❞ يعتبر كتاب المُختار في حساب الجبر والمقابلة من الكتب غير المعروفة للخورازمي، ومن أفضل الأعمال الكلاسيكيّة الخاصّة بعلم الجبر، وقد تُرجم الكتاب إلى اللغة اللاتينيّة في العصور الوسطى، فقد كُتب باللغة العربيّة عام 820م، وتُرجم إلى اللغة اللاتينيّة في القرن الثاني عشر، وقد ساعدت كتابة مصطلح الجبر بدلاً من الخوارزم في الشكل اللاتيني إلى وصوله إلى اللغات الحديثة، وقد حظي بمكانة بارزة في تاريخ علم الرياضيّات وفقاً لما قاله الكاتب التاريخيّ جلال شوقي، وقد عرّف الخوارزميّ الجبر في هذا الكتاب على أنّه محور مستقل في علم الرياضيّات، بالإضافة إلى أنّه سارع عمليّة دخول قيمة المكانة العربيّة في العالم الغربيّ، وقد كُرّس هذا الكتاب لحل المشاكل اليوميّة التي كانت تواجه المسلمين في الحياة اليوميّة، كمسائل الميراث، والموروث، وتقسيم الدعاوي القضائيّة، والتّجارة، وقد احتوى على 800 مثال.
تعني كلمة الجبر باللغة العربيّة، عمليّة الترميم؛ وتعبّر عن نقل الكميّات التي تحمل إشارةٍ سالبةٍ إلى الطرف الآخر للمعادلة للحصول على كميّةٍ موجبةٍ، أمّا قسم المقابلة فيعبّر عن عمليّة حذف الكميّات المتطابقة في طرفيّ المعادلة، ونسبةً إلى جون بومجارت فإنّ أفضل ترجمةً لعنوان كتاب حساب الجبر والمقابلة هو علم المعادلات، حيث أنّ الجبر هو كلمةً بلاغيّةً، وقد قدّم الخوارزميّ القواعد الخاصّة بحل المعادلات التربيعيّة المبرهنة بعددٍ من الحالات من خلال البراهين الهندسيّة، وقد عبّر جلال شوقي عن الكميّة المجهولة بالشيء أو الجذر، والذي يعني باللغة العربيّة الأصل أو القاعدة، أو جذور الشجرة، وبالتالي فإنّ استخدام مفهوم جذور المعادلة يرجع إلى المفهوم العربيّ، فقد استخدم العالم الخورازميّ مفهوم الجذر للتعبير عن الدرجة الأولى من المعادلة التربيعيّة، والمثال الآتي هو شرحاً مفصّلاً للجذر: إذا كان المربّع لعدد يساوي 5، فإنّ الجذر التربيعيّ أيضاً يساوي 5، والعدد هو 25، والذي يساوي جذره 5، أمّا القوة الثانيّة من الكميّة فقد استخدم الثروة والممتلكات لوصفها، كاستخدام القطعة النقدية الدرهم.
ظهر علم الجبر بدايةً بأنّه محوراً مستقلاً من علم الرياضيّات، وقد وضع حلولاً تحليلةً لمختلف أشكال المعادلة التربيعيّة بعنايةٍ، وبرهن طريقة الحل ببراعةٍ باستخدام أمثلة عمليّة، وعلى الرغم من إدراكه لوجود حليّن للجذر التربيعيّ إلّا أنّه اهتم بالقيمة الموجبة فقط.
يٌمثّل كتاب حساب الجبر والمقابلة الرياضيّات التطبيقيّة، حيث إنّه يشرح معادلات الدرجة الأولى والثانيّة في جزئه الأوّل، ويُمكن تحويل المسائل الرياضيّة المقترحة إلى أحد الأشكال الرياضيّة الستّة، حيث أنّه يُعطي قواعد لحل الأشكال الهندسيّة لستّة مع توضيحاً لكيفيّة تحويل أي مسألة إلى النماذج القياسيّة، أمّا الجزء الثاني من الكتاب فإنّه يتناول القياس العمليّ من خلال تقديم قواعد لإيجاد المساحة في المستويات المتعددة كالدائرة، وإيجاد أحجام الصلبة كالأهرامات، والمخاريط، أمّا الجزء الثالث يقدّم شرحاً للمواريث والميراث، بالإضافة لحل المشاكل التي تنشأ عنها.
