█ _ رضا البهات 2018 حصريا قصة ❞ حكايات شتوية ❝ عن دار بدائل للنشر والتوزيع 2024 شتوية: مجموعته القصصية "حكايات شتوية" يلج الكاتب عالم المرضى والمستشفيات ويصل إلى أماكن أخرى كالقرى والسجون والبيوت ليلتقط صورًا صادمة من حياة المهمشين وقد استفاد مهنته طب الأطفال ليقتنص لحظات المآسي والخيبة والمرض والعجز والفقد والإغتراب النفسي وينقلها فضاءات الواقع السرد الذي تتوزعت قصصه سبعة فصول: طقوس بشرية تخوم المدينة أسرية يوم الزيارة عنبر شاطيء البحر هذه المجموعة حصلت جائزة ساويرس الثقافية لعام 2019 قضايا معاصرة مجاناً PDF اونلاين ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل
❞ فى قفزة واحدة، كان العجوز الغاضب ينهال على خطم الحصان المنهك، لطماً عشوائياً، وينط كى تطال لكماته الوجه الهارب عبثاً، وبقى للجسد المقيد إلى العربة أن ينتفض فى موضعه، أو تندفع مؤخرته لأعلى فى رفسات عاجزة مكبولة، كف العجوز لاهثاً، سوى عن غمغمة ةغاضبة وبصقة يصوبها كل حين بين قدميه. عدنا «نزق»، وحاول الحصان أن يهم بصدره ويحمحم، حاول وضرب بقوائمه فى غير توافق. بعد قليل ودونما حماسة توقف كل شىء . ❝
❞ مثل قلعة سحرية تحيطها غلالة من ضباب، بدت المدينة لقاصدها عبر المطلع فى الفجر، تلطخ ضبابها هالات من ضوء مغبر حول أنوية شديدة الحمرة، لمصابيح واهنة تتلامح فى ارتعاش؛ إذ تقاسى طوال الليل نزف نورها القليل.. وتقاسى المطر . ❝
❞ وإلى تحت ينحدر مدق، هو مهبط لأقدام آخر النهار، ويصلها بتخوم سكنت إلى هيئة بيوت واضعة وأعشاش هاجعة بدورها فى هذه الساعة من فجر شتائى مفعم بالسكون، إلى أن يشقه شقاً صفير متقطع لقطار الصبح، حينئذ يجوز للعين أن تتلمس فى الغبش كهيئة عربة اليد، يجرها أحدهم جاهداً فى ارتقاء المطلع، أو تلمح أشباحاً مدثورة إلى آذانها وأنوفها . ❝
❞ الجميلة تتزوج الديك الشركسي قصة تستوحي بعض الفلكلور وتمزجه مع الخيال والفانتزيا والطرافة، تدور أحداثها حول فتاة جميلة يقصد بابها الشبان رغبة في الزواج منها والفوز بها لكنها لا تعرف من الأجدر بها، إلا إن عزف على الناي يأثر قلبها وتتمنى لو يجمعها القدر بذلك العازف وتتزوجه، والعازف لا يعرف أمنياتها لكنه يكابد حبها والفقر الذي يمنعه من طلب يدها، تحاول جميلة المدينة الوصول لعازف الناي عبر مغامرات كادت أن تنتهي بها زوجة لمن لا يستحقها، لولا عدل القاضي وحيلة أم العازف ليتزوج الاثنان في نهاية سعيدة. القصة تعلم الطفل الثقة بالنفس وإعمال العقل والمثابرة، والإصرار على تحقيق الأحلام والأمنيات . ❝
❞ كان الخبر قد انتشر وتوافد الناس بسرعة إلى بيت القاضي، وهم يرددون عبارات الأسى والرثاء للفتاة سيئة الحظ، وفي غرفتها كانت أميرة تبكي بعد أن صارت مخاوفها واقعًا لا سبيل إلى الهرب منه، بينما كانت ˝أم الحنة˝ تواسيها، وتؤكد لها أن هناك خدعة ما، وأن: ˝ثقي بالله يا صغيرتي˝ . ❝
❞ أعدوا العرس، أميرة لأبي الرقبان، وأبو الرقبان لأميرة˝.
