرسون الشرق لكنهم يظهارون نفورهم الفعلي من الشرق، فالإسلام عندهم بدعة مسيحية مارقة، وإن هنالك إيحاء مضمرا بدونيته، وحتى صوفيته فيها قصور معوّق، وإن حضارتهم، للأسف، حضارة لم تتطور، فكل شيء في هذا الكيان الديني للإسلام، من توحيد وعاطفة صوفية وفن وشعر، يُضمر في داخله عداء متأصل لفكرة التجسد الإلهي، ولهذا يستوجب رفضه. نجد هذه الأفكار والمفاهيم الآن رنانة يرددها من نطلق عليها في هذا الكتاب: (الحداثيون الجدد)، الذين يملؤون البرامج التليفزيونية وصفحات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. فكل من ينتقد الحضارة الإسلامية أو يحط من الإسلام ورسوله دائمًا ما يجد من يفسح المجال له في الإعلام ومن يطبلون له على أنه (المفكر)، ولا ندري كيف يمكن لأي إنسان أن يصبح مفكرًا. المضحك المبكي هو أنك إذا كنت (مفكرًا) أو إذا كنت (مكفرًا) سوف تحظى بالشهرة!
المحور الثالث هو الرأي الذي ساد في حقبة ما بعد انتصار الثورة الإيرانية بأن النظام الإسلامي الذي قام في إيران في 1979 هو أول حُكم شيعي في التاريخ من بعد حكم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. فعلى طول فترة الحضارة الإسلامية -كما يدعي البعض- لم يكن للشيعة دور لا في السياسة ولا الحكم ولم يكن لهم تأثير في مجريات شؤون المسلمين طوال أربعة عشر قرنًا، وعليه لم يكن لهم إسهام في الحضارة الإسلامية. فقد كانوا في عزلة، لأن عامة المسلمين السنة نعتوهم بالروافض وعاشوا في أوطانهم مواطنين من الدرجة الثانية -إن صح التعبير. هذه الرؤية حول التاريخ بعيدة عن الحقيقة، فالحضارة الإسلامية شارك فيها جميع المسلمين وغير المسلمين، بمدارسهم المتعددة ومذاهبهم الكثيرة وطوائف المتباينة، حتى أن الحكم السياسي تناوب عليه جميع القوميات والإثنيات والشعوب، فلم تكن الدول وصناعة القرار السياسي فيها للعرب أو للسُّنة وحدهم، فلم يجعل الله الحكم دُولَا بينهم. فقد قامت دول للفرس والترك والأفريقيين وحتى للمغول والمماليك، فكيف لم تسنح للشيعة الفرصة طوال أربعة عشر قرنًا من تداول الحكم فيها؟ وإن كان هذا صحيحا فهذا إجحاف بقدراتهم. ولكن سوف نبين أن للشيعة -كما كان لبقية الطوائف- دولا وممالك وإمبراطوريات عديدة قامت في خلال تاريخ الحضارة الإسلامية.
وفي الختام سوف نعرج على أهم معالم الحضارة الإسلامية من علمائها وفلاسفتها ومفكريها وفنانيها ومبدعيها، منذ فجر الإسلام وحتى بداية القرن العشرين. فلم يتوقف العطاء بسقوط بغداد والأندلس، بل استمر في مواطن بعيدة عن مراكز الصراع العسكري والهزائم الكبرى في قلب العالم الإسلامي. فامتداد جغرافية العالم الإسلامي واسعة جدًا من أن تؤثر عليها بعض الهزائم هنا وهناك. وكما أن حروب الإفرنج -التي يطلق عليها الأوروبيون الحروب الصليبية- لم توقف عطاء الحضارة الإسلامية، فإن الهزائم أمام المغول التتار والأوروبيين لم تُنهِ مداد تلك الحضارة الواسعة النطاق في العالم. وهذا المداد لحضارتنا لم يشمل بعض المعارف والعلوم فحسب، بل جميعها قاطبة، من الفلسفة والطب والهندسة والرياضيات والجغرافية والعلوم الطبيعية والفلكية والفيزياء والكيمياء وغيرها.
