█ _ محمد ابن قيم الجوزية 1998 حصريا كتاب ❞ زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) ❝ عن مؤسسة الرسالة 2024 (كامل): من تأليف خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر فيه سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه وقد ألف هذا الكتب أثناء السفر ولم تكن معه أية مصادر ينقل منها ما يحتاج إليه أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع ذلك فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل حديث الموضوع الذي يخصه مع العلم أن القيم كان يحفظ مسند الإمام أحمد بن حنبل يضم أكثر ثلاثين السنة النبوية الشريفة مجاناً PDF اونلاين السيرة لغة: تطلق اللغة السنّة والطريقة والحالة التي يكون عليها الإنسان قال تعالى ( سنعيدها سيرتها الأولى ) اصطلاحاً: هي نقل إلينا حياة النبي منذ ولادته قبل البعثة وبعدها وما رافقها أحداث ووقائع حتى موته وتشتمل ميلاده ونسبه ومكانة عشيرته وطفولته وشبابه بعثته ونزول الوحي عليه وأخلاقه وطريقة حياته ومعجزاته أجراها الله يديه ومراحل الدعوة المكية والمدنية وجهاده وغزواته تكون مرادة لمعنى عند علماء الحديث وهو أضيف إلى قول أو فعل تقرير صفة كما تعني العقيدة وأصول الدين طريقة وهديه أما التاريخ فإنها أخباره ومغازيه [2] للسيرة أهمية عظيمة مسيرة الحياة البشرية بشكل عام وفي المسلم خاص وذلك لأنها تعين أمور عديدة :
❞ كَرِهَ ﷺ لأهل المجلس أن يُخلُوا مَجْلِسَهُم مِنْ ذكر الله عزّ وجل ، وقال ( مَا مِنْ قَوم يقومُونَ مِنْ مجلس لا يَذْكُرُونَ الله فيهِ إِلا قَامُوا عَنْ مثلِ جِيفةِ الحِمَارِ ) ، وقالﷺ ( مَنْ قَعَدَ مَقعَداً لم يَذكُرِ اللهَ فِيهِ كَانَتْ عليهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ ، ومَنِ اضطجع مضجعاً لا يذكر الله فيه ، كان عليه من اللهِ تِرَةٌ ) والتَّرَةُ : الحسرة ، وفي لفظ ( وما سَلَكَ أَحَدٌ طَرِيقاً لَم يَذكُرِ اللَّهَ فِيهِ ، إِلا كَانَتْ عَلَيْهِ تِرَةٌ ) ، وقال ﷺ ( مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِس ، فَكَثْرَ فِيهِ لَغَطُهُ ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ أشْهَدُ أن لا إله إلا أنتَ أستغفِرُكَ وأتُوبُ إليكَ إِلا غُفِرَ لَهُ مَا كانَ في مجلسه ذَلِكَ ) ، وفي سنن أبي داود ومستدرك الحاكم أنه كَانَ ﷺ يَقُولُ ذلِكَ إذا أرادَ أن يَقومَ مِنَ المَجلِس ، فَقَالَ لهُ رَجُلٌ : يَا رسولَ اللهِ ، إِنَّكَ لَتَقُولُ قَولاً مَا كُنْتَ تَقُولُه فيمَا مَضَى ، قال ﷺ : ذلِكَ كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي المَجْلِسِ ) . ❝
❞ للصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة ، والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، و استفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها ، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات ، فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتب عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، ولما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات ، وتعديل قوتها الشهوانية ، لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها ، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ مِن حِدَّتِها وسَوْرتها ، ويُذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين ، وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب ، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ، ويُسكنُ كُلَّ عضو منها وكُل قوة عن جماحه ، وتُلجم بلجامه ، فهو لجام المتقين ، وجُنَّةُ المحاربين ، ورياضة الأبرار والمقربين ، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال ، فإن الصائم لا يفعل شيئاً ، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده ، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته ، وهو سر بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليه سواه ، والعباد قد يَطَّلِعُونَ منه على ترك المفطرات الظاهرة ، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده ، فهو أمر لا يطلع عليه بشر ، وذلك حقيقة الصوم ، وقال النبي ﷺ ( الصَّوْمُ جُنَّة ) وأمَرَ مَن اشتدَّتْ عليه شَهوة النكاح ، ولا قدرة له عليه بالصيام ، وجعله وجَاءَ هذه الشهوة ، والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة ، شرعه الله لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ، وحميةً لهم وجُنَّةٌ . ❝