استُخدمت الأعمال الرياضيّة الخاصّة بالخوارزميّ في الجامعات الأوروبيّة حتّى القرن السابع عشر، وقد ذُكر بأنّه مؤسس علم الجبر، حيث إنّه حول المفهوم السابق للرقم كقيمة ثابتة إلى أنّه عنصر متغيّر في المعادلة، بالإضافة إلى أنّه وجد حلولاً للمعادلة العامّة من الدرجة الأولى والثانيّة المحتويّة على رموزاً غير معروفة القيمة باستخدام الوسائل الجبريّة والهندسيّة، وساهم في نشر النظام الهنديّ للأعداد في الدول العربيّة، والأوربيّة عن طريق ترجمة الكتاب إلى اللغة اللاتينيّة، وبالرغم من تزامن العلوم الرياضيّة الخاصّة به مع اليونانيّة والهنديّة إلى أنّه كان أوّل عالم يوضّح الفرق بين الجبر والهندسة. ❝ ⏤عاطف محمد
❞ يعتبر كتاب المُختار في حساب الجبر والمقابلة من الكتب غير المعروفة للخورازمي، ومن أفضل الأعمال الكلاسيكيّة الخاصّة بعلم الجبر، وقد تُرجم الكتاب إلى اللغة اللاتينيّة في العصور الوسطى، فقد كُتب باللغة العربيّة عام 820م، وتُرجم إلى اللغة اللاتينيّة في القرن الثاني عشر، وقد ساعدت كتابة مصطلح الجبر بدلاً من الخوارزم في الشكل اللاتيني إلى وصوله إلى اللغات الحديثة، وقد حظي بمكانة بارزة في تاريخ علم الرياضيّات وفقاً لما قاله الكاتب التاريخيّ جلال شوقي، وقد عرّف الخوارزميّ الجبر في هذا الكتاب على أنّه محور مستقل في علم الرياضيّات، بالإضافة إلى أنّه سارع عمليّة دخول قيمة المكانة العربيّة في العالم الغربيّ، وقد كُرّس هذا الكتاب لحل المشاكل اليوميّة التي كانت تواجه المسلمين في الحياة اليوميّة، كمسائل الميراث، والموروث، وتقسيم الدعاوي القضائيّة، والتّجارة، وقد احتوى على 800 مثال.
تعني كلمة الجبر باللغة العربيّة، عمليّة الترميم؛ وتعبّر عن نقل الكميّات التي تحمل إشارةٍ سالبةٍ إلى الطرف الآخر للمعادلة للحصول على كميّةٍ موجبةٍ، أمّا قسم المقابلة فيعبّر عن عمليّة حذف الكميّات المتطابقة في طرفيّ المعادلة، ونسبةً إلى جون بومجارت فإنّ أفضل ترجمةً لعنوان كتاب حساب الجبر والمقابلة هو علم المعادلات، حيث أنّ الجبر هو كلمةً بلاغيّةً، وقد قدّم الخوارزميّ القواعد الخاصّة بحل المعادلات التربيعيّة المبرهنة بعددٍ من الحالات من خلال البراهين الهندسيّة، وقد عبّر جلال شوقي عن الكميّة المجهولة بالشيء أو الجذر، والذي يعني باللغة العربيّة الأصل أو القاعدة، أو جذور الشجرة، وبالتالي فإنّ استخدام مفهوم جذور المعادلة يرجع إلى المفهوم العربيّ، فقد استخدم العالم الخورازميّ مفهوم الجذر للتعبير عن الدرجة الأولى من المعادلة التربيعيّة، والمثال الآتي هو شرحاً مفصّلاً للجذر: إذا كان المربّع لعدد يساوي 5، فإنّ الجذر التربيعيّ أيضاً يساوي 5، والعدد هو 25، والذي يساوي جذره 5، أمّا القوة الثانيّة من الكميّة فقد استخدم الثروة والممتلكات لوصفها، كاستخدام القطعة النقدية الدرهم.
