📘 ❞ بنك أسئلة الصف الأول الإعددي - الفصل الدراسي الأول ❝ كتاب ــ محمد سيد عبد الفتاح اصدار 2023
كتب علم اللغة العربية - 📖 كتاب ❞ بنك أسئلة الصف الأول الإعددي - الفصل الدراسي الأول ❝ ــ محمد سيد عبد الفتاح 📖
█ _ محمد سيد عبد الفتاح 2023 حصريا كتاب ❞ بنك أسئلة ❝ عن جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 2024 : بوكلت لغة عربية أولى إعدادي ترم أول
أسئلة شاملة مواضيع دروس الصف الأول الإعدادي مادة اللغة العربية كتب علم مجاناً PDF اونلاين هي أكثر اللغات تحدثاً ونطقاً ضمن مجموعة السامية وإحدى انتشاراً العالم يتحدثها من 467 مليون نسمة كما انها القرآن الكريم وتشغل مكانة خاصة عند المسلمين,فقد جاء ليتوّج هذه
كتب تعليم للاطفال والكبار معاني العربيه قواعد نحوية اهل النحو الصرف التجويد مجلدات الجنة
❞ ما نوع التشبيه في:
إنَّ الرَّسُوْلَ لَنُورٌ يُستَضَاءُ بِهِ؟
: ما نوع التشبيه في:
إنَّ الرَّسُوْلَ لَنُورٌ يُستَضَاءُ بِهِ؟
يقال إن كعبًا، رضيَ الله عنه، حين أنشد هذه القصيدة بين يدَيْ رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، قالَها هكذا:
إنَّ الرَّسُوْلَ لَسَيْفٌ يُستَضَاءُ بِهِ •• مُهَنَّدٌ مِن سُيُوف اللهِ مَسلولُ
فطلبَ إليه رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، أن يغيِّر لفظة "سيف"؛ لأن الرسالة النبويَّة لم تكن تتضمَّن سوى الرحمة والهداية والإرشاد، ولم يكن حَمْل السيف إلا أمرًا اضطُرَّ إليه المسلمون؛ دفاعًا عن دِينِهم وأنفسهم وأهلِيهِم. وهنالك قال كعبٌ:
إنَّ الرَّسُوْلَ لَنُورٌ يُستَضَاءُ بِهِ •• مُهَنَّدٌ مِن سُيُوف اللهِ مَسلولُ
وقد بقيَ الشطر الثاني كما هو دليلًا على أن البيت قد تبدَّلَ قليلًا. والسيف المهند هو السيف المصنوع في الهند، وهذا معناه أنه سيف جيّد قاطع بَتَّار. ومعنى أنه سيف مسلول أنه خارجٌ مِن غِمدِهِ. وهذا يُوحي بأنه جاهزٌ للضَّرب. وأمَّا يُستضاء به فمعناه أنه يتوسَّل به الناس لإضاءة ما يريدون رؤيته.
وفي البيت تشبيه بليغ. شبَّه كعبٌ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، بنورٍ يُستضاء به. وحذف أداة التشبيه ووجه الشبه، فلم يقُلْ: إنَّ الرسول كالنور الذي يُستضاء به في الهداية.
ووجه الشبه بينهما أن كليهما يُبين لنا معالم الطريق ويهدينا ويُخرجنا من الظلمات. ❝ ⏤محمد سيد عبد الفتاح
ما نوع التشبيه في:
إنَّ الرَّسُوْلَ لَنُورٌ يُستَضَاءُ بِهِ؟
ما نوع التشبيه في:
إنَّ الرَّسُوْلَ لَنُورٌ يُستَضَاءُ بِهِ؟
يقال إن كعبًا، رضيَ الله عنه، حين أنشد هذه القصيدة بين يدَيْ رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، قالَها هكذا:
إنَّ الرَّسُوْلَ لَسَيْفٌ يُستَضَاءُ بِهِ •• مُهَنَّدٌ مِن سُيُوف اللهِ مَسلولُ
فطلبَ إليه رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، أن يغيِّر لفظة "سيف"؛ لأن الرسالة النبويَّة لم تكن تتضمَّن سوى الرحمة والهداية والإرشاد، ولم يكن حَمْل السيف إلا أمرًا اضطُرَّ إليه المسلمون؛ دفاعًا عن دِينِهم وأنفسهم وأهلِيهِم. وهنالك قال كعبٌ:
إنَّ الرَّسُوْلَ لَنُورٌ يُستَضَاءُ بِهِ •• مُهَنَّدٌ مِن سُيُوف اللهِ مَسلولُ
وقد بقيَ الشطر الثاني كما هو دليلًا على أن البيت قد تبدَّلَ قليلًا. والسيف المهند هو السيف المصنوع في الهند، وهذا معناه أنه سيف جيّد قاطع بَتَّار. ومعنى أنه سيف مسلول أنه خارجٌ مِن غِمدِهِ. وهذا يُوحي بأنه جاهزٌ للضَّرب. وأمَّا يُستضاء به فمعناه أنه يتوسَّل به الناس لإضاءة ما يريدون رؤيته.
وفي البيت تشبيه بليغ. شبَّه كعبٌ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، بنورٍ يُستضاء به. وحذف ....... [المزيد]
❞ كلمة (كاشر) تأتي بمعنى عبوس الوجه والضحوك على النقيض، أليس كذلك؟
هشّ بَشّ
جَهْم عابس x هَاشٌّ باشٌّ
ضحوكٌ x بَكَّاء
بَسَّام x كئيب
باسم x حزين
كشر معناها كَشَفَ. إذا كشف الإنسان أو الحيوان عن أسنانه يقال: كَشَرَ. أسَدٌ كاشر. قال المتنبي:
إذا رأيتَ نيوبَ الليثِ بارزةً •• فلا تظنن أنَّ الليثَ يبتسِمُ
قال الْجَوْهَرِيُّ: الْكَشْرُ التَّبَسُّمُ. يُقَالُ: ڪَشَرَ الرَّجُلُ وَانْكَلَّ وَافْتَرَّ وَابْتَسَمَ ڪُلُّ ذَلِكَ تَبْدُو مِنْهُ الْأَسْنَانُ. ابْنُ سِيدَهْ: ڪَشَرَ عَنْ أَسْنَانِهِ يَكْشِرُ ڪَشْرًا أَبْدَى، يَكُونُ ذَلِكَ فِي الضَّحِكِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ ڪَاشَرَهُ، وَالِاسْمُ الْكِشْرَةُ ڪَالْعِشْرَةِ. وَكَشَرَ الْبَعِيرُ عَنْ نَابِهِ أَيْ ڪَشَفَ عَنْهُ. وَكَاشَرَهُ إِذَا ضَحِكَ فِي وَجْهِهِ وَبَاسَطَهُ˝.
قال صاحبي: ˝سمعت العوامّ مراراً يقولون: (ماتكشَّرش وشك) من باب النهي عن الحزن فخيِّل لي أمرٌ˝.
قلت: ˝رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أنه قال: إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَقْلِيهِمْ أَيْ نَبْسِمُ فِي وُجُوهِهِمْ مع أن قلوبنا تكرههم˝.
اللهجة العامية لغة منحدرة من أصل.
والتكشير بالمعنى العاميّ صحيحٌ.
ڪَشَرَ السَّبْعُ عَنْ نَابِهِ إِذَا هَرَّ الْحِرَاشَ، وَكَشَرَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ إِذَا تَنَمَّرَ لَهُ وَأَوْعَدَهُ ڪَأَنَّهُ سَبْعٌ.
كشَّر فعل يدل على مبالغة في الكشْر الذي هو -بنص المعجم- كشف الأسنان لتبسُّم أو لإيعادٍ وتهديد.
الحِراش معناه المنازعة والمصارعة التي تكون بين الحيوانات.
والسبع لفظ يُطلق على كل حيوان مفترس يأكل اللحم.
فأنت إذا لطمتَ غلامًا على وجهه مثلًا فإنك تراه ينظر إليك مُغاضبًا يحكُّ بعضُ أسنانه بعضًا مِن الغيظ يريد أن يفتِك بك.
عندئذٍ يحق لك أن تقول له: لا تكشر!