❞ فلما كان صُفَر ، قدِمَ على رسول الله ﷺ قَوْمٌ مِن عَضَلِ والقارة ، وذكروا أن فيهم إسلاماً ، وسألوه أن يبعث معهم من يُعَلِّمُهم الدِّينَ ، ويُقرتْهُمُ القُرآن ، فبعث معهم سِتَّةَ نَفَرٍ في قول ابن إسحاق ، وقال البخاري : كانُوا عشرة ، وأَمَّرَ عليهم مَرْثَدَ بنَ أَبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِي ، وفيهم خُبيب بن عدي ، فذهبوا معهم ، فلما كانوا في الرجيع ، وهو ماءٌ لهذيل بناحية الحجاز غدروا بهم واستصرخوا عليهم هذيلاً ، فجاؤوا حتَّى أحاطوا بهم فقتلوا عامتهم ، واستأسُروا حُبَيبَ بْنَ عدي ، وزَيْدَ بن الدثنةِ ، فذهبوا بهما ، وباعوهما بمكة ، وكانا قتلا من رؤوسهم يَوْمَ بدر ، فأما خُبيب ، فمكث عندهم مسجوناً ، ثم أجمعُوا قتله ، فخرجوا به من الحَرَمِ إلى التنعيم ، فلما أجمعوا على صلبه ، قال : دَعُونِي حَتَّى أَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ ، فتركُوهُ فصلاهما ، فلمَّا سَلَّمَ ، قال : واللَّهِ ، لَوْلَا أَنْ تَقُولُوا إِنَّ مَا بِي جَزَعٌ ، لَزِدْتُ ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً واقْتُلْهُمْ بدَدَاً ، ولا تُبقِ مِنْهُم أحداً ، فقال له أبو سفيان أيسرك أن محمداً عندنا تُضْرَبُ عنقه وإنك في أهلك ، فقال: لا والله ، ما يسرني أني في أهلي ، وأنَّ محمداً في مكانه الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ ، وفي الصحيح أن خبيباً أوَّلُ مَنْ سنَّ الركعتين عند القتل ، وقد نقل أبو عمر بن عبد البر ، عن الليث بن سعد ، أنه بلغه عن زيد بن حارثة ، أنه صلاهما في قصة ذكرها ، وكذلك صلاهما حِجْرُ بنُ عدي حين أمر معاوية بقتله بأرض عذراء من أعمال دمشق ، ورُئيَّ خُبيب وهو أسير يأكل قِطْفاً مِن العِنَبِ ، وما بمكة ثَمَرَةٌ ، وأما زيد بن الدَّثنَةِ ، فابتاعه صفوان بن أمية ، فقتله بأبيه . ❝
❞ عبارة لفتت أنتباهي كثيرا في كتاب أبن القيم زاد المعاد في هَدّي خير العباد ﷺ ، يقول فيها عن الصلاة على النبي ﷺ : ) وأَكْمَلُ ما يُصلّى عليه به ويَصِلَ إليه ، هي الصلاة الإبراهيمية كما عَلَّمَ أمته أن يُصلُّوا عليه ، فلا صلاة عليه أكمل منها ، وإن تحذلق المتحذلقون ) . ❝
❞ 🔸️الخاصة الحادية عشر : أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال ، عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه . 🔸️ الخاصة الثانية عشر : قراءة سورة الجمعة والمنافقين ، أو سبح والغاشية في صلاة الجمعة ، فقد كان رسول الله ﷺ يقرأ بهن في الجمعة . 🔸️الثالثة عشر : أنه يوم عيد متكرّر في الأسبوع . 🔸️الرابعة عشر : أنه يُستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها . 🔸️الخامسة عشر : أنه يستحب فيه تجميرُ المسجد ، فقد ذكر سعيد بن منصور ، عن نعيم بن عبد الله المُجْمِر ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يُجمر مسجد المدينة كُل جمعة حين ينتصف النهار ، قلت : ولذلك سمي نعيم المُجْمِر . 🔸️السادسة عشرة : أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها ، وأما قبله فللعلماء ثلاثة أقوال وهي روايات منصوصات عن أحمد ، أحدها : لا يجوز ، والثاني : يجوز ، والثالث : يجوز للجهاد خاصة .🔸️ السابعة عشر : أن للماشي إلى الجمعة بكل خُطوة أجر سنة صيامها وقيامها ، قال رسول الله ﷺ ( من غَسَّلَ واغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وبَكَّرَ وابْتَكَرَ، وَدَنَا مِنَ الإمام ، فأَنْصَت، كانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها صِيامُ سَنَةٍ وقيامها ، وذلِكَ على الله يسير ) . ورواه الإمام أحمد في مسنده . 