█ _ محيي الدين بن عربي 2004 حصريا كتاب ❞ الرسالة الوجودية + 11 رسالة أخرى ❝ عن دار الكتب العلمية بلبنان 2024 أخرى: للشيخ الأكبر :ويليها 10 رسائل كلها : شجون المسجون وفنون المفتون تهذيب الاخلاق نسخة الحق اللمعة اسرار الذات الالهية عقائد اهل الرسوم مراتب علوم الوهب كشف السر لأهل الستر الوقت والآن حضرة الإشهاد العيني تدور المعاني حول الحديث من عرف نفسه فقد ربه المفهومُ المركزي الذي يتخلَّل مذهبَ الشيخ كلَّه هو وحدة الوجود ومازال الجدلُ دائرًا ما إذا كان يقصد بهذا المصطلح وصف عقيدة توحيدية لا يوجد بمقتضاها إلا الواحد وحده بيد أن الإجابة بالإيجاب هذه المسألة تشير إلى نقلة حاسمة الإلهيات الإسلامية لأن ابن لم يفعل الواقع غير الدفع بمذهب المتكلِّمين الأشاعرة حتى أقصى مداه؛ إذ إن إصرار الأشعري قدرة الله الكلِّية وهيمنته الكون ينطوي منطقيًّا خالق الأفعال وبالتالي الفاعل الأوحد[2] لذا ترانا نجانب المنطق إنْ قلنا قياسًا ذلك وعلى غرار بأن الموجود الأوحد في كتابه الأشهر فصوص الحكم يتكلم التحقق الروحي بوصفه "تخللاً" متبادلاً بين والإنسان فالله جاز القول يتخذ الصورة البشرية: فمن منظور أول يكون اللاهوت محتوى الناسوت حيث الثاني "إناء" للأول حدِّ عبارته[3]؛ ومن آخر يُمتص الإنسانُ يستهلكه تمامًا عبارة حاضرًا دخيلة الخلق (الإنسان) ويكون ممحوقًا إنما بدَّ فهم هذا الكلام مخصوص يتصل بالتحقق الروحي: فابن يضع هذين النسقين تخلُّل للإنسان وتخلُّل الإنسان لله جنبًا جنب التوازي يدقِّق "الفص الإبراهيمي فالحلولية كما يتبين تتصور العلاقةَ المبدأ الإلهي والعالم الاستمرارية الجوهرية أو – وهذا غلط ينبذه كلُّ مذهب باطني نقلي بما لبس فيه ولا إبهام فلو كانت ثمة استمرارية تجوِّز المقارنةَ والخلق والكون المتجلِّي نحو يُقارَن الغصن وجذع الشجرة يتفرع منه لكانت لنقل "الذاتية" المشتركة الحدَّين إما متعيِّنة بمبدأ أعلى تتميَّز عنه وإما متعالية هي نفسها اللذين تشد واحدَهما الآخر وتكتنفهما جميعًا بمعنى لما ذاك يصح حدٍّ القولُ عينه الأحدية ألا تُتصوَّر باعتبارها "خارجه" وذلك لأن [ ] ضد له ند ينتسب أين [ ليس بعَرَض فيحتاج حامل يقوم وجودُه <عليه> بجوهر فيشارك الجواهر حقيقة وهو منزَّه كلِّ شيء متجلٍّ لكنْ دون إمكان وجود "سواه" يؤكد صاحب كتب الزهد والتصوف وتزكية النفس مجاناً PDF اونلاين ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل تصوف الصوفية التصوف إسلامي لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا وإنما أحد أركان الثلاثة (الإسلام الإيمان الإحسان) فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام وعلم العقيدة بالإيمان فإن بتحقيق مقام الإحسان التربية والسلوك تربية والقلب وتطهيرهما الرذائل وتحليتهما بالفضائل الركن الثالث الإسلامي الكامل بعد ركني والإيمان وقد جمعها حديث جبريل عليه السلام وذكرها عاشر