لقد أرخ المسلمون وأبناء الملل والنحل في داخل دار الإسلام إبداعاتهم وقاموا بنقل تاريخ وثقافات الشعوب التي تعاملوا معها وعرفوها. وكل هذا المعارف التي جرى تدوينها لم تكن حصرًا عليهم بل كانت للعالمين جميعًا. فالبحث العلمي لم يقم على مبدأ الربح والخسارة كما هو الآن في النظام الرأسمالي الحديث، بحيث يسجل كل باحث براءة اختراعه باسمه ليحصل على الموارد المالية من جراء منفعتها. العلوم في حضارتنا قائمة على مبدأ أخلاقي وهو أنها للناس عامة وليست حكرًا لأحد أو مجموعة أو شركة، فليس هنالك من أرباح تجنى عن طريق البحث العلمي في شتى مجالاته. العلماء إنما يكتشفون من خلال بحثهم العلمي سنن الكون وقوانين الطبيعة وأسرار الحياة التي أبدعها الله في خلقه؛ فالدافع هنا إنساني قائم على جلب الخير للبشرية، على عكس الحضارة الحديثة التي أصبحت العلوم فيها منافع فردية ليصبح، الدافع لها شخصي قائم على الجشع والحصول على المنفعة المادية، لأن صاحبها يعتبر أن ما اكتشفه من أسرار الخلق هو ملكه الشخصي، ولسان حاله يقول: ˝إنما أوتيته على علم عندي˝، وليس ما خوله الله إليه من نعمة وفتح له قلبه وسهل له الطرق والوسائل ليتوصل إلى تلك المعارف. فقيمة البحث العلمي في حضارة المسلمين هي عامة للبشرية جمعاء، وهي قيمة أخلاقية مغايرة عن الحضارة الغربية المعاصرة التي أدخلت الجشع الشخصي كدافع للبحث العلمي، ووضعت القوانين والشرائع لتحمي حقوق احتكار الإبداعات العلمية والفكرية والثقافية.
ومن هذا المنطلق احترم المسلمون إبداعات الحضارات التي سبقتهم ونسبوها لأصحابها ووقروا علماء من سبقوهم وبجلوا مفكريهم. ولهذا نعت المسلمون أرسطوطاليس بـالمعلم الأول، ولم يجدوا في ذلك حرجًا، ونسبوا الرياضيات للشعوب التي جاءت قبلهم، وسموا الأشياء بأسمائها التي استعملتها الثقافات التي سبقتهم. فلم يعربوا المصطلحات العلمية والفلسفية ولا أسماء المخترعات والأدوات التي أنتجتها الحضارات السابقة ولم ينسبوها لأنفسهم.
وفي هذا المحور، سوف نعرج على موضوع الحضارة اليونانية التي نسبها الغرب إلى نفسه، وأنها كانت الجذور -أو البذور- التي نبتت شجرتهم، مع العلم أن حضارة اليونان، تاريخيًا، هي جزء من الحضارات التي قامت في شرق المتوسط حصرًا، فلا يمكن فصلها عن حضارات بلاد الرافدين والشام ومصر؛ فلم يتوجه الإسكندر المقدوني ليفتح بلاد أوروبا، بل كان نصب عينه الشرق، من مصر وحتى الهند. وما يُعرف بالثقافة الهلنستية، التي أقامها الإسكندر المقدوني ومن ورث حكمه من الجنرالات من بعده، هي مشتقة من حضارات الشرق، نبعت من ضمن الثقافات الشرقية، فلم تكن أوروبية المنشأ والجوهر والمحتوى. لم تُعطى للحضارة الهلنستية (الجنسية الرومانية) -إذا جاز التعبير- إلا بعد احتلال الروم ممالك بلاد اليونان في الشرق، وسيطرتهم على مواطنهم في الأناضول وبلاد الشام وشمال أفريقيا. فكانت الإمبراطورية الرومانية وريثة الحضارة اليونانية الشرقية، ولم يسعَ الروم إلى