˝كشَّر الشخصُ :أظهر استياءً وعدم رضى عن أمر˝. هذا نصّ ما ذكره صاحب معجم اللغة العربية المعاصرة. ولستُ أعلم متى صارت الناس تستعمل كشَّر بمعنى ˝أبدى الحزن˝. أعني المدة الزمنية أو العصر الذي بدأت الناس تستعمل هذه اللفظة بهذا المعنى (الحديث).
وردت كلمة ˝نسوان˝ عليَّ مِن الشعر القديم والحديث وهذه شواهد:
قال الشَّنْفَرَىٰ:
فأيَّمتُ نسوانًا ويَتَّمتُ وِلدةً •• وعدتُ كما أبدأتُ والليلُ أليَلُ
أي قتلتُ رجالًا فصارت النساء أيامى والأولاد يتامى، وعدتُ مثل اللمح بالبصر، والليل مظلم لا قمر له، وليس فيه ضوءٌ ألبتَّةَ.
قال عمر بن أبي ربيعة:
أهذا سِحرك النسوان قد خبَّرنني الخبَرَا
وقال المتنبي:
مِن كُلِّ رِخوِ وِكاءِ البَطنِ مُنفَتِقٍ •• لا في الرِّجالِ وَلا النِسوانِ مَعدودُ
وقال شاعر:
فواللهِ ما أدري أزِيدَتْ ملاحةً •• على سائرِ النسوانِ أم ليس لي عقلُ
وقال ابن حزم:
وهل يأمَن النسوانَ غيرُ مغفَّل •• جهولٍ لأسباب الرَّدَى متأرضِ؟
قال معروف الرصافيّ:
لو أخلص الغُزَّى بنُصرةِ دينهم •• ما حَلَّ سَبْيُ حَرائرِ النسوانِ
وقال حافظ إبراهيم:
فتَضَعضَعَ النسوانُ والــ••ــنِسوانُ ليس لَهُنَّ مُنَّةْ
قال صاحبي: ˝هل أفهم مِن كلامك أنها استعملت بهذا المعنى؟˝
قلت: ˝كل لفظة استُعملت في العصر الجاهليّ والإسلامي: صحيحة فصيحة. وأما اللفظة التي بدأ الناس استعمالها أو استعمالها بمعنى حديث في العصر العباسيّ فإنها تسمَّىٰ لفظة مولَّدة. وأما اللفظة التي استعملت في العصر الحديث تُسمى لفظة مُحدَثة.
استعمل ما شئتَ ولا تقيّد نفسك، فالله رحيم بعباده.
كم مِن عالِمٍ ضيَّق واسعًا لأنَّ الله تعالى وهبه علمًا غزيرًا بلغة العرب.
أنت لا تعيش في الجاهلية، ولا تعيش في العصر العباسيّ. أنت تعيش في عصر فيه رجاله وعلماؤه، ولكل واحد منهم رأيُه. فخذ ما شئتَ ودع ما شئت ما دمتَ لا تتكلَّف.
إنها لغة. ولا شك في أن عمل علمائنا القدامى انحصر في محاولة تحديد اللغة وتراكيبها ومعاني ألفاظها في مدة زمنية تتراوح ما بين العصر الجاهليّ والعصر العباسيّ الأول. ونظروا إلى لغة هذه المدة على أنها لغة نقية -أو تكاد- وسموا هذه المدة بـ˝عصور الاحتجاج˝، ونظروا بازدراء ظل يزداد إلى كل تطوير ينال اللغة ˝النقية˝، تلك اللغة القريبة من لغة القرآن الكريم.
وفي القرآن تراكيب لا يُستحسن استعمالها الآن لأنها تسبب ارتباكا. مثل: لا أقسم بيوم القيامة، و˝إن كل نفسٍ لمّا عليها حافظ˝، و˝وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم˝.
ولم يعد أحد يستعمل لولا بمعنى: هَلَّا
والعكس بالعكس. ففي اللغة المعاصرة ألفاظ تستعمل على نحوٍ يؤثّر في فَهمنا لكتاب الله إن لم نُدرِك أن اللفظة القرآنية لها معنى يخالف ذلك المعنى الذي نستعمل هذه اللفظة به˝. ❝ ⏤محمد سيد عبد الفتاح
❞ كلمة (كاشر) تأتي بمعنى عبوس الوجه والضحوك على النقيض، أليس كذلك؟
هشّ بَشّ
جَهْم عابس x هَاشٌّ باشٌّ
ضحوكٌ x بَكَّاء
بَسَّام x كئيب
باسم x حزين
كشر معناها كَشَفَ. إذا كشف الإنسان أو الحيوان عن أسنانه يقال: كَشَرَ. أسَدٌ كاشر. قال المتنبي:
إذا رأيتَ نيوبَ الليثِ بارزةً •• فلا تظنن أنَّ الليثَ يبتسِمُ
قال الْجَوْهَرِيُّ: الْكَشْرُ التَّبَسُّمُ. يُقَالُ: ڪَشَرَ الرَّجُلُ وَانْكَلَّ وَافْتَرَّ وَابْتَسَمَ ڪُلُّ ذَلِكَ تَبْدُو مِنْهُ الْأَسْنَانُ. ابْنُ سِيدَهْ: ڪَشَرَ عَنْ أَسْنَانِهِ يَكْشِرُ ڪَشْرًا أَبْدَى، يَكُونُ ذَلِكَ فِي الضَّحِكِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ ڪَاشَرَهُ، وَالِاسْمُ الْكِشْرَةُ ڪَالْعِشْرَةِ. وَكَشَرَ الْبَعِيرُ عَنْ نَابِهِ أَيْ ڪَشَفَ عَنْهُ. وَكَاشَرَهُ إِذَا ضَحِكَ فِي وَجْهِهِ وَبَاسَطَهُ˝.
قال صاحبي: ˝سمعت العوامّ مراراً يقولون: (ماتكشَّرش وشك) من باب النهي عن الحزن فخيِّل لي أمرٌ˝.
قلت: ˝رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أنه قال: إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَقْلِيهِمْ أَيْ نَبْسِمُ فِي وُجُوهِهِمْ مع أن قلوبنا تكرههم˝.
اللهجة العامية لغة منحدرة من أصل.
والتكشير بالمعنى العاميّ صحيحٌ.
ڪَشَرَ السَّبْعُ عَنْ نَابِهِ إِذَا هَرَّ الْحِرَاشَ، وَكَشَرَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ إِذَا تَنَمَّرَ لَهُ وَأَوْعَدَهُ ڪَأَنَّهُ سَبْعٌ.
كشَّر فعل يدل على مبالغة في الكشْر الذي هو بنص المعجم كشف الأسنان لتبسُّم أو لإيعادٍ وتهديد.
الحِراش معناه المنازعة والمصارعة التي تكون بين الحيوانات.
والسبع لفظ يُطلق على كل حيوان مفترس يأكل اللحم.
فأنت إذا لطمتَ غلامًا على وجهه مثلًا فإنك تراه ينظر إليك مُغاضبًا يحكُّ بعضُ أسنانه بعضًا مِن الغيظ يريد أن يفتِك بك.
عندئذٍ يحق لك أن تقول له: لا تكشر!
˝كشَّر الشخصُ :أظهر استياءً وعدم رضى عن أمر˝. هذا نصّ ما ذكره صاحب معجم اللغة العربية المعاصرة. ولستُ أعلم متى صارت الناس تستعمل كشَّر بمعنى ˝أبدى الحزن˝. أعني المدة الزمنية أو العصر الذي بدأت الناس تستعمل هذه اللفظة بهذا المعنى (الحديث).
وردت كلمة ˝نسوان˝ عليَّ مِن الشعر القديم والحديث وهذه شواهد:
قال الشَّنْفَرَىٰ:
فأيَّمتُ نسوانًا ويَتَّمتُ وِلدةً •• وعدتُ كما أبدأتُ والليلُ أليَلُ
أي قتلتُ رجالًا فصارت النساء أيامى والأولاد يتامى، وعدتُ مثل اللمح بالبصر، والليل مظلم لا قمر له، وليس فيه ضوءٌ ألبتَّةَ.