منظومته (المرشد المعين الضروري الدين) وحث أكثر عظيم القدر والشأن قال العارف بالله أحمد عجيبة: "مقام يُعبّر بالشريعة ومقام بالطريقة بالحقيقة فالشريعة: تكليف الظواهر والطريقة: تصفية الضمائر والحقيقة: شهود تجليات المظاهر فالشريعة تعبده والطريقة تقصده والحقيقة تشهده" وقال أيضاً: "مذهب الصوفية: العمل حدّه الجوارح الظاهرة يُسمى وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة فتح العبد بأسرار الحقيقة الإحسان" والإحسان تضمنه هو: (أن تعبد كأنك تراه تكن فإنه يراك) وهو منهج طريق يسلكه للوصول أي الوصول معرفته والعلم به الاجتهاد العبادات واجتناب المنهيات وتربية وتطهير القلب الأخلاق السيئة وتحليته بالأخلاق الحسنة المنهج يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه القرآن والسنة النبوية واجتهاد العلماء فيما يرد نص فهو علم كعلم مذاهبه ومدارسه ومجتهديه وأئمته الذين شيدوا أركانه وقواعده كغيره العلوم جيلاً جيل جعلوه علما سموه بـ التزكية السلوك السالكين فألفوا الكثيرة بينوا فيها أشهر الكتب: الحِكَم العطائية لابن عطاء السكندري قواعد زروق وإحياء للإمام الغزالي والرسالة القشيرية القشيري والتعرف لمذهب أهل أبي بكر الكلاباذي وغيرها ومعنى الحقيقي الصدر الأول عصر الصحابة فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى ويؤكد حلية الأولياء للحافظ نعيم الأصبهاني مشاهير المحدثين بدأ الحلية بصوفية ثم أتبعهم التابعين وهكذا انتشرت حركة العالم القرن الهجري كنزعات فردية تدعو وشدة العبادة تطورت تلك النزعات صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق والتاريخ زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل: الجنيد البغدادي وأحمد الرفاعي وعبد القادر الجيلاني وأبو الحسن الشاذلي مدين الغوث ومحي وشمس التبريزي وجلال الرومي والنووي والغزالي والعز عبد القادة صلاح الأيوبي ومحمد الفاتح والأمير وعمر المختار وعز القسام نتج كثرة دخول المتعلمين والجهلة طرق عدد الممارسات خاطئة عرّضها بداية الماضي للهجوم ممثلة للثقافة الدينية التي تنشر الخرافات مع منتصف الهجوم قبل المدرسة السلفية بدعة
❞ هو الواحد بلا وحدانية، وهو الفرد بلا فردانية. ليس مركَّبًا من الاسم والمسمَّى هو الأول بلا أولية وهو الآخِر بلا آخِرية، وهو الظاهر بلا ظاهرية وهو الباطن بلا باطنية [...]. فلا أول ولا آخِر ولا ظاهر ولا باطن إلا وهو بلا صيران. [...] – فافهم هذا لئلا تقع في غلط الحلولية . ❝
❞ لا هو في شيء، ولا شيء فيه، لا داخلاً ولا خارجًا. [...] لا يراه إلا هو، ولا يدركه إلا هو، ولا يعلمه إلا هو بنفسه، وبنفسه يعرف نفسه؛ يرى نفسه، لا يراه أحدٌ غيره . ❝