تغيير تلك الثقافة الهلنستية الشرقية الأصل وجعلها لاتينية، بل ساعدوا على ترسيخها بتلك النفحة الشرق أوسطية. فجذور الحضارة الرومانية ذات الجذور اليونانية هي شرقية بامتياز. وهذا واضح وجلي عندما استعارت الحضارة الرومانية دينها من الشرق، فآمنت بالمسيحية التي هي عقيدة سامية نشأت وترعرعت في بلاد الرافدين ومصر واليمن من قبل الساميين في بلاد كنعان. فالفكر الديني للإمبراطورية الرومانية هو دين شرقي تبناه قياصرة الروم وأصبح يشكل أساس ثقافتهم وهويتهم. وعلى هذا الأساس، فإن ثقافة الروم وعلومهم وفنونهم وعقيدتهم شرق أوسطية. وعندما اكتشف الأوروبيون، ورثة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، التراث اليوناني الذي كان عربي الهوية واللغة، فإنهم . ❝
❞ أشد ما يلفت النظر في دراسة تاريخ العلوم الإنسانية والطبيعية، في الولايات المتحدة، هو أن العرض التاريخي يبدأ من فلاسفة اليونان، وبالطبع من الثنائي أفلاطون وأرسطوطاليس، ثم يعرج إلى الفكر الديني للثنائي: القديس أوغسطينوس وتوماس الأكويني، ثم ينتقل فجأة إلى العصر الحديث. وهذه الحالة نراها في العلوم الأخرى أيضا، إذ أن جميع الكتب العلمية لا تذكر أي شيء عما اكتشفه المسلمون أو درسوه أو وصل إليهم، بينما نرى جميع مقدمات الكتب العلمية، أو الفصول الأولى من الكتب العلمية، تذكر ما كان سائدًا قبل 2000 عام، أو ما كان سائدًا، قبل الميلاد، في الحضارة اليونانية، وأحيانا يذكرون المصريين القدماء، ولا يُذكر شيءٌ عن تقدم العلوم وازدهار البحث العلمي والفلسفي في خلال ألف سنة من الحضارة الإسلامية، بل إن هناك -كما تشير بعض الكتب- ˝سُباتا˝ علميا وحضاريا لألف عام وبعدها تحل على أوروبا -بطريقة سحرية أو غامضة- النهضة والتنوير، وهكذا تطورت البشرية . ❝
❞ قد يكون هنالك إشارات طفيفة، بين حين وآخر، تُذكر حول إنجازات العلماء العرب والمسلمين، في مثل ما صرح به الرئيس الأمريكي ريغان في معرض دفاعه عن سياسته الاقتصادية الرأسمالية الصارمة بتخفيض الضرائب على (مالكي رأس المال)، فاستشهد بما كتبه ابن خلدون بأن نهاية عصر الإمبراطوريات يكون عندما تصل إلى مرحلة تكون فيها العائدات الضريبية قليلة بينما مصاريف الدولة كبيرة، وهذا يتطلب تخفيض كل من مصاريف الدولة والضرائب المفروضة على رؤوس الأموال من أجل استثمارها في الإنتاج . ❝
❞ أو ما يعرف «بعقدة الشعور بالنقص»، يطيبها ليس كمخدرٍ ومسكن، وإنما كعامل إنعاش ويقظة، إنه مثل الصدمة الكهربائية التي تنعش القلب وتعيده للحياة من دون أن تمحي ذاكرته ووجوده، بل إنه يسلط الضوء، مثل الليزر، على الحضارة العريقة والراقية، التي منها أخذ الغربيون كل العلوم ونسبوها لأنفسهم بهتانًا وزيفًا . ❝
❞ ونفوذ ليس على الموارد الاقتصادية وإنما على العقول بأن تجعلها تشعر بالدونية والتبعية للغرب. فكانت الأبحاث الأكاديمية تطلق صفة (الشرقي) على كل المظاهر الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تختلف عن الحضارة الغربية، وتجعل من ذلك (الشرق) المتَخيّل نقيضًا للغرب في جوهره وكينونته. ودعم إدوارد سعيد أطروحته بالأدلة القاطعة القائمة على أسس منهجية البحث العلمي . ❝