قال عمر بن أبي ربيعة:
أهذا سِحرك النسوان قد خبَّرنني الخبَرَا
وقال المتنبي:
مِن كُلِّ رِخوِ وِكاءِ البَطنِ مُنفَتِقٍ •• لا في الرِّجالِ وَلا النِسوانِ مَعدودُ
وقال شاعر:
فواللهِ ما أدري أزِيدَتْ ملاحةً •• على سائرِ النسوانِ أم ليس لي عقلُ
وقال ابن حزم:
وهل يأمَن النسوانَ غيرُ مغفَّل •• جهولٍ لأسباب الرَّدَى متأرضِ؟
قال معروف الرصافيّ:
لو أخلص الغُزَّى بنُصرةِ دينهم •• ما حَلَّ سَبْيُ حَرائرِ النسوانِ
وقال حافظ إبراهيم:
فتَضَعضَعَ النسوانُ والــ••ــنِسوانُ ليس لَهُنَّ مُنَّةْ
قال صاحبي: ˝هل أفهم مِن كلامك أنها استعملت بهذا المعنى؟˝
قلت: ˝كل لفظة استُعملت في العصر الجاهليّ والإسلامي: صحيحة فصيحة. وأما اللفظة التي بدأ الناس استعمالها أو استعمالها بمعنى حديث في العصر العباسيّ فإنها تسمَّىٰ لفظة مولَّدة. وأما اللفظة التي استعملت في العصر الحديث تُسمى لفظة مُحدَثة.
استعمل ما شئتَ ولا تقيّد نفسك، فالله رحيم بعباده.
كم مِن عالِمٍ ضيَّق واسعًا لأنَّ الله تعالى وهبه علمًا غزيرًا بلغة العرب.
أنت لا تعيش في الجاهلية، ولا تعيش في العصر العباسيّ. أنت تعيش في عصر فيه رجاله وعلماؤه، ولكل واحد منهم رأيُه. فخذ ما شئتَ ودع ما شئت ما دمتَ لا تتكلَّف.
إنها لغة. ولا شك في أن عمل علمائنا القدامى انحصر في محاولة تحديد اللغة وتراكيبها ومعاني ألفاظها في مدة زمنية تتراوح ما بين العصر الجاهليّ والعصر العباسيّ الأول. ونظروا إلى لغة هذه المدة على أنها لغة نقية أو تكاد وسموا هذه المدة بـ˝عصور الاحتجاج˝، ونظروا بازدراء ظل يزداد إلى كل تطوير ينال اللغة ˝النقية˝، تلك اللغة القريبة من لغة القرآن الكريم.
وفي القرآن تراكيب لا يُستحسن استعمالها الآن لأنها تسبب ارتباكا. مثل: لا أقسم بيوم القيامة، و˝إن كل نفسٍ لمّا عليها حافظ˝، و˝وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم˝.
ولم يعد أحد يستعمل لولا بمعنى: هَلَّا
والعكس بالعكس. ففي اللغة المعاصرة ألفاظ تستعمل على نحوٍ يؤثّر في فَهمنا لكتاب الله إن لم نُدرِك أن اللفظة القرآنية لها معنى يخالف ذلك المعنى الذي نستعمل هذه اللفظة به˝ . ❝
أتتني رسالة من صديقي عبد الرحمن السعيد يقول فيها: ˝صبحك الله بالخير يا صاح!
قال الشاعر:
ولا بد للقلب من آلة •• ورأي يصدع صمَّ الصفا.
ما الآلة؟˝.
وقلتُ في جوابي: ˝الآلة هي الأداة التي بها يُستطاع الفِعل:
فالقلم -مثلًا- آلة الكتابة، والعين آلة النظر، والكفّ آلة التربيت أو البطش، والهاتف آلة التواصل مع الآخرين. وكل شيء تتوصَّل أنتَ به إلى فعل شيء آخر فهو آلة.
وقال الجاحظ إن فقهاء المدينة كانوا يقيمون الحدّ على مَن يَحمِل زِقًّا (وِعاءً من الجِلْد/زَمْزميَّة باللغة المصرية المعاصرة) وكانوا يقولون: لأن الزِّقَّ آلة شرب الخمر والإسكار.
وهنا صاح الجاحظ على هذه الفتوى غاضبًا وقال: هلَّا أقاموا حدَّ الزِّنا على كل رجل. إذ إن كل رجل لا يمشي إلا وهو يحمل معه آلة الزنا (يقصد الذَّكَر)؟!
وأعود إلى قول الشاعر فأقول: لا بد للقلب مِن عقلٍ ورأي صوابٍ نافذ، ولا بد للقلب من أعضاءٍ تُحقِّق ما يريده.
و˝صم الصفا˝ هي الصخور الصماء. والصخرة الصماء هي الصخرة الصلبة التي لا تسمع لها رنَّة إذا قرعتَها. ومضادها: صخرة جوفاء، وهي الصخرة التي بداخلها فجوة. وإذا شِئتَ مزيد بيانٍ فجرِّد أرضية الشقة التي تسكن فيها من البساط، وانقر بأصابعك على بلاطها: بلاطةً بلاطةً، فإن سمعتَ رنةً وشعرتَ بأن تحت إحدى البلاطات مساحة فارغة لم يملأها مُبلِّط السيراميك بالأسمنت فقل: هذه بلاطة جوفاء!
والفعل ˝يُصدّع˝ معناه: يُشقِّق.
والرأي الذي يشقق الصخور الصلبة رأي حازمٌ نافذ حكيم قويّ غالبٌ بلا شك.
والبيت من وزن المتقارب:
فَعُوْلُنْ فعولن فعولن فَعو •• فعولن فعولن فعولن فعو
وفي العروض والضرب وقع الحذف فصارت (فعولن) فعو.
وهو منسوب إلى أبي الطيب المتنبي، وبعده:
وَمَن يَكُ قَلبٌ كَقَلبي لَهُ •• يَشُقُّ إِلى العِزِّ قَلبَ التَوَى
تَوِيَ الإنسانُ يَتوَىٰ تَوًىٰ: هَلَكَ. التَّوَىٰ: الهلاك. وقد استعار للهلاك قلبًا يشُقُّه الشاعرُ.
والمعنى: ومَن كان له قلبٌ كقلبي فإنه يخوض المنايا والمهالِك حتى يَبلغ العِزّ والمجد والشرف.
ثم أتتني من صديقي رسالة نصها: ˝صديقي أشكرك كل الشكر على توضيحك وتبيينك اليسير، وما زدتنيه من مفاهيم وتفسيرات شقت ضروب جهلي! أحسنت القول وأفضت وعلمتني ما لم أكن أعلم. لا فُضَّ فوك يا صاح وسلمت أناملك!
قال الشاعر:
فلا برحت لعين الدهر إنسانا
ما إنسان العين؟ وهل غرض الشاعر هنا المدح أو الهجاء؟˝.
فكتبتُ إليه أنَّ ˝العين فيها سوادان: سواد داخل سواد، يحيط بهما بياض.
إنسان العين هو تلك الدائرة الصغيرة التي تنتصف سواد العين، والبعض يعتقد أن هذه الدائرة الصغيرة هي المسئولة عن عملية الإبصار.
العين غالية ونفيسة، ولكن أجزاء العين متفاوتة من حيث القيمة، فسواد العين خير من بياضها، وإنسان العين لا يُسوَّىٰ بينَهُ وبين سواد العين.
انظر في سواد عينك في المرآة وسوف تجد تلك النقطة السوداء داخله.
قال أبو العلاءِ المعري:
لَمْ نَلْقَ غَيْرَكَ إِنْساناً يُلاذُ بهِ •• فَلا برحْتَ لِعيْنِ الدهْر إِنْسانا
بين ˝إِنْسانا˝ و˝إنسانا˝ جناس تامّ.
الشاعر هنا يمدح، ويلعب بالألفاظ.
وقد قال المتنبي يومًا لممدوحه:
الدهر لفظ أنتَ معناهُ.