علا بكاء البعض، وزغاريد البعض، وصمت الباقون في ذهول. بينما وقفت أم البستاني ساهمة كمن تنوي أمرًا ما، وانصرف الناس وهم يطلقون العبارات الحزينة حينًا والساخرة حينًا . ❝
❞ ˝كان قاضي القضاة قد أمر طيور المدينة أن تتحرى أمر البيضة، وكيف وصلت إلى يد الشاب العابث، جاءته اليمامات والهداهد بخبر امرأة قبيحة الشكل تسكن كوخًا قذرًا في الخلاء، وأنهم سمعوها تحدث نفسها، وتقسم بسحرها وقدرتها أن تنقل الخاتم في المرة القادمة من اليد التي تعثر عليه إلى حمار أجرد مقطوع مقطوع الذيل˝ . ❝
❞ كان الفتى قد تردد في أن يقطعه فوضعه إلى جواره وراح يتمتم بكل ما في قلبه من أدعيه ليجد الخاتم بداخله. قالت له أمه بابتسامة: ˝ليجعلها الله من نصيبك، إذا هي من كانت تلهم شفتيك كل هذه الألحان˝ . ❝
❞ علت زغاريد الناس وقالت أم الحنة ل ˝أميرة˝: القاضي والله عاشق قديم، وأنا من زوقت له امرأته أيام كنت أعمل هذا، وهو يعرف أن المحبين يتصرفون بطريقة واحدة دائمًا˝، تنهدتْ بأسى قبل أن تردف: ˝إلا ذلك العاشق الخجول، هل سمعت الألحان؟˝ . ❝
❞ هتعلم طفلك ما يتسرعش في الحكم على أصدقاءه من أحداث القصة اللي من خلالها بيفهم الحيوانات صديقهم القرد غلط وبيحكموا عليه بالكذب وبعدين بيفهموا الحقيقة وبيرجع السلام والوئام . ❝
❞ سحب الصياد السنارة بسرعة، فوجدت السمكة نفسها على الأرض، وفي فمها قطعة الخبز، انتبهت القطة والنملة إلى مكان السمكة ورأت كل منهما شيئًا غير الآخرى، فالقطة رات السمكة الشهية، والنملة رأت قطعة الخبز الشهية، فهل ستحصل كل من القطة والنملة على الطعام، وماذا سيفعل الفيل والقرد والجمل . ❝
❞ نأكل فى العام أطنانا من الخبز والخضروات والحيوانات كى نكبر قدر أصبع، وأنا لم أقرأ منذ عشرين عاما ما يجدد أنسجة عقلى. كيف سأكتب جملة تضىء عقل أحد؟ على رصة كتب جلست كمن يتأمل شخصا غيره ينحسر عنه العمر.. لا ليس العمر إنما حاجة الآخرين له.. العمر حفل تنكرى يبادل فيه الجميع ذواتهم باعتيادية وبغير كلل.. كم اعتقدت أن حضنا عاريا يكفى لترميم روحى.. لكن: لا يكفى البكاء لكى يذهب الحزن. لا تكفى الهزائم كى أكتب رواية: اتسخ زجاج الساعة الرملية وتيبس الرمل فى قاعها . ❝
❞ أنا ممن يطلق مشاعره بحذر، رجاء المحافظة على وحدة أحرص عليها». فى الرواية تدفق عشوائى تحكمه براعة لغوية وحس تشكيلى نادر. بطل الرواية التى لا تريد أن تكتب يتخلص من مكتبته التى تحتوى على مؤلفات كتاب يكتبون ثلاث روايات فى نفس الوقت: «لهذا الكاتب أكثر من ثلاثين كتابا بمكتبتى ورق كثير وحبر كثير لكاتب، وفى الطبخة المصرية نكررها فوق ثلاثين مرة.. بق من الحرية على بقين عن الاشتراكية على جملتين فى الليبرالية وثلاث أبقاق ناصرية زائد مقادير متساوية من التدين والعلمانية. ثم بعد أن تغلى المقادير وتجىء الأموال والجوائز، يضيف ثلاثة مكاييل من العداء لإسرائيل على مثلهم من «وإن جنحوا للسلم» ويرش فوق الخلطة ملعقتين من الفضى ثم يصب فى قوالب من مديح الفقر والفقراء، أو فى قالب كبير من ضعف الفكرة المصرية . ❝