ظهر علم الجبر بدايةً بأنّه محوراً مستقلاً من علم الرياضيّات، وقد وضع حلولاً تحليلةً لمختلف أشكال المعادلة التربيعيّة بعنايةٍ، وبرهن طريقة الحل ببراعةٍ باستخدام أمثلة عمليّة، وعلى الرغم من إدراكه لوجود حليّن للجذر التربيعيّ إلّا أنّه اهتم بالقيمة الموجبة فقط.
يٌمثّل كتاب حساب الجبر والمقابلة الرياضيّات التطبيقيّة، حيث إنّه يشرح معادلات الدرجة الأولى والثانيّة في جزئه الأوّل، ويُمكن تحويل المسائل الرياضيّة المقترحة إلى أحد الأشكال الرياضيّة الستّة، حيث أنّه يُعطي قواعد لحل الأشكال الهندسيّة لستّة مع توضيحاً لكيفيّة تحويل أي مسألة إلى النماذج القياسيّة، أمّا الجزء الثاني من الكتاب فإنّه يتناول القياس العمليّ من خلال تقديم قواعد لإيجاد المساحة في المستويات المتعددة كالدائرة، وإيجاد أحجام الصلبة كالأهرامات، والمخاريط، أمّا الجزء الثالث يقدّم شرحاً للمواريث والميراث، بالإضافة لحل المشاكل التي تنشأ عنها.
استُخدمت الأعمال الرياضيّة الخاصّة بالخوارزميّ في الجامعات الأوروبيّة حتّى القرن السابع عشر، وقد ذُكر بأنّه مؤسس علم الجبر، حيث إنّه حول المفهوم السابق للرقم كقيمة ثابتة إلى أنّه عنصر متغيّر في المعادلة، بالإضافة إلى أنّه وجد حلولاً للمعادلة العامّة من الدرجة الأولى والثانيّة المحتويّة على رموزاً غير معروفة القيمة باستخدام الوسائل الجبريّة والهندسيّة، وساهم في نشر النظام الهنديّ للأعداد في الدول العربيّة، والأوربيّة عن طريق ترجمة الكتاب إلى اللغة اللاتينيّة، وبالرغم من تزامن العلوم الرياضيّة الخاصّة به مع اليونانيّة والهنديّة إلى أنّه كان أوّل عالم يوضّح الفرق بين الجبر والهندسة . ❝
❞ كان العالم الخارجي في حالة ترقب وانتظار، وتحول وتغير، وكان الشرق الأوسط، والعالم العربي في قلبه، في حالة إحباط وفوضى، وفي تلك الفترة الحافلة والحرجة، سواء بالنسبة لأحوال العالم أو أحوال العرب، كانت أهمية المنطقة تزداد مع ازدياد حاجة التقدم، والمنافسة على بترولها المحبوس تحت شواطئها منذ ذلك الزمان الأسطوري البعيد. كان البترول هو نفسه مارد الجن الذي يستطيع أن يخلع القلوب بالرعب، أو يبني قصور الذهب، يتوقف الأمر على مقدرة التطويع، وكان الكل يريد، والكل يتمنى، والكل يتحرق بالرغبة واللهفة وفي هذا المناخ وقع الغزو العراقي للكويت، وانكسر الختم عن قمقم مسحور دون معرفة بسر طلسمه، وانطلق المارد من محبسه يسد فضاء الأفق هولاً وشراً مستطيراً. ولم يكن غريباً بعد ذلك أن تصبح أزمة الخليج على حد تعبير بربجنسكي، ˝عاطفية بأكثر من اللازم، شخصية بأكثر من اللازم، عسكرية بأكثر من اللازم˝، ثم تجري وقائعها ونتائجها المأساوية على النحو الذي جرت به، ومجيء مقدمات القرن الواحد والعشرين وهي تومئ إلى عصر مختلف تتهيأ البشرية لاحتمالاته الضخمة والهائلة، بينما الأمة العربية في حال لم ترد عليها من قبل على طول ما عانت وقاست.