❞ و هذا الكتاب لكل شاب وشابة يتأرجحون بين الضياع الذي تفرضه عليهم مواقع التواصل الاجتماعي التي تتصف بالسطحية والتفاهة، المنتشرة ليس في مواقع الإنترنت فحسب، بل أصبحت من مصادر الإعلام والثقافة الهابطة، أو بالأحرى يمكن تسميتها بالتفاهة اللامسوؤلة . ❝
❞ والغرب في تعريفهم يشمل بالطبع اليونان والرومان، وليس هنالك من فلسفة في الحضارات غير الغربية، من بابلية أو مصرية، وكذلك ليست هنالك من فلسفة أو علوم عربية أو هندية أو صينية جاءت بعد الرومان حتى العصر الحديث عندما استفاقت أوروبا من غفوتها. فكل ما لديهم -في خلال تلك الغفوة والسبات
الحضاري الأوروبي- ما هو إلا ممارسات سياسية وآراء فكرية وتجارب محلية، لا ترقى لأن تصل إلى مستوى أن تحسب أنها فلسفة ونظريات علمية كما طورها فلاسفة الغرب . ❝
❞ جوهر الإسلام هو الحفاظ على نظرة متكاملة للكون. الإسلام -مثل البوذية والهندوسية- يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، والدين والعلم، والعقل والمادة، وقد حافظ على نظرة ميتافيزيقية وموحدة لأنفسنا والعالم من حولنا. في جوهر المسيحية، لا تزال هناك نظرة متكاملة لقداسة العالم، وإحساس واضح بالوصاية والمسؤولية الممنوحة لنا تجاه محيطنا الطبيعي˝. إذ أن الإسلام -كما قال الملك البريطاني عندما كان أميرا- جزء من ماضينا وحاضرنا في جميع مجالات النشاط البشري. لقد ساعد في إنشاء أوروبا الحديثة. إنه جزء من ميراثنا، وليس شيئًا منفصلًا.
وبسبب هذه الكلمات اتهمه أحد أعمدة المحافظين الجدد، دانيال بايب، قائلًا: ˝الأمير تشارلز أصبح مسلمًا˝. بالنسبة لهؤلاء -من حاملي الرايات القاتمة لاحتلال العالم- إن اتهامهم لشخصية سياسية بأنه مسلم هو شتيمة، وشيء أسوء من كونه شيوعيًا أو همجيًا أو شيطانيًا . ❝
❞ قبل مائة عام، كان من أمثال المحافظون الجدد مجموعة من الباحثين يُطلق عليهم ˝المستشرقين˝، وهم الأكاديميون المعنيون باكتشاف مساوئ الشرق، وإعلان فوقية الغرب على جميع الأمم، ولهذا يصلح احتلال أراضيهم وإدخال الحضارة في ربوع بلدانهم، ولا ضير أن يكون في جراء عملية الاحتلال هذه أن تنهب ثرواتهم، لأنهم لا يتمكنون من وسائل الاستفادة منها، فالغرب أحق بها منهم! مثلًا، عندما امتنعت الدول العربية عن بيع النفط للدول الغربية، في بداية سبعينيات القرن العشرين، أخبر وزير الخارجية الأمريكية كسينجر الملك السعودي فيصل: ˝إذا لم ترفع السعودية المقاطعة، ستأتي أمريكا وتقصف حقول النفط˝. وأجابه الملك فيصل بعزة العربي الأصيل: ˝أنتم من لا تستطيعون العيش بدون النفط، أما نحن فقد أتينا من الصحراء، وأسلافنا عاشوا على التمر واللبن ويمكننا بسهولة العودة والعيش كما كنا˝ . ❝