❞ لو كنت مؤمنا لقضيت الوقت فى الصلاة والدعاء. لكننى لا أحفظ الأدعية المصكوكة لكل الناس». أحفظ «إذا جاءت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، كان هذا دعاء يحبه توفيق الحكيم، ولكنه لا يصلح كدعاء. أقول:
«اللهم أدخلنى فى تجربة. ولا تجعلنى ممن يعتاد القبح ولا تكلنى إلى من يكره الحياة، ولا إلى سياسى «تكلام» يلعب بالبيضة والحجر وألهمنى يا رب قول ما أعرف لا ما تردده الألسنة حتى لا أضل السبيل إلى نفسى . ❝
❞ لماذا أريد كتابة رواية أصلاً، العالم لن ينقص شيئا إن لم أسرد له بعضا من ملامح الفقر ذى الكبرياء.. حيث الشمس والحرارة شرطان لكى يكون هناك شباك فى جداره حيث القلل وأعواد النعناع، وجوه البنات ضرورات تقتضيها هذه الشبابيك. ضلالات طالما هيجت حنينى إلى آباء ذوى شوارب ضخمة صفرتها الجوزة وأمهات يفتشن عن الأحزان الشاغرة ويحتلن على الحياة ليمضى منها يوم آخر . ❝
❞ تلك الغجرية الشابة ذات (الملبس) الأسود اللامع، الذي يبدو دائمًا كأنه مبلل فوق جسد متناسق، يتدلى شعرها من تحت عصبة كشريط حول جبهتها، أسود مموج كثيف يضوع حولها برائحة عشبية. كنت أقف وأنا صبي لأراقبها بالساعات عند عم موريس حداد القرية. تكلمه قليلا ثم تصمت وتتابع عمل يديه. وهو يطرق شرائح النحاس وأعواد الحديد، ويبطط قطع الألومينيوم جاعلًا منها حليًّا ذات أشكال مختلفة، يمسكها من جديد بكلابات من الحديد ويلبث بها فوق النار لثوان ثم يغطسها في البئر، ويناولها إلى جورية، فتظل تضرب هذا في تلك، وتخبط هذه في ذاك، أو تمسكها بأطراف أصابعها وترعشها وتتسمع الرنين، ثم تطلب منه أن يزاوج حليتين ذواتي نغم معين فيشبكهما بسلك، ويعود ليقص من هذه أو يجوف تلك، أو يقوس ثالثة، وتعيد جورية اختبارها من جديد، حتى يتأتى لها الرنين الذي تريده . ❝
❞ يا بُني.. نحن معشرالرجال كالطالعين على سلم، درجة درجة إلى شخصياتنا الحقيقية. هذا السلم درجاته من البنات، نطلع سلمة فلا تعود البنت بالنسبة لنا غير ذاكرة لا تجذبنا بشيء، إلا من رَحِم ربي.
- ومين بأه مَن رحم ربي؟
- اللي بيكبروا مع بعض، يابختهم يفضلوا طالعين السلم إيدهم في إيد بعض، وده اللي بتشوفه في الأجانب، إنما إحنا يابني بنتجوز على أد فلوسنا. التخلف مش كلمة من أربع حروف، ده تفاصيل حياة . ❝
❞ في المساء وعلى المقهى الذي يلتقي فيه أصدقاءه من المثقفين والشعراء راح يحكي عن فتاة الصبح وعن الحب وكيف أننا مقبلون عن زمن تنعقد فيه السيادة للأنثى، كلما أحكمت قبضة القسوة والانعزال الشيطانية حول قلب الإنسان، المرأة ضمان الحياة الوحيد بإهاب خضرتها الأبدية المقدسة وكان ضمن الملتقين شاعرة شابة قالت: لكن هذه القبضة المحكمة بالقسوة أيضًا داخل المرأة وحول قلبها.