بهذه الكلمات هيأ محمد حسنين هيكل القارئ ذهنياً وعاطفياً ونفسياً للمضي في تلقن ما سطره من أحداث ووقائع جرت أبان حرب الخليج، وفي اقتراب هيكل من كتابه هذا من قصة حرب الخليج يذكر نفسه بحقائق القوة، لان القوة هي طبيعة الأشياء في السياسة الدولية، فالقانون ليس سعيداً في صراعات العالم، ولكن حقائق القوة لها السيادة طول الوقت وموقفه في عرض العقبة موقف المستقبل،وهو في سبيل إعداد هذا الكتاب التقى وتناقش واستمع إلى كثيرين من رؤساء الدول والقادة والسياسيين والعسكريين في العالم العربي، كذلك فقد التقى لهذا الغرض وتناقش واستمع إلى كثيرين من المشاركين في صنع القرار في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وقد سمح له البعض بالإطلاع على أوراق وتقارير رسمية، وسجلات معلومات كانت في حوزتهم بحكم المنصب والمسؤولية.
ويقول هيكل بأنه في محاولته هذه من رواية قصة ˝الحرب في الخليج˝ لا يصدر أحكاماً، وإنما هو يحاول بناء واقع من منطلق أن أي كاتب سياسي مطالب بالدرجة الأولى بأكبر قدر من الحقائق، وبأكبر قدر من الاجتهادات، وعلى أوسع دائرة ممكنة، وبهذا الأسلوب فإن القارئ يستطيع تكوين رأيه. بقي أخيرا لفت النظر إلى أن هيكل وضع أصل هذا الكتاب بالغة الإنجليزية لمؤسسة ˝هاربر كولينز˝ وقد قام بنفسه على ترجمته إلى اللغة العربية مضيفاً إلى النسخة العربية ما استجد في الفترة الفاصلة من الصدور بين النسخة الإنكليزية والعربية ما استجد فيها من معلومات وأفكار وجدها هامة ومناسبة.
... وجربت أن أقترب من أزمة الخليج كتابة، وبالفعل كتبت، ولكن الأزمة أصبحت منذ ساعاتها الأولى، عاطفية بأكثر من اللازم... شخصية بأكثر من اللازم... و˝عسكرية بأكثر من اللازم˝..
وفي مثل هذه الأحوال عادة فإن الصدور ضيقة والأعصاب متوترة والأمزجة منحرفة، وليس هناك غير سؤال واحد مطروح على كل الناس بنعم أو لا؟.. مع هذا أو ذاك؟.. هنا أو هناك؟
وأعترف أنه طوال أزمة الخليج كان هذا النوع من الأسئلة وما يترتب عليه من خيارات. يبدو لي أسهل الحلول وأخطرها في نفس الوقت. سهل لأنه يعفى أصحابه من حق الاجتهاد، وخطر لأنه ينقل هذا الحق في الاجتهاد إلى إرادات أخرى لها أغراضها، وعندها خططها.
والغريب أن أطراف الأزمة الآخرين، والذين جعلوها عاطفية وشخصية وعسكرية كانوا يتحاورون لتحقيق هدف لم يكن عليه في النهاية خلاف، وهو ضرورة خروج العراق من الكويت. وقد ظل الكونجرس الأمريكي على سبيل المثال يناقش كل الممكنات إلى يوم 6 يناير 1991، أي قبل أيام معدودة من بدء الحرب ليلة 17 يناير 1991، وأما عندنا فقد توقف الحوار بعد ساعات من فجر 2 أغسطس 1990.
