█ _ عبد الله سراج الدين 2004 حصريا كتاب ❞ الصيام (آدابه مطالبه فوائده فضائله) ❝ عن مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع 2024 فضائله): الصَّوْمُ الإسلام نوع من العبادات الهامة وأصل (ص مـ) يقال: صام صَوْمًا وصِيامًا أيضًا اللغة: مطلق الإمساك أو الكف الشيء ومنه قول تعالى حكاية مريم: ﴿فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا ﴾ أي: إمساكاً الكلام والصوم الشرع الإسلامي عبادة بمعنى: «الإمساك المفطرات وجه مخصوص وشروط مخصوصة طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بنية» ولا يقتصر صوم شهر رمضان بل يشمل جميع أنواع الصوم وهو إما فرض عين كل عام وما عداه واجب مثل: القضاء النذر الكفارة وإما تطوع ويشمل: المسنون المؤكد والمندوب (المستحب) والنفل المطلق ومن أيضا ما يشرع تركه المنهي عنه كصيام يوم الشك ويحرم عيدي الفطر والأضحى والصوم هو يتفق المسلمون اتباع نهج النبي تحديد ماهيتها وأساسياتها فهو كما أن عام: بإجماع المسلمين أحد أركان الخمسة وفضائله متعددة ويشرع قيام لياليه وخصوصاً العشر الأواخر منه وفيه ليلة القدر وتتعلق به زكاة عند موعد للفرحة والبر والصلة وعوائد الخير وفرض السنة الثانية للهجرة بأدلة منها تعالى: ﴿ْكُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَُ﴾ وقوله ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ وحديث: «بني خمس » وذكر منها: وحديث الأعرابي السائل شرائع قال: علي غيره؟ قال الحديث: «لا إلا شيئا» وصوم مسلم مكلف مطيق للصوم غير مترخص بسبب المرض السفر ولا يصح عاقل مع خلو المرأة الحيض والنفاس وللصوم أحكام مفصلة علم فروع الفقه ومنها وجوب وأركانه وشروطه ومبطلاته ومستحباته ومكروهاته وأحكام والأعذار الشرعية المبيحة للفطر ومواقيت لدخول الشهر وخروجه ووقت والتسحر والإفطار والقضاء والأداء وغير ذلك وللصوم فوائد حسية ومعنوية إذ فية تهذيب السلوك النفسي وتقويم اعوجاج النفس وتغيير النمط الذي اعتاد الشخص عليه حياته اليومية وفي هذا تعليم لمعنى الطاعة والامتثال وتخليص قيود الهوى وتزكيتها وتهذيبها وتعليم معنى الصبر بالامتناع حتى يشعر الإنسان بحال الجائع والبائس الفقير لتحصيل العطف والمودة والتراحم بين المجتمع «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ» أنه وقاية النار يعين وكسر الشهوة لمن خاف نفسه العزوبة ويدل حديث: "عن إبراهيم علقمة بينا أنا أمشي رضى فقال: كنا ﷺ «من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج لم يستطع فعليه بالصوم له وجاء»" فالزواج مستحب يقدر يكون كالوجاء كسر وسيلة لذلك قال أبو جعفر الطبري: وأما تأويل قوله: ﴿لعلكم تتقون﴾ يعني به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه يقول: فرضت عليكم والكف عما تكونون بترك مفطرين يفطركم وقت صومكم وبمثل قلنا جماعة أهل التأويل فخر الرازي: تفسير قوله تتقون﴾: سبحانه بهذا يورث التقوى لما انكسار وانقماع يردع الأشر والبطر والفواحش ويهون لذات الدنيا ورياستها وذلك؛ لأن يكسر شهوة البطن والفرج وإنما يسعى الناس لهذين قيل المثل السائر: المرء لغاريه بطنه وفرجه فمن أكثر هان أمر هذين وخفت مؤنتهما فكان رادعا ارتكاب المحارم ومهونا الرياسة وذلك جامع لأسباب فيكون الآية لتكونوا المتقين الذين أثنيت عليهم كتابي وأعلمت الكتاب هدى لهم ولما اختص بهذه الخاصية حسن يقول إيجابها: بذلك وجوبه؛ يمنع المعاصي لا بد وأن واجبا وذكر «لعل»: المعنى ينبغي لكم يقوى وجاؤكم وهذا «لعل» سياق والمعنى: بصومكم وترككم للشهوات فإن كلما كانت الرغبة كان الاتقاء أشق والرغبة المطعوم والمنكوح أشد سائر الأشياء فإذا سهل اتقاء والمنكوح؛ أسهل وأخف ورابعها: المراد ﴿كتب كتب قبلكم لعلكم إهمالها وترك المحافظة عليها عظم درجاتها وأصالتها وخامسها: تنتظمون هذه العبادة زمرة المتقين؛ شعارهم ابن كثير تفسيره: «لما وطهارتها وتنقيتها الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت الصحيحين: «يا معشر الشباب منكم وجاء»» في تتعرف الفوائد الفقهية والإنسانية المكنونة داخل التشريع المكتبة الرمضانية وكتب مجاناً PDF اونلاين الركن خاص بالكتب المجانية المتعلقة بأحكام ورمضان