ورُوِيَ أن جريراً اجتمع مع الفرزدق في مجلس عبد الملك، فقال الفرزدق: النوار بنت مجاشع طالق ثلاثاً إن لم أقل بيتاً لا يستطيع ابن المَراغة أن ينقضه أبداً، ولا يجد في الزيادة عليه مذهباً، فقال عبد الملك: ما هو؟ فقال:
فإني أنا الموت الذي هو واقعٌ •• بنفسك فانظر كيف أنت مزاولُهْ
وما أحد يا ابنَ الأتان بوائلٍ •• من الموت إن الموت لاشك نائله
فأطرق جرير قليلاً ثم قال: أم حَرزة طالق مني ثلاثاً إن لم أستطع نقضه والزيادة عليه. فقال عبد الملك: هاتِ فقد - والله - طلَّق أحدُكما لا محالة، فأنشد جريرٌ:
أنا البدر يُعشي نورَ عينَيك فالتمِسْ •• بكفَّيك يا ابنَ القَين هل أنت نائلُه؟
أنا الدهر يَفنَىٰ الموتُ والدهرُ خالدٌ •• فجئني بمثلِ الدهرِ شيئاً يُطاوله
فقال عبد الملك: غلبَكَ والله يا أبا فِراس. فقال الفرزدق: فما ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: وايمُ الله لا تَريم حتى تكتب إلى النوار بطلاقها. فتأنى ساعة، فزجره عبد الملك، فكتب بطلاقها، وقال في ذلك:
نَدِمتُ ندامةَ الكُسَعيِّ لمَّا •• غَدَتْ مِنِّي مُطلَّقةً نَوارُ
ومعنى قول أبي العلاء:
لم نجد أحدًا نلجأ إليه غيرك.
ثم دعا له فقال:
لا برحتَ لعين الدهر إنسانا
أيْ: أبقاك اللهُ في تلك المنزلة الرفيعة التي أنت فيها.
والدهر عند العرب شيء قاهر يشتكون دائمًا منه، فإذا كان إنسانٌ مَّا جزءًا من الدهر نفسه فمعنى هذا أنْ لا شيءَ يُخافَ عليه منه. إذ إنه في صفّ الغالب القاهر.
قال مِهيار الديلميّ يشكو الدهر:
أفصخرةٌ يا دهرُ هذا القلبُ أمْ •• هُوَ لِلْهُمُومِ السَّارِياتِ قَرارُ؟
قوله: ˝لا برحتَ˝ أسلوب دعاء.
كما تقول:
لا بارك الله لك فيها!
لا أزال الله مُلكَكَ!
لا عَدمتُكَ!
لا فضَّ الله فاكَ!
ومن الأدعية المشهورة أن يدعو عليك شخص فيقول: لا كنتَ!
وهو كما ترى دعاء بالهلاك!
وقد افتتح أحد الشعراء قصيدته فقال:
لا زارَ عيني الكَرَىٰ لا مَسَّني الطَّرَبُ •• إنْ كنتُ يومًا لِغيرِ العُرْبِ أنتسِبُ˝. ❝ ⏤محمد سيد عبد الفتاح
❞ سؤال وجواب عن معاني الشعر:
أتتني رسالة من صديقي عبد الرحمن السعيد يقول فيها: ˝صبحك الله بالخير يا صاح!
قال الشاعر:
ولا بد للقلب من آلة •• ورأي يصدع صمَّ الصفا.
ما الآلة؟˝.
وقلتُ في جوابي: ˝الآلة هي الأداة التي بها يُستطاع الفِعل:
فالقلم مثلًا آلة الكتابة، والعين آلة النظر، والكفّ آلة التربيت أو البطش، والهاتف آلة التواصل مع الآخرين. وكل شيء تتوصَّل أنتَ به إلى فعل شيء آخر فهو آلة.
وقال الجاحظ إن فقهاء المدينة كانوا يقيمون الحدّ على مَن يَحمِل زِقًّا (وِعاءً من الجِلْد/زَمْزميَّة باللغة المصرية المعاصرة) وكانوا يقولون: لأن الزِّقَّ آلة شرب الخمر والإسكار.
وهنا صاح الجاحظ على هذه الفتوى غاضبًا وقال: هلَّا أقاموا حدَّ الزِّنا على كل رجل. إذ إن كل رجل لا يمشي إلا وهو يحمل معه آلة الزنا (يقصد الذَّكَر)؟!
وأعود إلى قول الشاعر فأقول: لا بد للقلب مِن عقلٍ ورأي صوابٍ نافذ، ولا بد للقلب من أعضاءٍ تُحقِّق ما يريده.
و˝صم الصفا˝ هي الصخور الصماء. والصخرة الصماء هي الصخرة الصلبة التي لا تسمع لها رنَّة إذا قرعتَها. ومضادها: صخرة جوفاء، وهي الصخرة التي بداخلها فجوة. وإذا شِئتَ مزيد بيانٍ فجرِّد أرضية الشقة التي تسكن فيها من البساط، وانقر بأصابعك على بلاطها: بلاطةً بلاطةً، فإن سمعتَ رنةً وشعرتَ بأن تحت إحدى البلاطات مساحة فارغة لم يملأها مُبلِّط السيراميك بالأسمنت فقل: هذه بلاطة جوفاء!
والفعل ˝يُصدّع˝ معناه: يُشقِّق.
والرأي الذي يشقق الصخور الصلبة رأي حازمٌ نافذ حكيم قويّ غالبٌ بلا شك.
والبيت من وزن المتقارب:
فَعُوْلُنْ فعولن فعولن فَعو •• فعولن فعولن فعولن فعو
وفي العروض والضرب وقع الحذف فصارت (فعولن) فعو.
وهو منسوب إلى أبي الطيب المتنبي، وبعده:
وَمَن يَكُ قَلبٌ كَقَلبي لَهُ •• يَشُقُّ إِلى العِزِّ قَلبَ التَوَى
تَوِيَ الإنسانُ يَتوَىٰ تَوًىٰ: هَلَكَ. التَّوَىٰ: الهلاك. وقد استعار للهلاك قلبًا يشُقُّه الشاعرُ.
والمعنى: ومَن كان له قلبٌ كقلبي فإنه يخوض المنايا والمهالِك حتى يَبلغ العِزّ والمجد والشرف.
ثم أتتني من صديقي رسالة نصها: ˝صديقي أشكرك كل الشكر على توضيحك وتبيينك اليسير، وما زدتنيه من مفاهيم وتفسيرات شقت ضروب جهلي! أحسنت القول وأفضت وعلمتني ما لم أكن أعلم. لا فُضَّ فوك يا صاح وسلمت أناملك!
قال الشاعر:
فلا برحت لعين الدهر إنسانا
ما إنسان العين؟ وهل غرض الشاعر هنا المدح أو الهجاء؟˝.
فكتبتُ إليه أنَّ ˝العين فيها سوادان: سواد داخل سواد، يحيط بهما بياض.
إنسان العين هو تلك الدائرة الصغيرة التي تنتصف سواد العين، والبعض يعتقد أن هذه الدائرة الصغيرة هي المسئولة عن عملية الإبصار.
العين غالية ونفيسة، ولكن أجزاء العين متفاوتة من حيث القيمة، فسواد العين خير من بياضها، وإنسان العين لا يُسوَّىٰ بينَهُ وبين سواد العين.
انظر في سواد عينك في المرآة وسوف تجد تلك النقطة السوداء داخله.
قال أبو العلاءِ المعري:
لَمْ نَلْقَ غَيْرَكَ إِنْساناً يُلاذُ بهِ •• فَلا برحْتَ لِعيْنِ الدهْر إِنْسانا
بين ˝إِنْسانا˝ و˝إنسانا˝ جناس تامّ.
الشاعر هنا يمدح، ويلعب بالألفاظ.
وقد قال المتنبي يومًا لممدوحه:
الدهر لفظ أنتَ معناهُ.