🔸️الثامنة عشر : إنه يوم تكفير السيئات ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سلمان بأن رسول الله ﷺ قال له : أَتَدْري ما يَوْمُ الجُمُعة ؟ قلت : هُوَ اليوم الذي جَمعَ اللَّهُ فيه أَباكُم آدم ، قال : ولكنّي أَدْري ما يَومُ الجُمُعة ، لا يَتَطَهَّرُ الرَّجُلُ فَيُحْسِنُ طُهُورَهُ ، ثُمَّ يَأْتي الجُمُعة ، فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ الإمامُ صَلاتَهُ ، إلا كانت كَفَّارَةً لما بَيْنَه وبَيْنَ الجُمُعَةِ المُقْبِلَة ما اجْتَنِبَتِ
المَقْتَلةُ . 🔸️التاسعة عشر : أن جهنم تُسجر كل يوم إلا الجمعة . 🔸️العشرون : أن فيه ساعة الإجابة ، وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئاً إلا أعطاه ، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ ( إِنَّ في الجُمُعَةِ لَسَاعَةً لا يُوافِقُها عبدٌ مُسلم وهو قائم يُصلِّي يسألُ الله شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، وقال : بيده يُقللها ) .
وعندي ( وهذا رأي إبن قيم رحمه الله تعالى وغفر له ) أن ساعة الصلاة ساعة تُرجى فيها الإجابة أيضاً ، فكلاهما ساعة إجابة ، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخِرُ ساعة بعد العصر ، فهي ساعة معينة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر ، وأما ساعة الصلاة فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت ، لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرُّعهم وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيراً في الإجابة ، فساعة اجتماعهم ساعةٌ تُرجى فيها الإجابة ، وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها ، ويكون النبي ﷺ قد حضَّ أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين ، والله أعلم . ❝
❞ من الفوائد الفقهية لقصة الحديبية ..
🔸️وفي قول النبي ﷺ للمغيرة ( أَمَّا الإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ ، وَأَمَّا المَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ في شيء ) ، دليل على أن مال المشرك المعاهد معصوم ، وأنه لا يملك ، بل يرد عليه فإن المغيرة كان قد صحبهم على الأمان ، ثم غدر بهم ، وأخذ أموالهم ، فلم يتعرض النبي ﷺ لأموالهم ، ولا ذب عنها ، ولا ضمنها لهم ، لأن ذلك كان قبل إسلام المغيرة🔸️وفي قول الصدِّيق لعروة : امصُصْ بَطْرَ اللَّاتِ ، دليل على جواز التصريح باسم العورة إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال ، كما أذن النبي ﷺ أن يُصرح لمن ادعى دعوى الجاهلية بهن أبيه ، ويقال له : اعضُضْ أَيْرَ أبيك ، ولا يُكْنَى له ، فلكل مقام مقال🔸️ومنها : احتمال قلة أدب رسولِ الكُفار ، وجهله وجفوته ولا يقابل على ذلك لما فيه من المصلحة العامة ، ولم يقابل النبي ﷺ عُروة على أخذه بلحيته وقت خطابه ، وإن كانت تلك عادة العرب ، لكن الوقار والتعظيم خلاف ذلك🔸️ومنها : طهارة النُّخَامَةِ ، سواء كانت من رأس أو صدر🔸️ومنها : طهارة الماء المستعمل🔸️ومنها : استحباب التفاؤل ، وأنه ليس من الطيرة المَكْرُوهة ، لقوله ﷺ لما جاء سهيل ( سَهُلَ أَمْرُكُم )🔸️ومنها : أن المشهود عليه إذا عُرف باسمه واسم أبيه أغنى ذلك عن ذكر الجد ، لأن النبي ﷺ لم يزد على محمد بن عبد الله ، وقَنِعَ مِن سهيل بذكر اسمه واسم أبيه خاصة ، واشتراط ذكر الجد لا أصل له🔸️ومنها : أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضَيْم على المُسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ، ودفع ما هو شر منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما🔸️ومنها : أن من حَلَفَ على فعل شيء، أو نَذَره ، أو وَعَدَ غيره به ولم يُعين وقتاً لا بلفظه ولا بنيته لم يكن على الفور بل على التراخي🔸️ومنها : أن