❞ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)
ثم قال على البدل : ناصية كاذبة خاطئة أي ناصية أبي جهل كاذبة في قولها ، خاطئة في فعلها . والخاطئ معاقب مأخوذ . والمخطئ غير مأخوذ . ووصف الناصية بالكاذبة الخاطئة كوصف الوجوه بالنظر في قوله تعالى : إلى ربها ناظرة . وقيل : أي صاحبها كاذب خاطئ ; كما يقال : نهاره صائم ، وليله قائم ; أي هو صائم في نهاره ، ثم قائم في ليله . ❝
❞ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)
قوله تعالى : كلا لئن لم ينته أي أبو جهل عن أذاك يا محمد .
لنسفعا أي لنأخذن بالناصية فلنذلنه . وقيل : لنأخذن بناصيته يوم القيامة ، وتطوى مع قدميه ، ويطرح في النار ، كما قال تعالى : فيؤخذ بالنواصي والأقدام . فالآية - وإن كانت في أبي جهل - فهي عظة للناس ، وتهديد لمن يمتنع أو يمنع غيره عن الطاعة . وأهل اللغة يقولون : سفعت بالشيء : إذا قبضت عليه وجذبته جذبا شديدا . ويقال : سفع بناصية فرسه . قال [ حميد بن ثور الهلالي الصحابي ] :
قوم إذا كثر الصياح رأيتهم من بين ملجم مهره أو سافع
وقيل : هو مأخوذ من سفعته النار والشمس : إذا غيرت وجهه إلى حال تسويد ; كما قال :
أثافي سفعا في معرس مرجل ونأي كجذم الحوض أثلم خاشع
والناصية : شعر مقدم الرأس . وقد يعبر بها عن جملة الإنسان ; كما يقال : هذه ناصية مباركة ; إشارة إلى جميع الإنسان . وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته . وقال المبرد : السفع : الجذب بشدة ; أي لنجرن بناصيته إلى النار . وقيل : السفع الضرب ; أي لنلطمن وجهه . وكله متقارب المعنى . أي يجمع عليه الضرب عند الأخذ ; ثم يجر إلى جهنم . ❝
❞ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14)
ثم يقول : ويله ألم يعلم أبو جهل بأن الله يرى ; أي يراه ويعلم فعله ; فهو تقرير وتوبيخ . وقيل : كل واحد من أرأيت بدل من الأول . و ألم يعلم بأن الله يرى الخبر . ❝
❞ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (13)
قوله تعالى : أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى يعني أبا جهل كذب بكتاب الله - عز وجل - ، وأعرض عن الإيمان . وقال الفراء : المعنى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو على الهدى ، وأمر بالتقوى ، والناهي مكذب متول عن الذكر ; أي فما أعجب هذا ! . ❝
❞ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11)
قوله تعالى : أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى
أي أرأيت يا أبا جهل إن كان محمد على هذه الصفة ، أليس ناهيه عن التقوى والصلاة هالكا ؟ . ❝
❞ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (10)
عبدا وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - . فإن أبا جهل قال : إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه ; قاله أبو هريرة . فأنزل الله هذه الآيات تعجبا منه . وقيل : في الكلام حذف ; والمعنى : أمن هذا الناهي عن الصلاة من العقوبة . ❝
❞ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (8)
قوله تعالى : إن إلى ربك الرجعى
أي مرجع من هذا وصفه ، فنجازيه . والرجعى والمرجع والرجوع : مصادر ; يقال : رجع إليه رجوعا ومرجعا ورجعى على وزن فعلى . ❝
❞ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7)
أن رآه أي لأن رأى نفسه استغنى ; أي صار ذا مال وثروة . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه ، قال : لما نزلت هذه الآية وسمع بها المشركون ، أتاه أبو جهل فقال : يا محمد تزعم أنه من استغنى طغى ; فاجعل لنا جبال مكة ذهبا ، لعلنا نأخذ منها ، فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك . قال فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال : ( يا محمد خيرهم في ذلك فإن شاءوا فعلنا بهم ما أرادوه فإن لم يسلموا فعلنا بهم كما فعلنا بأصحاب المائدة ) . فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن القوم لا يقبلون ذلك ; فكف عنهم إبقاء عليهم . وقيل : أن رآه استغنى بالعشيرة والأنصار والأعوان . وحذف اللام من قوله أن رآه كما يقال : إنكم لتطغون إن رأيتم غناكم . وقال الفراء : لم يقل رأى نفسه ، كما قيل قتل نفسه ; لأن رأى من الأفعال التي تريد اسما وخبرا ، نحو الظن والحسبان ، فلا يقتصر فيه على مفعول واحد . العرب تطرح النفس من هذا الجنس تقول : رأيتني وحسبتني ، ومتى تراك خارجا ، ومتى تظنك خارجا . وقرأ مجاهد وحميد وقنبل عن ابن كثير ( أن رأه استغنى ) بقصر الهمزة . الباقون رآه بمدها ، وهو الاختيار . ❝