❞ واسم الأشياء يقع على النفس وغيرها من الأشياء. فإن وجود النفس ووجود الأشياء سيَّان في الشيئية فمتى عرف الأشياءَ عرف النفس، ومتى عرف النفسَ فقد عرف الربَّ، لأن الذي يظن أنَّــه> سوى الله ليس هو سوى الله. ولكنك لا تعرف وأنت تراه، ولا تعلم أنك تراه. ومتى يكشف لك هذا السر، علمتَ أنك لست ما سوى الله، وعلمت أنك كنت مقصودًا، وأنك لا تحتاج إلى الفناء، وأنك لم تزل ولا تزال، بلا حين ولا أوان، كما ذكرنا قبل. جميع صفاته صفاتك، وترى ظاهرَك ظاهرَه وباطنَك باطنَه، وأولك أولَه وآخِرَك آخِرَه، بلا شك ولا ريب؛ وترى صفاتِك صفاتِه وذاتَك ذاتَه، بلا صيرورتك إيَّاه وصيرورته إيَّاك، ولا بقليل ولا بكثير . ❝
❞ ولا ترى أنه – تعالى – خلق شيئًا قط، بل ترى "كلَّ يوم هو <في> شأنٍ" [الرحمن 29] من إظهار وجوده وإخفائه بلا كيفية، لأنه "هو الأول والآخِر والظاهر والباطن وهو بكلِّ شيء عليم" [الحديد 3]: ظهر بوحدانيته وبَطُنَ بفردانيَّته، وهو الأول بذاته وقيوميَّته وهو الآخِر بديموميَّته. وجود حروف "الأول" هو ووجود حروف "الآخِر" هو، ووجود حروف "الظاهر" هو ووجود حروف "الباطن" هو؛ هو اسمه وهو مسمَّاه . ❝
❞ وأكثر العُرَّاف الذين ظنوا أنهم عرفوا نفوسهم وعرفوا ربَّهم، وأنهم خلصوا من غفلة الوجود، قالوا إن الطريق لا تتيسَّر إلا بالفناء وبفناء الفناء، وذلك لعدم فهمهم قولَ النبي – صلى الله عليه وسلم – ولظنِّهم أنهم – بمحض الشرك – أشاروا طورًا إلى نفي الوجود، أي فناء الوجود، وطورًا إلى الفناء، وطورًا إلى فناء الفناء، وطورًا إلى المحو، وطورًا إلى الاصطلام[27] – وهذه الإشارات كلها شِرْك محض: فإن مَن جوَّز أن يكون شيءٌ سواه ويفنى بعده، وجوَّز فناءَ فنائه، فقد أثبت شيئًا سواه؛ ومَن أثبت شيئًا سواه فقد أشرك به – تعالى – أرشدهم الله وإيَّانا إلى سواء السبيل . ❝
❞ فإنْ سأل سائل وقال: "بأيِّ نظر تنظر إلى جميع المكروهات والمحبوبات فإذا رأينا، مثلاً، روثًا أو جيفة أنقول هو الله؟"، فالجواب تعالى وتقدَّس حاشا ثم حاشا أن يكون شيئًا من هذه الأشياء! وكلامنا مع مَن لا يرى الجيفةَ جيفةً والروثَ روثًا، بل كلامُنا مع مَن له بصيرة وليس بأكْمَه. فمَن لم يعرف نفسه فهو أكْمَه وأعمى؛ وقبل ذهاب الأكْمَهية والعَمى، لا يصل إلى هذه المعاني ولا هذه المخاطبة مع الله – لا مع غير الله ولا مع الأكْمَه. فإن الواصل إلى هذا المقام يعلم أنه ليس غير الله. وخطابنا مع مَن له عزم وهمَّة في طلب العرفان وفي طلب معرفة النفس، ويطرُؤ في قلبه صورة في الطلب واشتياق إلى الوصول إلى الله – تعالى –، لا مع مَن لا قصد ولا مقصد له . ❝
❞ فإنْ سأل سائل وقال: أنت أثبتَّ الله وتنفي كلَّ شيء، فما هذه الأشياء التي تراها؟
فالجواب: هذه المقالات مع مَن لا يرى سوى الله شيئًا. ومَن يرى شيئًا سوى الله فليس لنا معه جواب ولا سؤال؛ فإنه لا يرى غير ما يرى. ومَن عرف نفسَه لا يرى غير الله، ومَن لم يعرف نفسه لا يرى الله – تعالى –؛ وكل إناء يرشح بما فيه.
وقد شرحنا كثيرًا من قبلُ، وإنْ نشرح أكثر من ذلك فمَن لا يرى لا يرى ولا يفهم ولا يدرك، ومَن يَرَ يرَ ويفهم ويدرك.