❞ نظرة الاستشراق الغربية لعالمنا نحن نابعة من عنصرين؛ هما: الخوف من تهديد (الشرق) الذي كان يتمثل بالدولة العثمانية، وإحساس أبناء أوروبا بالجهل الذي خيم على قارتهم لأكثر من ألف عام. فقامت الدراسات الأكاديمية حول الشرق بتزييف صورة ما تعتبره مناقضًا للغرب؛ فأصبح الشرق يمثل الإسلام وأهل الشرق، رغم اختلاف أوطانهم وتباين ثقافاتهم، إنما هم بمجملهم العرب. وهذه الصورة المنحرفة جاءت في زمن التوسع والهيمنة والسيطرة الأوروبية على العالم كله، فهي قائمة على احتواء هذا الشرق، فما الإسلام إلا صورة منحرفة عن المسيحية، ليس عليهم تصحيحها وإنما إعادة معتنقيه لجذوره الحقيقية، وما جاء به العرب المسلمون إنما هو ترجمات هي أيضًا منحرفة عن أصولها اليونانية، وتجب العودة إلى تلك الأصول الصحيحة، وعدم إعطاء أي ذِكر أو اعتبار ذي قيمة لما أنجزه (البدو) في العصور الوسطى . ❝
❞ ❞ نظرة الاستشراق الغربية لعالمنا نحن نابعة من عنصرين؛ هما: الخوف من تهديد (الشرق) الذي كان يتمثل بالدولة العثمانية، وإحساس أبناء أوروبا بالجهل الذي خيم على قارتهم لأكثر من ألف عام. فقامت الدراسات الأكاديمية حول الشرق بتزييف صورة ما تعتبره مناقضًا للغرب؛ فأصبح الشرق يمثل الإسلام وأهل الشرق، رغم اختلاف أوطانهم وتباين ثقافاتهم، إنما هم بمجملهم العرب. وهذه الصورة المنحرفة جاءت في زمن التوسع والهيمنة والسيطرة الأوروبية على العالم كله، فهي قائمة على احتواء هذا الشرق، فما الإسلام إلا صورة منحرفة عن المسيحية، ليس عليهم تصحيحها وإنما إعادة معتنقيه لجذوره الحقيقية، وما جاء به العرب المسلمون إنما هو ترجمات هي أيضًا منحرفة عن أصولها اليونانية، وتجب العودة إلى تلك الأصول الصحيحة، وعدم إعطاء أي ذِكر أو اعتبار ذي قيمة لما أنجزه (البدو) في العصور الوسطى. ❝ . ❝
❞ فإذا كان تعريف الغربية هو الأصول اليونانية/الرومانية، فإن أوغسطينوس لا يُعدّ -في هذا المجال- من الأصول الغربية. كما أن المسيحية لم تحمل الهوية الغربية إلا بعد أن استعارت الإمبراطورية الرومانية ذلك الدين السامي من الشرق. والأمر ينطبق على الفلسفة كذلك؛ فهي قامت في بلاد اليونان التي تتصل جذور ثقافتها بحضارات الشرق الأوسط، ثم بعد ذلك طورها المسلمون، ليتعرف عليها الغرب من مصادرها العربية. قد كتب مارك غراهام في كتابه (كيف صنع الإسلام العالم الحديث):
˝ولكن أوروبا، في الحقيقة، تعلمت وتتلمذت على يد علماء المسلمين مدة نصف ألفية، فبالإضافة إلى كون المسلمين شعوبًا حفظت العلم واحتضنته، كان المسلمون يمثلون كل تلك الأشياء التي أنكرتها عليهم تلك الكتب المنهجية، فقد كانوا فنانين وشعراء وفلاسفة وعلماء رياضيات وكيمياء وفلك وفيزياء. باختصار كانوا متحضرين في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تتمرغ في الهمجية... فإنها أثرت بشكل مباشر في أوروبا ككيان ثقافي وقوة علمية وسياسية، وبقدر ما يستنكف البعض من الاعتراف به، فإن العالم الإسلامي هو العملاق الذي بنيت على أكتافه النهضة الأوروبية˝.