❞ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6)
قوله تعالى : كلا إن الإنسان ليطغى
قوله تعالى : كلا إن الإنسان ليطغى قيل : إنه نزل في أبي جهل . وقيل : نزلت السورة كلها في أبي جهل ; نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة ; فأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي في المسجد ويقرأ باسم الرب . وعلى هذا فليست السورة من أوائل ما نزل . ويجوز أن يكون خمس آيات من أولها أول ما نزلت ، ثم نزلت البقية في شأن أبي جهل ، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بضم ذلك إلى أول السورة ; لأن تأليف السور جرى بأمر من الله . ألا ترى أن قوله تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله آخر ما نزل ، ثم هو مضموم إلى ما نزل قبله بزمان طويل . وكلا بمعنى حقا ; إذ ليس قبله شيء . والإنسان هناأبو جهل . والطغيان : مجاوزة الحد في العصيان . ❝
❞ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
قوله تعالى : علم الإنسان ما لم يعلم قيل : الإنسان هنا آدم - عليه السلام - . علمه أسماء كل شيء ; حسب ما جاء به القرآن في قوله تعالى : وعلم آدم الأسماء كلها . فلم يبق شيء إلا وعلم سبحانه آدم اسمه بكل لغة ، وذكره آدم للملائكة كما علمه . وبذلك ظهر فضله ، وتبين قدره ، وثبتت نبوته ، وقامت حجة الله على الملائكة وحجته ، وامتثلت الملائكة الأمر لما رأت من شرف الحال ، ورأت من جلال القدرة ، وسمعت من عظيم الأمر . ثم توارثت ذلك ذريته خلفا بعد سلف ، وتناقلوه قوما عن قوم . وقد مضى هذا في سورة ( البقرة ) مستوفى والحمد لله . وقيل : الإنسان هنا الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - ; دليله قوله تعالى : وعلمك ما لم تكن تعلم . وعلى هذا فالمراد بعلمك المستقبل ; فإن هذا من أوائل ما نزل . وقيل : هو عام لقوله تعالى : والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا . ❝
❞ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
قوله تعالى : الذي علم بالقلم فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : الذي علم بالقلم يعني الخط والكتابة ; أي علم الإنسان الخط بالقلم . وروى سعيد عن قتادة قال : القلم نعمة من الله تعالى عظيمة ، لولا ذلك لم يقم دين ، ولم يصلح عيش . فدل على كمال كرمه سبحانه ، بأنه علم عباده ما لم يعلموا ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ونبه على فضل علم الكتابة ، لما فيه من المنافع العظيمة ، التي لا يحيط بها إلا هو . وما دونت العلوم ، ولا قيدت الحكم ، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ; ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا . وسمي قلما لأنه يقلم ; أي يقطع ، ومنه تقليم الظفر . وقال بعض الشعراء المحدثين يصف القلم :
فكأنه والحبر يخضب رأسه شيخ لوصل خريدة يتصنع لم لا ألاحظه بعين جلالة
وبه إلى الله الصحائف ترفع
وعن عبد الله بن عمر قال : يا رسول الله ، أأكتب ما أسمع منك من الحديث ؟ قال : ˝ نعم فاكتب ، فإن الله علم بالقلم ˝ . وروى مجاهد عن أبي عمر قال : خلق الله - عز وجل - أربعة أشياء بيده ، ثم قال لسائر الحيوان : كن فكان : القلم ، والعرش ، وجنة عدن ، وآدم - عليه السلام - . وفيمن علمه بالقلم ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه آدم - عليه السلام - ; لأنه أول من كتب ، قاله كعب الأحبار . الثاني : أنه إدريس ، وهو أول من كتب . قاله الضحاك . الثالث : أنه أدخل كل من كتب بالقلم ; لأنه ما علم إلا بتعليم الله سبحانه ، وجمع بذلك نعمته عليه في خلقه ، وبين نعمته عليه في تعليمه ; استكمالا للنعمة عليه .