فبدا له العالم ثانية قدريًا مفعمًا بالشؤم والعدم وقال إننا نتعالى على مشاعرنا الطبيعية البسيطة، كالرقة والحنان والوفاء، وأنا كم كنت أنفر من اللمسات الصغيرة بحثًا عن ذلك الشئ الكبير الذي يجتاحني كإعصار ويهز شجرة وجودي باستمرار، لكنه لم يكن يأتي أبدًا، من أجل هذا الشئ نهتك جميعًا المساحة الفاصلة بين عالم الأسطورة والحياة، مأساتنا أننا نعيش الحياة بطريقة أسطورية، فانبرى له أحدهم قائلا:
مأساتك وحدك، إن مساحة فعالية أي إنسان تتحدد بقدر الجنون فيه،
لا بقدر العقل فما بالك بشاعر . ❝
❞ الحياة أغنية قصيرة وكل أغنية تشبه حياة مغنيها، حين عاد إلى بيته حاول أن يتذكر قائل هذه العبارة، واجتاحه إحساس بالنشوة ورشاقة العقل، وأحس أنه يتهيأ لحالة الكتابة، يعرف لونها ويعاني علاماتها قبل أن يكتب، ويهيّئ لها طقوسها التي تثقل عليه أحيانًا، لكن ما البأس إنها لا تخصه وحده، تشيكوف مثلًا كان يسدل ستائر الغرفة ويدعو خادمه لينظف المكتب من التراب، ثم يحلق ذقنه، ويرتدي ثياب الخروج كاملة ويتعطر، كأنه يتهيأ للقيا حبيبه، ثم يضيء سراج الحجرة ويسمك بالقلم فلا يدعه حتى ينتهي مما كان قد هم بإنجازه . ❝
❞ في أقصى ساحة المسجد خلع الشيخ جلال ساقه، واصطف له الصغار أقواسًا، «احكِي لنا حدوتة، أيوة حدوتة كوز الدر اللي فضل يكبر ويكبر لحد ما بقى راجل بشنبات، وسنبلة القمح اللي فضلت تسمن وتتدور لحد ما بقت ست الحسن والجمال، والنحلة اللي كانت بتنقل رسايل الغرام بينهم في غيط الله»، استلّ الشيخ جلال من حرامه نايًا مزينًا بأفرع من حرق النار، وسكنت الحواسّ الصغيرة لدى أصابعه الغلاظ، يشهق تحت أناملها ثقب ويزفر آخر محررًا النغم الحبيس فورات من دخان ملون، لم يكن العزف حزينًا كقلب العازف، ولا بهيجًا بهجة الأولاد، كان شرائط ملونة تصاعد من الثقوب، سرعان ما تكاثف بخارها رجلا ضخمًا يترقص بحركات مضحكة.. «انت، والله هو انت يابا جلال، فين الجبة والعمة؟»، ثم تفتت الضباب وتشكل أبدانًا رخوة من وبر أبيض كملائكة، شهق الأولاد ودوَّى تصفيقهم، أعقبها بفئران وردية عارية من الشعر، ثم حيّة رفيعة التفَّت على الناي، جعل ينفض ذيلها كلما لامس أنفه فتدفعه من ثقب وتخرجه من آخر، طرق الرجل الأرض بالناي مرات حتى اختفت الأفعى، من أوسع الثقوب طارت ورقة شجر مبرومة وانفزع الأولاد من شرر راح يومض من فتحات الناي مثل قصف البرق تتصادم معه النغمات في عشوائية، وانسرق الصغار إلى دوار من السحر الأرضي، طفا بهم خفافًا على وسادات من الهواء حتى أن البنات صرخن وبال الأولاد في جلاليبهم لدى ندف تطايرت كقطن يجري تنفيضه بهيئة بشر متشابهين، راحوا يسبحون في فضاء المسجد قبل أن يمتصهم الهواء، وظلت وجوه الأولاد معلقة باتجاه كتلة ضخمة من ضباب أزرق تتشكل حصانًا مجنجًا يندفع طائرًا عبر باب المسجد فصرخوا فرحين وصفقوا طويلًا، مما لفت إليهم جلاس المكتبة البعيدين، وحدا بأحدهم لأن يقول: «إيه شغل العيال ده يا شيخ جلال، انت في بيت الله» وكان الموظف العمومي؛ توقف الشيخ جلال عن العزف سائلًا: «ألا يا صبري افندي قانون عدم الجمع بين وظيفتين عقوبته جامدة أوي كده؟»، «ليه يا شيخ جلال؟ ناوي تشتغل حاوي؟»، فأشار الشيخ جلال إلى حجره شاكيًا بغاية الجدية: «أصل ابن الأبالسة ده من يوم ما صدر القانون وهو مش راضي غير يتبول بس»، ثم رفع الناي إلى شفتيه غافلا عن موجة الضحك التي انفجرت هناك . ❝