عندها بدأت أوروبا التعرف على الفكر الفلسفي العربي في القرون الوسطى، وبدأت تقرأ بالفعل كتابات الفلاسفة المسلمين، كان المنطلق، بالطبع، هو الفارابي في كتابه (آراء المدينة الفاضلة) . ❝
❞ يتحدث فيه الكاتب عن الجيل القرآني الفريد وطبيعة المنهج القرآني، ونشأة المجتمع المسلم، والجهاد في سبيل الله، وجنسية المسلم و عقيدته باعتبارها معالم مهمة في طريق الأمة الإسلامية للتمكين و قيادة العالم . ❝
❞ كنا نعتقد أن الدراسات الأكاديمية الغربية في طبيعتها موضوعية ومحايدة، وتجاهد للوصول للحقيقة بعيدًا عن الخلفيات التراثية والثقافية والمعتقدات المسبقة، لكننا وجدنا في هذا الجانب من تاريخ العلوم ومسألة تطور تلك العلوم منذ نشأتها، أن هنالك تغييب ظاهر وجلي في عدم التطرق، ولو بجملة واحدة أو ذكر بسيط، لمساهمات العرب والمسلمين، على الأقل في ترجمة ونقل الفلسفة وتلك العلوم اليونانية إلى أوروبا. كان ذلك بالنسبة لنا صدمة لا يمكن تقبلها وتجاوزها، ونحن الذين كنا نؤمن بأن هنالك موضوعية أكاديمية ودراسات حيادية في النظر والتحقيق العلمي الجاد في جذور المعرفة . ❝
❞ كان استشهاد رئيس أمريكي بمفكر اقتصادي عربي -عاش في زمن يطلق عليه عصر الظلمات في منطقة شمال أفريقيا التي توصف بأنها متخلفة- مفاجئ للجميع، فقد كتبت عن ذلك التصريح للرئيس ريغان العديد من الصحف والمصادر الإعلامية، إذ كيف يستشهد الرئيس الأمريكي في دفاعه عن سياسته الاقتصادية بما قاله مفكر عربي عاش في القرن الرابع عشر! فكتبت صحيفة النيويورك تايمز مثلًا مقالا يثير الاستغراب والتعجب -أو الاستهجان- تحت عنوان: (ريغان يستشهد بمفكر إسلامي). ولكن مثل هذه الإشارات طفيفة وقليلة لتكون حافزًا لتغيير التوجه الشعبي والأكاديمي العام.
وعندما صرح الملك تشارلز، في كلمته في ولتون بارك: ˝الإسلام يمكن أن يُعلمنا طريقة للتفاهم والعيش في العالم، الأمر الذي فقدته المسيحية. الإسلام يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، والدين والعلم، والعقل والمادة . ❝
❞ المشكلة عندنا ليست الاحتلال والمستشرقين بقدر من هم أعوان ذلك الاحتلال، أو من يطلقون على أنفسهم ˝الحداثيون˝ الذين يبررون للاحتلال كل شنيعة اقترفها في بلادنا . ❝
❞ ألم يكن هنالك فلاسفة غير يونانيين أو من غير الشعوب الأوروبية قدمت إسهامات فلسفية أو علمية في تلك الفترة التي استمرت لقرون عديدة؟ هل البشرية عقمت لأن العالم الأوروبي انتابته فترة عصيبة من الضياع وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي مما شغله عن الإبداع الفكري؟ فما هي مساهمة ما قدمه -مثلًا- كل من الفارابي وابن سينا وابن خلدون في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية والطبيعية؟ . ❝
❞ إنهم -بالطبع- يتطرقون إلى أن عصر النهضة الحديث بدأ عندما تعرف الغرب على كتابات فلاسفة اليونان، لكنهم لا يذكرون أن الذي نقل لهم هذا التراث هم المسلمون، وأن مصادرهم كانت بالعربية، وأن الذي قام بترجمتها رهبانهم في ذلك الزمان. عندما يجري الحديث حول هذا الموضوع مع الأساتذة الأكاديميين الذين تتلمذنا على أيديهم -ولنأخذ مثال الفلسفة السياسية، منذ بدايتها في اليونان من زمن ما قبل سقراط وحتى الماركسية في القرن العشرين- ونستفسر منهم لماذا هذا التغييب للمساهمة العربية في نقل التراث اليوناني إلى الغرب وما السبب في عدم ذكر الفلاسفة المسلمين في هذا المجال الفكري والفلسفي؟ كانت حججهم هو أننا ندرس النظرية السياسية الغربية ولا علاقة له بفكر الآخرين. وهم بالأحرى ينوهون إلى أن الفلسفة، في الواقع، نتاج العالم الغربي حصرًا؛ فلا شيء قبله ولا شيء بعده أيضًا . ❝
❞ هنالك قفزة فجائية تتجاوز الأف عام تقريبًا، كأن العالم والتاريخ في حالة سكون أو سبات، ما دامت شعوب القارة الأوروبية تمر بما يعرف بعصر الظلمات؛ ففي النظرية السياسية مثلًا هنالك طفرة من فكر فلاسفة اليونان المثالية في القرن الثالث قبل الميلاد إلى الواقعية الميكافيلية في القرن الخامس عشر الميلادي. التساؤل المحير هنا هو: ما هو دور فلاسفة العصر الوسيط (الذي يطلقون عليه عصر الظلمات)؟ . ❝