فالواصل تكفيه الإشارة، وغير الواصل لا يصل، لا بالتعليم ولا بالتفهيم ولا بالتقرير ولا بالعقل ولا بالعلم – إلا بخدمة شيخ فاضل وأستاذ حاذق وسالك ليهتدي بنوره ويسلك بهمَّته ويصل به إلى مقصوده، إن شاء الله تعالى . ❝
❞ "كلُّ شيء هالكٌ إلا وجَهه" [القصص 88]، بالظاهر والباطن، يعني: لا موجود إلا هو؛ ولا وجود لغيره فيحتاج إلى الهلاك. و"يبقى وجهُه" [الرحمن 27] يعني: لا شيء إلا وجهه. فكما أن مَن لم يعرف شيئًا، ثم عَرَفَه، ما فني وجودُه بوجود آخر، ولا تركَّب وجودُ المُنكِر بوجود العارف، ولا تداخَل بالأثر. <هنا> يقع الجهل: فلا تظن أنك تحتاج إلى الفناء؛ فإن احتجت إلى الفناء فأنت إذًا حجابه – والحجاب غير الله؛ فليزم غلبةُ غيره عليه بالدفع عن رؤيته له. – وهذا غلط وسهو . ❝
❞ لا تتصور العلاقةَ بين المبدأ الإلهي والعالم إلا من منظور الاستمرارية الجوهرية أو الوجودية – وهذا غلط ينبذه كلُّ مذهب باطني نقلي بما لا لبس فيه ولا إبهام . ❝
❞ فإنْ رأيتَ الأشياء بلا رؤية شيء آخر مع الله – تعالى – وفي الله أنها هو، فقد عرفتَ نفسَك. فإن معرفة النفس بهذه الصفة هي معرفة الله – بلا شك ولا ريب ولا تركيب شيء من الحدث مع القديم وفيه وبه. فإن سألك سائل: "كيف السبيل إلى وصاله؟ – فقد أثبتَّ أن لا غير سواه، والشيء الواحد لا يصل إلى نفسه"، فالجواب: لا شكَّ أنه في الحقيقة لا وَصْل ولا فَصْل، ولا بُعْد ولا قُرْب، لأنه لا يمكن الوصال إلا بين اثنين: فإن لم يكن إلا واحد، فلا وَصْل ولا فَصْل. فإن الوصال يحتاج إلى اثنين متساويين: فهما شبهان، وإن كانا غير متساويين فهما ضدَّان؛ وهو – تعالى – منزَّه أن يكون له ضد أو ند. فالوصال في غير الوصال، والقُرْب في غير القُرْب، والبُعد في غير البُعد، فيكون وَصْلٌ بلا وَصْل، وقُرْب بلا قُرْب، وبُعْد بلا بُعْد . ❝
❞ الواصل تكفيه الإشارة، وغير الواصل لا يصل، لا بالتعليم ولا بالتفهيم ولا بالتقرير ولا بالعقل ولا بالعلم، إلا بخدمة شيخ فاضل وأستاذ حاذق وسالك ليهتدي بنوره ويسلك بهمَّته ويصل به إلىٰ مقصوده، إن شاء الله تعالىٰ . ❝
❞ فائدة معرفة النفس أن تعلم وتحقِّق أن وجودك ليس موجودًا ولا معدومًا، ولست كائنًا ولا كنت ولا تكون قط. ويظهر لك بذلك معنى "لا إله إلا الله" [الصافات 35]: إذ لا إله غيره، ولا وجود لغيره؛ فلا غير سواه، ولا إله إلا إيَّاه. فإن قال قائل: "عطَّلتَ ربوبيتَه"، فالجواب: لم أعطِّل ربوبيته لأنه لم يزل ربًّا – ولا مربوب – ولم يزل خالقًا – ولا مخلوق –، وهو الآن كما كان. أترى خلاقته وربوبيته لا تحتاج إلى مخلوق ولا إلى مربوب: فهو بتكوين المكوَّنات كان موصوفًا بجميع أوصافه، وهو الآن كما كان. فلا تفاوُت بين الجهة والقِدَم: فوحدانية الجهة مقتضى ظاهريته، ووحدانية القِدَم مقتضى باطنيَّته. ظاهرُه باطنُه وباطنُه ظاهرُه، أولُه آخِرُه وآخِرُه أولُه، والجميع واحد والواحد جميع. كان صفته "كلَّ يوم هو في شأنٍ"، وما كان شيء سواه، وهو الآن كما كان. ولا موجود لما سواه بالحقيقة، كما كان في الأزل والقِدَم. "كل يوم هو في شأن"، ولا شيء موجود: فهو الآن كما كان. فوجودُ الموجودات وعدمُها سيَّان – وإلا لَلَزِمَ طيران طار لم يكن في وحدانيَّته، وذلك نقص. – وجلَّت وحدانيته عن ذلك.