ورُوِيَ أن جريراً اجتمع مع الفرزدق في مجلس عبد الملك، فقال الفرزدق: النوار بنت مجاشع طالق ثلاثاً إن لم أقل بيتاً لا يستطيع ابن المَراغة أن ينقضه أبداً، ولا يجد في الزيادة عليه مذهباً، فقال عبد الملك: ما هو؟ فقال:
فإني أنا الموت الذي هو واقعٌ •• بنفسك فانظر كيف أنت مزاولُهْ
وما أحد يا ابنَ الأتان بوائلٍ •• من الموت إن الموت لاشك نائله
فأطرق جرير قليلاً ثم قال: أم حَرزة طالق مني ثلاثاً إن لم أستطع نقضه والزيادة عليه. فقال عبد الملك: هاتِ فقد والله طلَّق أحدُكما لا محالة، فأنشد جريرٌ:
أنا البدر يُعشي نورَ عينَيك فالتمِسْ •• بكفَّيك يا ابنَ القَين هل أنت نائلُه؟
أنا الدهر يَفنَىٰ الموتُ والدهرُ خالدٌ •• فجئني بمثلِ الدهرِ شيئاً يُطاوله
فقال عبد الملك: غلبَكَ والله يا أبا فِراس. فقال الفرزدق: فما ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: وايمُ الله لا تَريم حتى تكتب إلى النوار بطلاقها. فتأنى ساعة، فزجره عبد الملك، فكتب بطلاقها، وقال في ذلك:
نَدِمتُ ندامةَ الكُسَعيِّ لمَّا •• غَدَتْ مِنِّي مُطلَّقةً نَوارُ
ومعنى قول أبي العلاء:
لم نجد أحدًا نلجأ إليه غيرك.
ثم دعا له فقال:
لا برحتَ لعين الدهر إنسانا
أيْ: أبقاك اللهُ في تلك المنزلة الرفيعة التي أنت فيها.
والدهر عند العرب شيء قاهر يشتكون دائمًا منه، فإذا كان إنسانٌ مَّا جزءًا من الدهر نفسه فمعنى هذا أنْ لا شيءَ يُخافَ عليه منه. إذ إنه في صفّ الغالب القاهر.
قال مِهيار الديلميّ يشكو الدهر:
أفصخرةٌ يا دهرُ هذا القلبُ أمْ •• هُوَ لِلْهُمُومِ السَّارِياتِ قَرارُ؟
قوله: ˝لا برحتَ˝ أسلوب دعاء.
كما تقول:
لا بارك الله لك فيها!
لا أزال الله مُلكَكَ!
لا عَدمتُكَ!
لا فضَّ الله فاكَ!
ومن الأدعية المشهورة أن يدعو عليك شخص فيقول: لا كنتَ!
وهو كما ترى دعاء بالهلاك!
وقد افتتح أحد الشعراء قصيدته فقال:
لا زارَ عيني الكَرَىٰ لا مَسَّني الطَّرَبُ •• إنْ كنتُ يومًا لِغيرِ العُرْبِ أنتسِبُ˝ . ❝
❞ قراءة في قصيدة "هل عند غانٍ لفؤادٍ صَدِ" للمثقِّب العَبدِيّ:
: قراءة في قصيدة "هَلْ عِنْدَ غانٍ لِفؤادٍ صَدِ" للمُثَقِّب العَبدِيّ:
هذه قصيدة جاهليَّة قالها شاعرٌ جاهليٌّ، على وزن السريع، وفي أولها بيت مُصرَّع، كما كان يحدث عادة في مطلع القصائد حتى يومنا هذا، في الشعر العموديّ. وسوف أتكلم عنها ملتزمًا بنصها الوارد في الديوان الذي حققه وقدَّم له حسن كامل الصيرفيّ.
وأول شيء أزعجني في القصيدة، في القرأة الأولى لها، أنها بدأتْ بطلب نهلة يَروي بها الشاعر فؤاده العطشان، ثم انتقل فجأة إلى جواب طلبه الذي قدَّمته امرأة مجهولة:
قالت: ألا يُشتَرَىٰ ذاكُمُ •• إلا بما شئنا ولَمْ يُوجَدِ
إلا ببـدرَيْ ذَهَبٍ خالصٍ •• كلَّ صباحٍ آخِرَ المُسنَدِ
مِن مالِ مَن يَجبِي ويُجبَىٰ له •• سبعونَ قنطارًا من العسجدِ
أو مِئةٍ تُجعَلُ أولادُها •• لَغوًا، وعُرض المِئةِ الجَلمَدُ
وقد نشأ الإزعاج من ذلك الانفصال الظاهر بين الطلب السهل اليسير والثمن الغالي المُبالَغ فيه. ثم انتبهتُ إلى أن "النهلة" كناية عن "لقاء العاشق"، وفي ذلك اللقاء يستوفي حاجته وتطيب نفسه وينال اللذة.
وهذا الجواب المبالغ فيه كناية أيضًا تُبيّن أن بين الشاعر ومحبوبته ما صَنَعَ الحدَّاد.
الشاعر يذكر لنا هنا أن ثمة سببًا أفضى إلى فِراق محبوبته له. وهذا يُذكّر القارئ بـ" بانَتْ سُعادُ فقلبي اليوم مَتبولُ ... أرجو وآمُلُ أن تدنو مودَّتُها ... وما مواعيدُها إلا الأباطيلُ".
المرأة/المحبوبة عنصر مُفارِق، مرغوبٌ فيه، مَيئوس مِنه.
وشاعرنا ليس كعنترة العبسيّ، ذلك الشاعر المِغوار الذي، وَفق بعض الروايات، استطاع أن يأتي بألفٍ من النُّوق العصافير تُدفَع مَهرًا لمحبوبته عبلة.
يبدو أن الشاعر لم يكن ذا همةٍ عالية، ولم يكن من الأشراف الأثرياء، وقد بحَثَ عن سَريّ غنيّ يُوافيهِ بمالٍ يكون مهرًا لِمَن يهواها فلم يجد حبلًا قويًّا يستمسك به في الشدة والضيق.
وقد ركب الشاعر ناقته، يائسًا مهمومًا، وأرسل زمامها تجول في الصحراء مُسليًا نفسه بالنظر إليها، وهي الصديق الوفيّ والخادم المطيع القويّ والملجأ. بدأ الشاعر، في هذا المشهد الدراميّ المؤثِّر، يلتفت إلى ذلك الكائن الذي يحمله ويُعينه، فأعجبه ذلك الكائن وراح يمدحه؛ لأنه اكتشف أنه حقا جدير بالمدح في هذا العالَم الذي يحرمه ما يشتهيه. وتكاد تكون القصيدة كلها وقفًا على وصف الناقة (لحمها/سنامها/مشيها/ حركات قوائمها/شدة تحمّلها/نشاطها الذي يبعثه باعث داخليّ)/وتشبيهها بالثور الوحشيّ ذي اللون المميَّز (محمرّ الخدين مع سوادهما/مخطَّط/مبقَّع) وتشبيهها بالصقر الذي يتبع طيور القطا السمينة ويجمع في عُشِّه لحوم فرائسه كما يَجمع الصيَّاد السهامَ في الجَعبة.
والغالب على أسلوب الشاعر حبّ الاستطراد، فهو يستطرد في ثمن النهلة، ويستطرد في وصف الناقة. والفرع هنا هو القِسم الذي يظهر فيه فنّ الشاعر.
وثقافة الشاعر تعبّر عن ذلك الاعتقاد في "عزيف الجنّ، وظهوره"، وهو اعتقاد هاجمه الجاحظ بشدة في كتاب "الحيوان" ورسالة "البِغال"، وحاول، كعادة المعتزلة، عَقْلَنة القضية.
والشاعر هنا أشار إشارة عابرة لا تدل على اعتقاده الشخصيّ، وإنما توصَّل بذكر عزف الجنّ إلى التعبير عن إخافة المكان لسالكه، إذ فيه تنتشر الجنّ (تدوي الريح وتصفر، ويردُّ عليك الصدى نداءك).
و" السوط" له حضور فعليّ في القصيدة الجاهلية، فالجاهليّ يدعو على نفسه فيقول: "لا رَفَعَتْ سوطي إليَّ يدِي/أناملي". والناقة/الفرس التي لا يرفع راكبها السوط ناقة كريمة أصيلة، أما الناقة البخيلة فهي تلك الناقة التي تُضرب بالسوط حتى "تُعطيك مشيًا حسنًا". ومعروفة تلك الرواية التي تُحكى عن امرئ القيس وامرأته التي فضَّلتْ علقمة الفحل لأنه لم يضرب ناقته/بعيره حتى ينال قصب السبق.