الثانية : صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة ، قال : لما خلق الله الخلق كتب في كتابه - فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي . وثبت عنه - عليه السلام - أنه قال : أول ما خلق الله : القلم ، فقال له : اكتب ، فكتب ما يكون إلى يوم القيامة ، فهو عنده في الذكر فوق عرشه .
وفي الصحيح من حديث ابن مسعود : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ˝ إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة ، بعث الله إليها ملكا فصورها ، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ، ثم يقول ، يا رب ، أذكر أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول : يا رب أجله ، فيقول ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يقول يا رب رزقه ، فيقضي ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده ، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص ، وقال تعالى : إن عليكم لحافظين كراما كاتبين .
قال علماؤنا : فالأقلام في الأصل ثلاثة : القلم الأول : الذي خلقه الله بيده ، وأمره أن يكتب . والقلم الثاني : أقلام الملائكة ، جعلها الله بأيديهم يكتبون بها المقادير والكوائن والأعمال . والقلم الثالث : أقلام الناس ، جعلها الله بأيديهم ، يكتبون بها كلامهم ، ويصلون بها مآربهم . وفي الكتابة فضائل جمة . والكتابة من جملة البيان ، والبيان مما اختص به الآدمي .
الثالثة : قال علماؤنا : كانت العرب أقل الخلق معرفة بالكتاب ، وأقل العرب معرفة به المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ; صرف عن علمه ; ليكون ذلك أثبت لمعجزته ، وأقوى في حجته ، وقد مضى هذا مبينا في سورة ( العنكبوت ) . وروى حماد بن سلمة عن الزبير بن عبد السلام ، عن أيوب بن عبد الله الفهري ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ لا تسكنوا نساءكم الغرف ، ولا تعلموهن الكتابة ˝ .
قال علماؤنا : وإنما حذرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجل ; وليس في ذلك تحصين لهن ولا تستر . وذلك أنهن لا يملكن أنفسهن حتى يشرفن على الرجل ; فتحدث الفتنة والبلاء ; فحذرهم أن يجعلوا لهن غرفا ذريعة إلى الفتنة . وهو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ ليس للنساء خير لهن من ألا يراهن الرجال ، ولا يرين الرجال ˝ . وذلك أنها خلقت من الرجل ، فنهمتها في الرجل ، والرجل خلقت فيه الشهوة ، وجعلت سكنا له ، فغير مأمون كل واحد منهما في صاحبه . وكذلك تعليم الكتابة ربما كانت سببا للفتنة ، وذلك إذا علمت الكتابة كتبت إلى من تهوى . والكتابة عين من العيون ، بها يبصر الشاهد الغائب ، والخط هو آثار يده . وفي ذلك تعبير عن الضمير بما لا ينطلق به اللسان ، فهو أبلغ من اللسان . فأحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ينقطع عنهن أسباب الفتنة ; تحصينا لهن ، وطهارة لقلوبهن . ❝
❞ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)
قوله تعالى : اقرأ وربك الأكرم قوله تعالى : اقرأ تأكيد ، وتم الكلام ، ثم استأنف فقال : وربك الأكرم أي الكريم . وقال الكلبي : يعني الحليم عن جهل العباد ، فلم يعجل بعقوبتهم . والأول أشبه بالمعنى ; لأنه لما ذكر ما تقدم من نعمه ، دل بها على كرمه . وقيل : اقرأ وربك أي اقرأ يا محمد وربك يعينك ويفهمك ، وإن كنت غير القارئ . والأكرم بمعنى المتجاوز عن جهل العباد . ❝
❞ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
قوله تعالى : خلق الإنسان من علق
قوله تعالى : خلق الإنسان يعني ابن آدم .