ومتى عرفت نفسَك بهذه الصفة، من غير إضافة ضدٍّ أو ندٍّ أو كفؤ أو شريك إلى الله – تعالى – فقد عرفتَها بالحقيقة. ولذلك قال – صلى الله عليه وسلم –: "مَن عرف نفسَه فقد عرف ربَّه"، ولم يقل: "مَن أفنى نفسَه فقد عرف ربَّه." فإنه – صلى الله عليه وسلم – علم ورأى أن لا شيء سواه، ثم أشار إلى أن معرفة النفس هي معرفة الله – تعالى –، أي اعرف نفسك، أي وجودك أنك لست أنت، ولكنك لا تعرف؛ أي اعرف أن وجودك ليس بوجودك ولا غير وجودك: فلست بموجود ولا بمعدوم، ولا غير موجود ولا غير معدوم. وجودُك وعدمُك وجودُه بلا وجود ولا عدم، لأن عينَ وجودك وعدمك وجودُه، ولأن عينَ وجوده وجودُك وعدمُك . ❝
❞ كان ولا بَعْد معه ولا قبل، ولا فوق ولا تحت، ولا قُرْب ولا بُعْد، ولا كيف، ولا أين ولا حين، ولا أوان ولا وقت ولا زمان، ولا كون ولا مكان، وهو الآن كما كان . ❝
❞ فإنْ سأل سائل وقال: "قال الله تعالى: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير" [الأنعام 103]، وأنت تقول بخلافه، فما حقيقة ما تقول؟"، فالجواب: جميع ما قلنا هو معنى قوله: "لا تدركه الأبصارُ وهو يدرك الأبصارَ"، أي ليس أحدٌ في الوجود، ولا بصر مع أحد يدركه. فلو جاز أن يكون غيرُه، لجاز أن يدركه غيرُه. وقد نبَّه الله – سبحانه وتعالى – بقوله: "لا تدركه الأبصار" على أن ليس غيره سواه، يعني لا يدركه غيرُه، بل يدركه هو. فلا غيره إلا هو: فهو المدرِك لذاته لا غير؛ فلا تدركه الأبصار، إذ <ما> الأبصار إلا وجوده. ومَن قال إنها لا تدركه لأنها مُحدَثة، والمُحدَث لا يدرِك القديم الباقي، فهو بعدُ لم يعرف نفسه. إذ لا شيء ولا الأبصار إلا هو. فهو يدرك وجودَه بلا وجود الإدراك وبلا كيفية لا غير . ❝
❞ فإنْ قال قائل: "كيف السبيل إلى معرفة النفس وإلى معرفة الله؟"، فالجواب: سبيل معرفتها أن تعلم وتتحقق أن الله – عزَّ وجل – كان ولم يكن معه شيء، وهو الآن كما كان. فإنْ قال قائل: "أنا أرى نفسي غير الله، ولا أرى الله نفسي"، فالجواب: أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – بـ"النفس" وجودَك وحقيقتك، لا النفس المسمَّاة بـ"الأمَّارة" و"اللوَّامة" و"المطمئنة" [يوسف 53، القيامة 2، الفجر 27]؛ بل أشار بـ"النفس" إلى ما سوى[24] الله جميعًا، كما قال – صلى الله عليه وسلم –: "اللهم أرِني الأشياء كما هي": عبَّر بالأشياء عما سوى الله – سبحانه وتعالى –، أي عرِّفْني ما سواك لأعلم وأعرف الأشياء أيَّ شيء هي: أهي أنت أم غيرك، أهي قديم باقٍ أم حادث فانٍ؟ فأراه الله – تعالى – ما سواه نفسَه بلا وجود ما سواه، فرأى الأشياء "كما هي"؛ أعني الأشياء ذات الله – تعالى – بلا كيف ولا أين . ❝