الحلاقة نُسُكٌ ، وأنها أفضل من التقصير ، وأنه نُسُك في العُمرة ، كما هو نُسك في الحج ، وأنه نُسُك في عُمرة المحصور ، كما هو نسك في عُمرة غيره🔸️ومنها : أن المُحْصَرَ ينحر هديه حيث أُحْصِرَ من الحِل أو الحَرَم ، وأنه لا يجب عليه أن يُواعِدَ من ينحره في الحرم إذا لم يصل إليه ، وأنه لا يتحلل حتى يصل إلى محله ، بدليل قوله تعالى { وَالْهَدَى مَعْكُوفًا أن يبلغ حل }🔸️ومنها : أن الموضع الذي نحر فيه الهدي كان من الحل لا من الحرم ، لأن الحَرَمَ كُلَّه محلُّ الهدي🔸️ومنها : أن المُحْصَرَ لا يجب عليه القضاء ، لأنه أمرهم بالحلق والنحر ، ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء ، والعُمْرَةُ من العام القابل لم تكن واجبة ولا قضاء عن عُمرة الإحصار، فإنهم كانوا في عمرة الإحصار ألفاً وأربعمئة ، وكانوا في عُمرة القضية دون ذلك ، وإنما سُمِّيت عُمرة القضية والقضاء لأنها العُمرة التي قاضاهم عليها ، فأُضيفت العُمرة إلى مصدر فعله . ❝
❞ قدوم وفد تُجَيب على رسول الله ﷺ ..
قَدِمَ عليه وقد تُجيب ( بطنٌ من كِندة ) ، وهم من السَّكُونِ ، ثلاثة عشر رجلاً قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم ، فَسُرَّ رسول الله ﷺ بهم ، وأكرم منزلهم ، وقالوا يا رسول الله ! سقنا إليك حق الله في أموالنا فقال رسول الله ﷺ ( رُدُّوها ، فَاقْسِمُوها على فُقَرَائِكُم ) قالوا : يا رسول الله ! ما قدمنا عليك إلا بما فَضَل عن فقرائنا ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ما وفَدَ مِن العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من تُجيب ، فقال رسول الله ﷺ ( إِنَّ الهُدَى بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْراً شَرَحَ صَدْرَهُ للإيمَان ) ، وسألوا رسول الله ﷺ أشياء ، فكتب لهم بها ، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن ، فازداد رسول الله ﷺ بهم رغبة ، وأمر بلالاً أن يُحسن ضيافتهم ، فأقاموا أياماً ، ولم يطيلوا اللبث فقيل لهم : ما يُعجبكم ؟ فقالوا : نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله ﷺ وكلامنا إياه ، وما رد علينا ، ثم جاؤوا إلى رسول الله ﷺ يُودِّعُونه ، فأرسل إليهم بلالاً ، فأجازهم بأرفع ما كان يُجيز به الوفود ، قال ﷺ ( هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ ؟ ) قالوا : نعم غلام خلفناه على رحالنا هو أحدثنا سناً ، قال ﷺ ( أرسلوه إلينا ) ، فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام : انطلق إلى رسول الله ﷺ فاقض حاجتك منه ، فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودعناه ، فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ! إني امرؤ من بني أبْذى ، يقول : من الرهط الذين أتوك آنفاً ، فقضيت حوائجهم ، فاقض حاجتي يا رسول الله ، قال ﷺ (وما حاجتك؟ ) قالَ : إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي ، وإن كانوا قَدِمُوا راغبين في الإسلام ، وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم ، وإني والله ما أعملني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني ، وأن يجعل غناي في قلبي ، فقال رسول الله ﷺ وأقبل إلى الغلام ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وارْحَمْهُ ، وَاجْعَلْ غناه في قَلْبِهِ ) ، ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه ، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم ، ثم وافوا رسول الله ﷺ في الموسم بمنى سنة عشر ، فقالوا : نحن بنو أبذى ، فقال رسول الله ﷺ ( ما فَعَلَ الغُلامُ الَّذِي أتاني مَعَكُم ؟ ) قالوا : يا رسول الله ! ما رأينا مثله قط ، ولا حُدثنا بأقنع منه بما رزقه الله لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها ، فقال رسول الله ﷺ ( الحَمْدُ للهِ إني لأرْجُو أَنْ يَمُوتَ جَمِيعاً ) ، فقال رجل منهم : أو ليس يموتُ الرجلُ جميعاً يا رسول الله ؟ فقال رسول الله ﷺ ( تَشَعْبُ أَهْوَاؤه وهُمُومُه فِي أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا ، فَلَعَلَّ أَجَلَهُ أَنْ يُدرِكَهُ فِي بَعْضٍ تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ فلا يُبالي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيْها هَلَكَ ) ، قالوا : فعاش ذلك الغلامُ فينا على أفضل حال ، وأزهده في الدنيا ، وأقنعه بما رزق ، فلما توفي رسول الله ﷺ ، ورجع مَنْ رجع من أهل اليمن عن الإسلام ، قام في قومه ، فذكرهم فلم يرجع منهم أحد ، وجعل أبو بكر الصديق يَذْكُره ويسأل عنه حتى بلغه حاله ، وما قام به ، فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيراً . ❝
❞ كَانَ ﷺ إِذَا وَضَعَ رِجْلَه في الرِّكَابِ لِرُكُوبِ دَابَّتِهِ ، قال ( بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا ، قَالَ : الحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاثَاً ، اللَّهُ أَكْبَرُه ثَلاثَاً ، ثُمَّ يَقُولُ : سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون ، ثمَّ يقولُ : الحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاثاً ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثَلاثَاً ، سُبْحَانَ اللَّه ثلاثاً ، ثم يقول : لا إلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَاغْفِرْ لِي ، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إِلَّا أَنْتَ . ❝
❞ إن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته أنه لا بد أن يمتحن النفوس ويبتليها ، فيُظْهِرَ بالامتحان طيبها من خبيثها ، ومن يصلح لموالاته وكراماته ، ومن لا يصلح ، وليُمحِص النفوس التي تصلح له ويُخَلِّصَها بكِير الامتحان ، كالذهب الذي لا يخلص ولا يصفو من غشه إلا بالامتحان ، إذ النفس في الأصل جاهلة ظالمة ، وقد حصل لها بالجهل والظلم من الخُبث ما يحتاج خروجه إلى السبك والتصفية ، فإن خرج في هذه الدار وإلا ففي كير جهنم ، فإذا هُذِبَّ العبد ونُقيَّ ، أذن له في دخول الجنة . ❝
❞ وفي غزوة خيبر سُمَّ رسولُ الله ﷺ ، أهدت له زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مِشْكَم شاة مشويَّةً قد سَمَّتها ، وسألت : أي اللحم أحبُّ إليه ؟ فقالوا : الذراع ، فأكثرت من السُمّ في الذراع ، فلما انتهش ﷺ من ذراعها ، أخبره الذراع بأنه مسموم ، فلفظ الأكلة ، ثم قال ﷺ ( اجْمَعُوا لي مَنْ ههنا من اليَهُودِ ) ، فجمعوا له ، فقال لهم ( إِنِّي سَائِلُكُم عَن شَيءٍ ، فَهَلْ أَنتُمْ صَادِقِي فيه ؟ ) قالوا : نَعَمْ ، يا أبا القاسم ، فقال لهم رسول الله ﷺ ( مَنْ أَبُوكُم؟ ) قالوا : أبونا فلان ، قال ( كَذَبْتُمْ أَبُوكُم فُلان ) ، قالوا : صدقت وبَرِرْتَ ، قال ﷺ ( هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شيءٍ إِنْ سَأَلْتُكُم عَنْهُ ؟ ) قالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذَبْنَاكَ ، عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ! فقال رسول الله ﷺ ( مَنْ أَهْلُ النَّار ؟ ) فقالوا : نكون فيها يسيراً ، ثم تَخْلُفُوننا فيها ، فقال لهم رسول الله ﷺ ( اخْسَؤوا فيها ، فَوَاللَّهُ لَا نَخْلُفُكُم فيها أَبَداً ) ، ثم قال ﷺ ( هَلْ أَنتُم صَادِقِي عَن شَيْءٍ إِن سَأَلْتُكُم عَنْهُ ؟ ) قالوا : نعم ، قال ( أَجَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمّاً ؟ ) قالوا : نعم ، قال ( فَمَا حَمَلَكُم على ذلكَ ؟ ) قالوا : أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك ، وإن كنت نبياً لم يضرك ، وجيء بالمرأة إلى رسول الله ﷺ ، فقالت : أردتُ قتلَكَ ، فقال ﷺ ( ما كان الله لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ ) ، قالوا : ألا نقتلها ؟ قال ( لا ) ، ولم يتعرض لها ، ولم يُعاقبها ، واحتجم على الكاهل ، وأمر من أكل منها فاحتجم ، فمات بعضُهم ، واُختلف في قتل المرأة ، فقال الزهري: أسلمت ، فتركها ذكره عبد الرزاق ، عن معمر ، عنه ، ثم قال معمر : والناس تقول : قتلها النبي ﷺ ، وقد أُختلف : هل أكل النبي ﷺ منها أو لم يأكل ؟ وأكثر الروايات ، أنه أكل منها ، وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى قال ﷺ في وجعه الذي مات فيه ( مَا زِلْتُ أَجِدُ مِن الأكْلَةِ التي أَكَلْتُ مِن الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَر ، فَهَذَا أوانُ انْقِطَاعِ الأبْهَرِ منِّي ) ، قال الزهري : فتوفي رسول الله ﷺ شهيداً . ❝