من علق أي من دم ; جمع علقة ، والعلقة الدم الجامد ; وإذا جرى فهو المسفوح . وقال : من علق فذكره بلفظ الجمع ; لأنه أراد بالإنسان الجمع ، وكلهم خلقوا من علق بعد النطفة . والعلقة : قطعة من دم رطب ، سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه ، فإذا جفت لم تكن علقة . قال الشاعر :
تركناه يخر على يديه يمج عليهما علق الوتين
وخص الإنسان بالذكر تشريفا له . وقيل : أراد أن يبين قدر نعمته عليه ، بأن خلقه من علقة مهينة ، حتى صار بشرا سويا ، وعاقلا مميزا . ❝
❞ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
سورة العلق
وهي مكية بإجماع ، وهي أول ما نزل من القرآن
في قول أبي موسى وعائشة رضي الله عنهما . وهي تسع عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
اقرأ باسم ربك الذي خلق
هذه السورة أول ما نزل من القرآن في قول معظم المفسرين . نزل بها جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم على حراء ، فعلمه خمس آيات من هذه السورة . وقيل : إن أول ما نزل يا أيها المدثر ، قاله جابر بن عبد الله ; وقد تقدم . وقيل : فاتحة الكتاب أول ما نزل ; قاله أبو ميسرة الهمداني . وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : أول ما نزل من القرآن قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم والصحيح الأول . قالت عائشة : أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة ; فجاءه الملك فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم . خرجه البخاري .
وفي الصحيحين عنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ; فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، يتحنث فيه الليالي ذوات العدد ، قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك ; ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ; حتى فجئه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك ، فقال : ˝ اقرأ ˝ : فقال : ˝ ما أنا بقارئ - قال - فأخذني فغطني ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ˝ فقال : ˝ اقرأ ˝ فقلت : ˝ ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : ˝ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم ˝ الحديث بكماله .
وقال أبو رجاء العطاردي : وكان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد ˝ مسجد البصرة ˝ فيقعدنا حلقا ، فيقرئنا القرآن ; فكأني أنظر إليه بين ثوبين له أبيضين ، وعنه أخذت هذه السورة : اقرأ باسم ربك الذي خلق . وكانت أول سورة أنزلها الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - . وروت عائشة - رضي الله عنها - أنها أول سورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم بعدها ن والقلم ، ثم بعدها يا أيها المدثر ثم بعدها والضحى ذكره الماوردي . وعن الزهري : أول ما نزل سورة : ( اقرأ باسم ربك - إلى قوله - ما لم يعلم ) ، فحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل يعلو شواهق الجبال ، فأتاه جبريل فقال له : ( إنك نبي الله ) فرجع إلى خديجة وقال : ˝ دثروني وصبوا علي ماء باردا ˝ فنزل يا أيها المدثر .
ومعنى اقرأ باسم ربك أي اقرأ ما أنزل إليك من القرآن مفتتحا باسم ربك ، وهو أن تذكر التسمية في ابتداء كل سورة . فمحل الباء من باسم ربك النصب على الحال . وقيل : الباء بمعنى على ، أي اقرأ على اسم ربك . يقال : فعل كذا باسم الله ، وعلى اسم الله . وعلى هذا فالمقروء محذوف ، أي اقرأ القرآن ، وافتتحه باسم الله . وقال قوم : اسم ربك هو القرآن ، فهو يقول : اقرأ باسم ربك أي اسم ربك ، والباء زائدة ; كقوله تعالى تنبت بالدهن ، وكما قال :
هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور
أراد : لا يقرأن السور . وقيل : معنى اقرأ باسم ربك أي اذكر اسمه . أمره أن يبتدئ القراءة باسم الله . ❝