وثقافة "الجهل" قد عبَّر عنها الشاعر في قوله: "لو يُمنَع شربي لَسَقَتني يدي"، ومن الغريب، نحويًّا، استعماله الفعل المضارع بعد "لو"، وجعله جواب الشرط فعلًا ماضيًا "سَقَىٰ".
ومن الناحية "السياسية" فالملك كان يَجبي الأموال، حتى إن المرأة قد طمعتْ في أن يكون لها سبعون قنطارًا من الذهب.
ومن الناحية "الاجتماعية" فالمرأة تمسك بقماشة تلوّح بها وهي تندب، سواء كانت "ابنة الجَون" زوجة صالحة وفيَّة اشتدَّ جزعها وعويلها على مَن فقدته أو كانت امرأة مُستأجرة لتنوح في المآتم. ومع أن في هذا التشبيه غرابة، ولكنَّ الغموض ينجلي حين نعتقد أن الشاعر لا يبغي من وراء هذا التشبيه، من حيث وجه الشبه، إلا الإشارة إلى سرعة الناقة وتأدية الحركة على نحوٍ متكرِّر.
ومن الناحية الجغرافية فالشاعر يصف الصحراء والقفر وباطن الوادي، ويشير إلى موضعين هما "العليا" و"المنتهى". ويصف الثور الوحشيّ والناقة والطائر الجارح (صقر/عُقاب/نسر) وهي من أشياء ذلك الموقع الجغرافيّ الصحراويّ.
والشاعر هنا واعٍ بفنِّه وأغراض الشعر وصناعة الكلام، وذلك حين يقول: "فذلك (يعني الثور الوحشيّ) شبَّهْتُهُ (بِـ)ناقتي مرتجلًا". فالشاعر يرى أن الارتجال خير من التهيئة، ونلمح أيضًا إعجابًا منه بما صَنَعَهُ (ارتجَلَهُ).
والشاعر منتبه لعالم الحيوان، مهتمّ بحياته وحركاته وصفاته. لذلك كثرت الصور البَصَريَّة.
. ❝ ⏤محمد سيد عبد الفتاح
قراءة في قصيدة "هل عند غانٍ لفؤادٍ صَدِ" للمثقِّب العَبدِيّ:
قراءة في قصيدة "هَلْ عِنْدَ غانٍ لِفؤادٍ صَدِ" للمُثَقِّب العَبدِيّ:
هذه قصيدة جاهليَّة قالها شاعرٌ جاهليٌّ، على وزن السريع، وفي أولها بيت مُصرَّع، كما كان يحدث عادة في مطلع القصائد حتى يومنا هذا، في الشعر العموديّ. وسوف أتكلم عنها ملتزمًا بنصها الوارد في الديوان الذي حققه وقدَّم له حسن كامل الصيرفيّ.
وأول شيء أزعجني في القصيدة، في القرأة الأولى لها، أنها بدأتْ بطلب نهلة يَروي بها الشاعر فؤاده العطشان، ثم انتقل فجأة إلى جواب طلبه الذي قدَّمته امرأة مجهولة:
قالت: ألا يُشتَرَىٰ ذاكُمُ •• إلا بما شئنا ولَمْ يُوجَدِ
إلا ببـدرَيْ ذَهَبٍ خالصٍ •• كلَّ صباحٍ آخِرَ المُسنَدِ
مِن مالِ مَن يَجبِي ويُجبَىٰ له •• سبعونَ قنطارًا من العسجدِ
أو مِئةٍ تُجعَلُ أولادُها •• لَغوًا، وعُرض المِئةِ الجَلمَدُ
وقد نشأ الإزعاج من ذلك الانفصال الظاهر بين الطلب السهل اليسير والثمن الغالي المُبالَغ فيه. ثم انتبهتُ إلى أن "النهلة" كناية عن "لقاء العاشق"، وفي ذلك اللقاء يستوفي حاجته وتطيب نفسه وينال اللذة.
وهذا الجواب المبالغ فيه كناية أيضًا تُبيّن أن بين ....... [المزيد]
❞ تحليل قصيدة "يقولون: ما تشكو ولست بنازف" للشاعر عبد الرحمن حمود
: قصيدة الشاعر عبد الرحمن حمود
أشار عليَّ مشكورًا صديقٌ أعلمُ أنَّ له ذوقًا صحيحًا سليمًا وبصرًا، إلى حدٍ مَّا، بالشعر، هو الأستاذ إسلام حسيب، بأن أنظر في شعر شاعرٍ اسمه "عبد الرحمن حمود"، والحق أنني لا أعرف من شعره غير هذه القصيدة البديعة الرائقة، وهي اثنا عشَرَ بيتًا، من وزن الطويل. قال الشاعر:
يَقولونَ: ما تَشكو وَلَستَ بِنازِفٍ؟
فقلتُ: عُضالُ الداءِ يُردي ولا يُدمي(١)
وقد تُعظِمُ الشَكوىٰ بلاءَ الذي شَكا
لِعَجزِ الذي يَشكو إليهِ عَن الفَهمِ(٢)
أما والذي أَوحَىٰ بِأحكَمِ مُحكَمٍ
وأَبلغِ تِبيانٍ إلى عَبدِهِ الأُمِّيّْ(٧)
لَأَروَحُ لي صَدراً وأهونُ مُبتَلىً
من اللَّحنِ والإعجامِ عَدِّي مِنَ البُكْمِ(٨)
أَعاذِلُ لَو تدرينَ ما المرءُ ذائِقٌ
-إذا لاكَ جَزلَ اللفظِ- في الأُذْنِ والفَمِّ(٩)
كأنَّي إذا أَنشَدتُهُ أو سَمِعتُهُ
مُناوَلُ ماءٍ بعدَ يومٍ مِن الصَّومِ(١٠)
شرح الأبيات
١-يقول الشاعر إن بعض الناس الذين لم يُسمّهم، ربما لكثرة عددهم واختلاف أصنافهم، وربما أنَفةً، يقولون له: لِمَ تشكو وليس بك وجع ظاهر أو جرح ينزف؟ فقال لهم إن المرض الشديد يهلك الإنسان ولا يُخرج دماءه.
فالوجع باطنيّ، فكريّ، نفسيّ.
٢-قد تصبح الشكوى بلاء عظيمًا، يفوق بلاء داء الشاكي، إذا كان مَن يستمع إلى الشكوى عاجزًا عن الفهم.
٣-ليس على الأرض ابتلاء يُشبه ابتلاء الإنسانِ بقومٍ سواءٌ عنده الحديث إليهم والسكوت.
٤-إذا أنشدهم هذا الإنسان قصيدةً بدا كأنه رجل يُمسك بالدُّفِّ ويَنقر عليه وليس حوله إلا جماعة من الصمّ الذين لا يسمعون.
٥-لو أعيد هؤلاء إلى زمن العرب الأقحاح الخُلَّص لقال هؤلاء العرب فيهم إنهم من العجم الذين لا يعرفون اللغة العربيّة.
٦-ثم ذكر الشاعرُ امرأةً لامَتْهُ، وبيَّن أن أخذه بقولها ضلال، وقد ردَّ عليها بالنقل والعقل.
٧-نصحته اللائمةُ بأن يستعمل لغة من يخاطبهم، وهو ما يأباه الحرُّ الكريم؛ لأنه وَضعٌ للشيء في غير موضعه، وذلك قبيح.
٨-وشبَّه لها الفعل الذي تنصحه بفعله بوضع السمّ للمريض بدلًا من مداواته بالكيّ، هربًا من إيجاع المريض.
٩-أقسم الشاعر بالله منزل القرآن البليغ المُحكم على رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم.
١٠-أقسم أنه يرضى بأن يُوصف بالأخرس ويتسع صدره لهذه التهمة ويُوثر ذلك على أن يخطئ في شعره أو يأتي بالكلام المبهم المستغلِق.
١١-ثم حاول، ولا أقول: عبثًا، أن يَبثَّ إليها ما يعتريه من النشوة والطرب واللذة حين يقرأ شعرًا رائعًا ماتعًا طيِّبًا.