❞ هديه ﷺ في عيادة المرضى :
كان ﷺ يعودُ مَنْ مَرِضَ من أصحابه ، وعاد غلاماً كان يَخدمه مِن أهل الكتاب ، وعاد عمه وهو مشرك ، وعرض عليهما الإسلام ، فأسلم اليهودي ، ولم يسلم عمه ، وكان ﷺ يدنو من المريض ، ويجلس عند رأسه ، ويسأله عن حاله ، فيقول ( كيف تجدك ؟ ) ، وذُكر أنه كان يسأل المريض عما يشتهيه ، فيقول ( هَلْ تَشْتَهِي شَيْئًا ؟ ) فإن اشتهى شيئاً وعلم أنه لا يضره ، أمر له به ، وكان ﷺ يمسح بيده اليمنى على المريض ، ويقول ( اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ ، أَذْهب البأس ، واشْفِه أَنتَ الشَّافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاءً لا يُغادر سقماً ) ، وكان يقول ( امْسَحَ البَأسَ رَبَّ النَّاسِ ، بِيَدِكَ الشَّفَاءُ ، لا كَاشِفَ له إلا أنت ، وكان ﷺ يدعو للمريض ثلاثاً كما قاله لسعد ( اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً ، اللَّهُمَّ اشف سَعْداً ، اللهُمَّ اشْفِ سَعْداً ) ، وكان إذا دخل على المريض يقول له ( لا بَأسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله ) ، وربما كان يقول ( كَفَّارَةٌ وَطَهورٌ ) ، وكان يَرْقِي مَن به قرحة ، أو جُرح ، أو شكوى ، فيضع سبابته بالأرض ، ثم يرفعها ويقول ( بِسْمِ الله ، تُرْبَةُ أَرْضِنا ، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا ، بإِذْنِ رَبَّنا ) ، وكان ﷺ ينفث على نفسه ، وضعفه ووجعه يمنعه من إمرار يده على جسده كله ، فكان يأمر عائشة أن تُمر يده على جسده بعد نفثه هو ، ولم يكن من هديه ﷺ أن يَخُصَّ يوماً من الأيام بعيادة المريض ، ولا وقتاً من الأوقات ، بل شرع لأمته عيادة المرضى ليلاً ونهاراً ، وفي سائر الأوقات ، وفي المسند عنه ( إذا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ المُسْلِمَ مَشَى في خُرفَةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ ، فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً ، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكِ حَتَّى يُمْسِي ، وَإِنْ كَانَ مَسَاءٌ ، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكِ حَتَّى يُصْبح ) ، وفي لفظ ( ما مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِماً إِلا بَعَثَ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكِ يُصَلُّونَ عَلَيه أَي ساعةٍ مِنَ النَّهار كانت حتَّى يُمْسِي ، وَأَيَّ ساعة من الليل كانت حتَّى يُصبح ) ، وكانﷺ يعود من الرمد وغيره ، وكان أحياناً يضع يده على جبهة المريض ، ثم يمسح صدره وبطنه ويقول ( اللَّهُمَّ اشْفِهِ ) وكان يمسح وجهه أيضاً ، وكان إذا يئس من المريض قال ( إنا لِلَّهِ وإِنَّا إليه راجعون ) . ❝
❞ قال إبن إسحاق : حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، أن عبد الله بن مسعود كان يُحَدِّثُ ويقول : قمت من جوف الليل ، وأنا مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ، فاتَّبَعْتُها أَنظُرُ إليها ، فإذا رسول الله ﷺ وأبو بكر ، وعمر ، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات ، وإذا هُم قد حفروا له ، ورسول الله ﷺ في حُفرته ، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه ، وهو يقول ( أدنيا إلي أخاكما ) ، فدلياه إليه ، فلما هيأه لشقه ، قال ﷺ ( اللَّهُمَّ إني قَدْ أَمْسَيْتُ رَاضِياً عَنْهُ ، فَارْضَ عَنْهُ ) ، قال ابن إسحاق : فيقولُ عبد الله بن مسعود : يا ليتني كنتُ صاحِبَ الحفرة . ❝
❞ قبسات من غزوة تبوك .