١٢-وشبهه حاله حين يقرأ أو يسمع الشعر البليغ بالذي تناول ماء بعدما صام يومه.
***
نقد أو خبط غمر
ومن التطبيق (الطباق) البوح والكتم، والعرب والعجم. ومن التجنيس: الشكوى شكا يشكو، بلاء يُبتلى، أحكم محكم. وقد كاد يكون بين "الفذ" و"الفدم" شيءٌ، ولكنَّ القدَر فرَّق بينهما. وتكرر حرف الحاء في: "أوحى بأحكم محكَمٍ"، وتكررت الميم في آخر بيت، في الشطر الثاني منه خِصِّيصَىٰ. ولم تبدإ القصيدة بالتصريع.
***
قوله:
فَلَو أنهم رُدُّوا لِعَهدِ جُدودِهم
مِن العُربِ قالوا: إنَّهُم لَمِنَ العُجمِ
"لو" أفادت أن ذلك من باب المُستحيل الوقوع. وأكَّد باللام المزحلقة، وهي، على ثقلها وإحساس القارئ بأنها زائدة، تملأ الفمَ، وتُوحي بالغضب والجَزم. ولولا الوزن ما جاء بها الشاعر، ولكنَّ الوزنَ ألجأ في حين كان يَضطرُّ الشاعرَ الحاذق إلى وضع حشوٍ غير مَعيب. فأما الحشو المَعيب فكمثل قول البحتريّ:
أهلًا بذلكمُ الخيالِ المُقبِلِ
ما أثقل "بذلكم" هذه!
ومن الحشو "قد" التي وضعها بين "لو قد أضعتُها"، ويُعذَر الشاعر، فأما الناثر فهي ركاكة في منثوره عليه تجافيها.
***
ويُذكِّرني البيت المذكورُ آنفًا ببيت المتنبي:
بأيِّ لفظةٍ تقول الشِعرَ زِعنِفةٌ •• تجوز عندك، لا عُربٌ ولا عَجَمُ؟
وفيه زيادة؛ لأن المتنبي لم ينسبهم إلى العرب ولا إلى العجم، فهو في ذلك المذهب جَهْميٌّ على نحوٍ مَّا؛ لأنه نفىٰ الصفة عنهم ولم يُثبت لهم صفة، فكأنهم لا شيء. وهكذا الناس جميعًا عند المتنبي. حتى إنه قال يومًا:
حولي بكلِّ مكانٍ منهم خِلَقٌ •• تُخطي إذا جئتَ في استفهامها بـ" مَنِ"
المُراد بالخِلَق الناس، لا الصورة التي خلقوا عليها فقط. و"مَن" تُستعمل مع العاقل، سواء أكانت اسمًا موصولًا أو اسمَ استفهام. أي: تُخطئ إذا سألت عنهم قائلا: مَن هؤلاءِ؟ وإنما الصواب أن تسأل بـ"ما" المستعلمة لغير العاقل. فهذا من باب استعمال النكت النَّحْويَّة وتوظيفها لوصف الحالة الشعوريَّة والإحساس الداخليّ. وقد كان أبو العلاء يُوظف نُكت علم العَروض، وأكثر من ذلك، وكتبتُ في ذلك مقالًا أفسدَته أيدي المُراجعين، شلَّ الله أصابعهم!
***
وموضوع القصيدة، قصيدتنا، عرض ونقد، وأخذ وردّ، وقول وحوار. وفيها إحساسٌ بالغربة في هذا العالَمِ الذي امتلأ بالشعراء الأدعياء الدخلاء المُفسِدين.
وجدير بالذكر أن الشاعر لم يجعل "السيناريو" حيويًّا نابضًا. إنما هي فذلكة أو فنقلة، كدأب أسفار علماء الكلام. فتأمل العاذلة تجد اسمًا بلا رسم، وتأملْ ضمير الجمع "الواو" في "يقولون" فإنها عامَّة، تُستعمل للحكي، للحكي فحسبُ.
القصيدة ليست قصة. والشخصيات وهْم. الآخَر لم يمتلك إلا قولتين، الأولى سؤال: "ما تَشكو وَلَستَ بِنازِفٍ؟"، والآخِرة: "ألا خاطَبتَهَم بِلِسانِهم".
كما أن هذا السؤال " ما تشكو ولستَ بنازفٍ؟" لا يبدو واقعيًّا؛ فإن كان، فدليل على شدة الغباوة. فها هم أولاء يحسَبون أن الشكوى لا تصحّ إلا من مجروح ظاهر الجروح!
اثنا عشر بيتًا كلاميًّا، كان نصيبُ كلام الشاعر منها بنسبة تزيد على تسعين في المئة، وكان نصيب الآخر أقلَّ مِن عشرة في المئة. صوت الشاعر، إذَنْ، هو الطاغي هـٰهُنا، ولا أقول إن ذلك دليل نَرجِسيَّة.
فإن كان النقد إحكام الكلام، وقول الحق المحض، فوا حسرتي! وإن كان من معانيه تقليبُ النصّ في الدماغ، فإن نقدي هو جوف الفرا.
***
هي قضية محمود شاكر والحساني والعقاد والرافعي وطه حسين وإبراهيم عوض وحلمي القاعود ومحمد مندور. هي قضية البيان والغموض، والوضوح والإبهام، رغم اختلاف المناهج، وواختلاف الحظوظ مِن التساهل والتشدُّد.
وصفة الفريق الأول، بتعبير الشاعر: داء عضال يُردي، وضعف الفهم، وتساوي النطق والصمت عند القوم، والعِيّ والعجز عن التعبير، والإبهام والخطأ والضلال، والدعوة إلى الإسفاف.
وصفة الفريق الآخر، بتعبيره أيضًا: الشكاية من الداء العضال ومِن تساوي النطق والصمت عند القوم، والإحساسُ بالوَحشة، والمُجادلة بالعقل والعلم، والقدرة على التذوّق بكتب التراث.
وقولها: "ألا خاطبتَهم بلسانهم" قد يكون معنى اللسان فيها اللغة الحداثيَّة، التي يغلب عليها التشظّي والتبعثر والمعاظلة. وقد يكون المُراد اللغة العاميَّة، ولست أظن أن المراد باللسان الشعرُ السهل القريب إلى الفهم، فأبيات هذه القصيدة سهلة لا تحمل من الغريب والعويص شيئًا ألبتَّةَ.
***
ومن الإيجاز هذا البيت:
تَقولُ: ألا خاطَبتَهَم بِلِسانِهم!
إذاً لَوَضعتُ الفَذَّ في مَوضِعِ الفَدمِ
فقد كان أصله، والتقدير يُظهِر الإيجاز، هكذا:
تَقولُ: ألا خاطَبتَهَم بِلِسانِهم!
فقلتُ لها: إنني لو خاطبتُهم بلسانهم، إذن، لَوَضعتُ الفَذَّ منهم في مَوضِعِ الفَدمِ.
وإني لأظنُّ ظنًّا أن الشاعر أراد أن يقول: إذن لوضعتُ الفدم في موضع الفذ. والله أعلم.
***
وأما هذا البيت:
أَعاذِلُ لَو تدرينَ ما المرءُ ذائِقٌ
-إذا لاكَ جَزلَ اللفظِ- في الأُذْنِ والفَمِّ
فمعناه واضح، ولكنَّ الريشة في يد الشاعر اهتزَّتْ عند الصياغة. وفي وُسعه، ولَن يُعجِزَهُ، أن يُعيد النظر فيه ويُصلِحه.
والتفاوت، فيما يصنع المخلوق، حتمٌ، فسبحانَ مَن خلق السماوات بلا تفاوُِت!
وقريب منه قول الباروديّ:
يَوَدُّ الْفَتَى أَنْ يَجْمَعَ الأَرْضَ كُلَّهَا
إِلَيْهِ، وَلَمَّا يِدْرِ مَا اللهُ صَانِعُ
وقد حذف الشاعر جواب الشرط من:
أَعاذِلُ، لَو تدرينَ ما المرءُ ذائِقٌ
-إذا لاكَ جَزلَ اللفظِ- في الأُذْنِ والفَمّ
وتقديره مثلًا: لوجدتِهِ عذبًا سائغًا حلوًا لذيذًا.
***
هذا، والشاعر يُنوِّنُ عند النصب الألف لا ما قبلها، وهو مذهب. وكتب "إذَنْ" بالألف لا النون، وهو أيضًا مذهب.
قال أ. إسلام حسيب: "في هذه القصيدة سلاسة وعمق وجمال ودلال"، فقلتُ له: "صَدَقتَ"، وإنْ كنتُ لا أدري مرادَهُ بالدلال. والقارئ يرى في هذه القصيدة المعاني الجِياد، والتركيب المُعجِب، وإحكام النسج.
وأسأل نفسي: هل في القصيدة جديد؟ الوزن قديم، والقافية ممضوغة، والموضوع مستهلك. فأما الألفاظ فلفظة "عاذلة" متكررة. ولكن "الأمّي" عندي طريفة، وأيضًا "عَدّي من البكم"، واسم المفعول المضاف " مناول ماء"، يعني ماءً باردًا في الصيف. و"يقولون" يُذكِّرني بـ"يقولون" أخرى، عند أبي الطيب:
يقولون لي: مَن أنتَ؟ في كل بلدةٍ •• وما تبتغي؟ ما أبتغي جَلَّ أن يُسمَىٰ
لكنَّ شاعرنا هادئ النفس في هذه القصيدة، يناقش، كما قال، بالعقل والعلم. أما المتنبي، فرحمة الله عليه.(١١)
***
وقد يقول قائل: أنت اخترتَ قصيدة واحدة من شعر الرجل، ثم أردتَ أن تبني عليها أحكامًا؟ هلا نظرتَ في شعره كله! وهلَّا اخترتَ جيِّده وفريده!
وهذا لومٌ سليم. ولعلةٍ لا تخفَى سمَّى لسان الدين الخطيب، رحمه الله، ديوانه "الصيِّب والجَهام، والماضي والكَهام". فهو يُشير إلى أن شعره متفاوت، بعضه حسن وبعضه رديء، وبعضه مزيّن مزخرف وبعضه عُطل خالٍ، وبعضه مؤثر حار وبعضه سخيف بارد. وهكذا دواوين الشعراء طرًّا، وقديمًا قيل: مَن طلب عيبًا وَجَدَهُ.
ومَن ذا الذي ترضى سجاياهُ كلُّها؟ •• كفىٰ المرءَ نبلًا أن تُعَدَّ مَعايبُهْ
***
وأخيرًا، أرجو ألا يترك شاعرُنا، الذي أوقنُ أنه شاعرٌ، نفسَه لعُضالِ الداءِ المُردي، وإلا فليُزوِّدني برَقْمِ هاتفه أو عُنوان داره حتى أزوره، وعيادة المرضىٰ واجبٌ عليَّ، إذ:
إنَّ المَعارِفَ في أهلِ النُّهَىٰ ذِمَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١)-يُردي: يُهلِك، ويُدمي: يُخرِج الدمَ. "ولستَ بنازفٍ" على تأويل: لستَ بذي جرحٍ يَنزف.
(٢)-أعظمتِ الشكوى البلاءَ: جعَلَتْهُ عظيمًا.
(٣)-الدُّفّ (بضمّ بالدال): آلة طرب يُنقَر عليها، ج دفوف.
(٤)-عَذَلَ معناها لامَ، والعاذلة المرأة اللائمة. والعذل بفتح الذال وسكونها: اللوم. وضُلِّلتُ: نُسبتُ إلى الضلال.
(٥)-الفذّ: المتفرِّد في مكانته أو كفايته. والفَدم، بسكون الدال، صاحب الفَدامة هو ضعيف الفهم، والعييّ، والأحمق الجافي، والجمع فِدامٌ. قال أبو نواس:
صِفةُ الطلولِ بلاغةُ الفَدمِ •• فاجعلْ صفاتِكَ لابنةِ الكرمِ
و"ألا" حرف يُفيد التحضيض، وهو طلب الشيء بحثٍّ وعنفٍ.
(٦)-الآسي: الطبيب المُداوي، وجمعها الأساة. تقول: أسا يأسو، مثل: دعا يدعو. ورأى هنا بمعنى وجد وأحسَّ.
(٧)-يُقسِمُ الشاعر بالله سبحانه الذي أوحى القرآن المبين إلى محمدٍ النبيّ الأمّيّ، أي الذي لم يَعرف القراءة والكتابة، صلى الله عليه وسلم.
(٨)-رَوِحَ المكانُ رَوَحًا: اتسع. هذا مكانٌ أروَحُ: واسعٌ. والمُبتلى مصدر ميميّ، أي أهون ابتلاءً. واللحن: الخطأ في الإعراب وغيره. والإعجام هنا معناه الإبهام. قال رؤبة، أو سواهُ:
الشعر صعبٌ وطويلٌ سُلَّمُهْ
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
يُريد أن يُعرِبه فيُعجِمُهْ
(٩)-أعاذل، الهمزة حرف نداء للقريب، و"عاذل" مُنادًىٰ مُرخَّم، ويجوز ضمّ اللام وفتحها. واللفظ الجزل: القويّ المتين القارّ في مَوضعه. وهي من الكلمات التي يستعملها النقاد تعبيرًا عن معانٍ حسنة في أذهانهم. والفمّ (بتشديد الميم) لغة في الفم (بتخفيفها).
(١٠)-مُناوَل، بفتح الواو، اسم مفعول من الفعل نَاوَلَ، ومعناه أعطىٰ وأنالَ.
(١١)-ومن الأبيات الشهيرة التي جاءت على وزن الطويل وبدأت بكلمة "يقولون" بيت مالك بن الريب:
يقولون: لا تَبعَدْ. وهُمْ يَدفنونني •• وأين مكانُ البُعدِ إلا مَكانيا؟!
وبيت قيس بن الملوَّح:
يقولون: ليلى بالعراق مَريضةٌ •• فيا ليتني كنتُ الطبيبَ المُداويا!
. ❝ ⏤محمد سيد عبد الفتاح
تحليل قصيدة "يقولون: ما تشكو ولست بنازف" للشاعر عبد الرحمن حمود
قصيدة الشاعر عبد الرحمن حمود
أشار عليَّ مشكورًا صديقٌ أعلمُ أنَّ له ذوقًا صحيحًا سليمًا وبصرًا، إلى حدٍ مَّا، بالشعر، هو الأستاذ إسلام حسيب، بأن أنظر في شعر شاعرٍ اسمه "عبد الرحمن حمود"، والحق أنني لا أعرف من شعره غير هذه القصيدة البديعة الرائقة، وهي اثنا عشَرَ بيتًا، من وزن الطويل. قال الشاعر:
يَقولونَ: ما تَشكو وَلَستَ بِنازِفٍ؟
فقلتُ: عُضالُ الداءِ يُردي ولا يُدمي(١)
وقد تُعظِمُ الشَكوىٰ بلاءَ الذي شَكا
لِعَجزِ الذي يَشكو إليهِ عَن الفَهمِ(٢)
وليسَ بَلاءٌ مِثلَ أن يُبتَلىٰ الفَتىٰ
بِقومٍ تَساوىٰ فِيهِمُ البَوحُ بالكَتمِ
تَراهُ وقد أَلقىٰ عَليهِم قَصيدةً
كَضارِبِ دُفٍّ وَسطَ جَمعٍ مِن الصُمِّ(٣)
فَلَو أنهم رُدُّوا لِعَهدِ جُدودِهم
مِن العُربِ قالوا: إنَّهُم لَمِنَ العُجمِ
***
وعاذلةٍ ضُلِّلْتُ لَو قد أَطَعتُها
رَدَدتُ عليها العَذلَ بالعَقلِ والعلمِ(٤)
تَقولُ: ألا خاطَبتَهَم بِلِسانِهم!
إذاً لَوَضَعتُ الفَذَّ في مَوضِعِ الفَدمِ(٥)
إذاً كُنتُ كَالآسي رَأىٰ الكَيَّ مُوجِعاً
فَعاجَلَ مَن يَأسو لَيَرتاحَ بالسُمِّ(٦)
أما ....... [المزيد]