وجاء البكاؤون وهم سبعة يستحمِلُون رسول الله ﷺ ، فقال ( لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُم عَلَيْه ) ، { فتولَّوْا وأعينهم تفيضُ من الدمع حزناً أن لا يجدوا ما يُنفقون } ، وأرسل أبا موسى أصحابه إلى رسول الله ﷺ ليحملهم ، فوافاه غضبان فقال ﷺ والله لا أحملكم ، ولا أجد ما أحملكم عليه ) ، ثم أتاه إبل فأرسل إليهم ثم قال ( مَا أَنَا حَمَلْتُكُم ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُم ، وإِنِّي وَاللَّهِ لا أَحلِفُ عَلَى يَمِينِ ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرَا مِنْهَا ، إِلَّا كَفَّرتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الذي هُوَ خَيْرٌ ) . ❝
❞ وكان هديه ﷺ انتهاء السلام إلى وبركاته ، فذكر النسائي عنه ( أن رجلاً جاء فقال : السلام عليكم فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ :عَشْرَةٌ ، ثُمَّ جلس ، ثم جَاء آخَرُ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَرَد عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ : عِشْرُونَ ، ثُمَّ جَلَسَ وَجَاءَ آخَرُ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُه فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ، وَقَالَ : ثَلَاثُونَ ) . ❝
❞ من حِكَمه سبحانه وتعالى في صُلح الحُديبية 🔹️ما سببه سبحانه للمؤمنين من زيادة الإيمان والإذعان ، والانقيادِ على ما أحبوا وكرهوا وما حصل لهم في ذلك من الرضى بقضاء الله ، وتصديق موعوده وانتظارِ ما وُعِدُوا به ، وشهودِ مِنَّة الله ونعمته عليهم بالسَّكينة التي أنزلها في قلوبهم ، أحوج ما كانوا إليها في تلك الحال التي تَزَعْزَعُ لها الجبال ، فأنزل الله عليهم من سكينته ما اطمأنت به قلوبهم ، و قویت به نفوسهم ، وازدادوا به إيماناً على إيمانهم🔹️ومنها : أنه سبحانه جعل هذا الحكم الذي حكم به لرسوله وللمؤمنين سبباً لما ذكره من المغفرة لرسوله ﷺ ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر ، ولإتمام نعمته عليه ، ولهدايته الصِّراط المستقيم ، ونصره النصر العزيز ، ورضاه به ، ودخوله تحته ، وانشراح صدره به مع مافيه من الضيم وإعطاء ما سألوه ، كان من الأسباب التي نال بها الرسول ﷺ وأصحابه ذلك ، ولهذا ذكره الله سبحانه جَزَاءً وغاية ، وإنما يكون ذلك على فعل قام بالرسول والمؤمنين عند حكمه تعالى . ❝
❞ وكان ﷺ ينهى في مغازيه عن النهبة والمُثْلَةِ وقال ( مَنِ انْتَهَبَ نُهْبَةٌ فَلَيْسَ مِنَّا ) ، وأمر بالقُدُورِ التي طُبِخَتْ مِن النُّهَبَى فَأُكْفِئَتْ ، وذكر أبو داود عَنْ رجل من الأنصار قال : خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ الله ﷺ في سفر ، فأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شديدةٌ وجَهْدٌ ، وأصابوا غنماً ، فانتَهبُوها وإِن قُدورنا لتغلي إذ جَاءَ رَسُولُ الله ﷺ يمشي على قوسه ، فَأَكْفَا قُدورَنَا بقوسِهِ ، ثُمَّ جعل يُرْمِل اللحم بالتراب ، ثم قال ﷺ ( إِنَّ النَّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ المَيْتَةِ ، أو إنَّ المَيْتَةُ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ النُّهْبَةِ ، وكان ﷺ ينهى أن يركب الرجل دابة مِن الفيء حتى إذا أعجفَهَا ، ردَّهَا فيه ، وأن يَلْبَسَ الرَّجُلُ ثوباً مِن الفيء حتى إذا أخلقه ردَّه فيه ، ولم يمنع من الانتفاع به حال الحرب . ❝
❞ ولما انتهى رسول الله ﷺ إلى تبوك ، أتاه صاحب أيلة ، فصالحه وأعطاه الجزية ، وأتاه أهل جربا ، وأفرح ، فأعطوه الجزية ، وكتب لهم رسول الله ﷺ كتاباً ، فهو عندهم ، وكتب لصاحب أيلة ( بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا أَمَنَةٌ مِن الله ، ومحمد النبي رسول الله لِيُحَنَّةَ بن رُؤْبَةَ ، وأهل أَيْلَة ، سُفنهم ، وسيارتهم في البر والبحر ، لهم ذمة الله ، ومحمد النبي ، ومَنْ كان معهم من أهل الشام ، وأهل اليمن ، وأهل البحر ، فمن أحدث منهم حدثاً ، فإنه لا يحول ماله دونَ نفسه ، وإنَّه لمن أخذه من الناس ، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ، ولا طريقاً يردونه من بحر أو بر ) . ❝
❞ كان كعب بن الأشرف رجلا من اليهود ، وأمه من بني النظير ، وكان شديد الأذى لرسول الله ، وكان يُشَبِّبُ في أشعاره بنساء الصحابة ، فلما كانت وقعة بدر ، ذهب إلى مكة ، وجعل يُؤَلِّبُ على رسول الله ﷺ وعلى المؤمنين ، ثم رجع إلى المدينة على تلك الحال ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ ( مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى الله ورَسُولَهُ ) ، فانتدب له محمدُ بنُ مَسْلَمَة ، وعَبَّادُ بْنُ بِشْر ، وأبو نَائِلة ، واسمه سِلْطَانُ بْنُ سلامة ، وهو أخو كعب من الرضاع ، والحارث بن أوس ، وأبُو عَبْسِ بنُ جَبر ، وأذن لهم رسول الله ﷺ أن يقولوا ما شاؤوا مِنْ كلام يخدعونه به ، فذهبوا إليه في ليلة مُقْمِرَةٍ ، وشيعهم رسول الله ﷺ إلى بقيع الغَرْقَدِ ، فلما انتهوا إليه ، قَدَّموا سِلْكَانَ بْنَ سَلَامة إليه ، فأظهر له موافقته على الانحراف عن رسول الله ﷺ ، وشَكا إليه ضِيقَ حاله ، فكلَّمَهُ في أن يبيعه وأصحابه طعاماً ، ويَرْهَنُونَه سِلَاحَهم ، فأجابهم إلى ذلك ، وَرَجَع سِلْكَان إلى أصحابه ، فأخبرهم ، فأتوه ، فخرج إليهم كعب من حصنه ، فَتَماشَوْا ، فَوضَعُوا عليه سُيُوفَهم ، ووضع محمد بن مَسْلَمَة مِغْولاً كان معه في ثنته ، فقتله ، وصاح عدو الله صيحة شديدة أفزعت من حوله ، وأوقدوا النيران وجاء الوفد حتى قَدِمُوا على رسول الله ﷺ من آخر الليل ، وهو قائم يصلي ، وجُرحَ الحارث بن أوس ببعض سيوف أصحابه ، فتفل عليه رسول الله ﷺ فبرىء ، فَأَذِنَ رسول الله ﷺ في قتل من وجد من اليهود لنقضهم عهده ومحاربتهم الله ورسوله . ❝