ومهما يكن، فإن هذا الكتاب يجئ بعد سنة من وقف إطلاق في حرب الخليج، ومن ثم فإني آمل أن يكون الفكر العربي قد تجاوز أزمة دهمته على غير انتظار، وحالة حصار أحاطت به على غير ضرورة. ❝ ⏤بيار سالينجر إريك لوران
❞ كان العالم الخارجي في حالة ترقب وانتظار، وتحول وتغير، وكان الشرق الأوسط، والعالم العربي في قلبه، في حالة إحباط وفوضى، وفي تلك الفترة الحافلة والحرجة، سواء بالنسبة لأحوال العالم أو أحوال العرب، كانت أهمية المنطقة تزداد مع ازدياد حاجة التقدم، والمنافسة على بترولها المحبوس تحت شواطئها منذ ذلك الزمان الأسطوري البعيد. كان البترول هو نفسه مارد الجن الذي يستطيع أن يخلع القلوب بالرعب، أو يبني قصور الذهب، يتوقف الأمر على مقدرة التطويع، وكان الكل يريد، والكل يتمنى، والكل يتحرق بالرغبة واللهفة وفي هذا المناخ وقع الغزو العراقي للكويت، وانكسر الختم عن قمقم مسحور دون معرفة بسر طلسمه، وانطلق المارد من محبسه يسد فضاء الأفق هولاً وشراً مستطيراً. ولم يكن غريباً بعد ذلك أن تصبح أزمة الخليج على حد تعبير بربجنسكي، ˝عاطفية بأكثر من اللازم، شخصية بأكثر من اللازم، عسكرية بأكثر من اللازم˝، ثم تجري وقائعها ونتائجها المأساوية على النحو الذي جرت به، ومجيء مقدمات القرن الواحد والعشرين وهي تومئ إلى عصر مختلف تتهيأ البشرية لاحتمالاته الضخمة والهائلة، بينما الأمة العربية في حال لم ترد عليها من قبل على طول ما عانت وقاست.
بهذه الكلمات هيأ محمد حسنين هيكل القارئ ذهنياً وعاطفياً ونفسياً للمضي في تلقن ما سطره من أحداث ووقائع جرت أبان حرب الخليج، وفي اقتراب هيكل من كتابه هذا من قصة حرب الخليج يذكر نفسه بحقائق القوة، لان القوة هي طبيعة الأشياء في السياسة الدولية، فالقانون ليس سعيداً في صراعات العالم، ولكن حقائق القوة لها السيادة طول الوقت وموقفه في عرض العقبة موقف المستقبل،وهو في سبيل إعداد هذا الكتاب التقى وتناقش واستمع إلى كثيرين من رؤساء الدول والقادة والسياسيين والعسكريين في العالم العربي، كذلك فقد التقى لهذا الغرض وتناقش واستمع إلى كثيرين من المشاركين في صنع القرار في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وقد سمح له البعض بالإطلاع على أوراق وتقارير رسمية، وسجلات معلومات كانت في حوزتهم بحكم المنصب والمسؤولية.
ويقول هيكل بأنه في محاولته هذه من رواية قصة ˝الحرب في الخليج˝ لا يصدر أحكاماً، وإنما هو يحاول بناء واقع من منطلق أن أي كاتب سياسي مطالب بالدرجة الأولى بأكبر قدر من الحقائق، وبأكبر قدر من الاجتهادات، وعلى أوسع دائرة ممكنة، وبهذا الأسلوب فإن القارئ يستطيع تكوين رأيه. بقي أخيرا لفت النظر إلى أن هيكل وضع أصل هذا الكتاب بالغة الإنجليزية لمؤسسة ˝هاربر كولينز˝ وقد قام بنفسه على ترجمته إلى اللغة العربية مضيفاً إلى النسخة العربية ما استجد في الفترة الفاصلة من الصدور بين النسخة الإنكليزية والعربية ما استجد فيها من معلومات وأفكار وجدها هامة ومناسبة.
... وجربت أن أقترب من أزمة الخليج كتابة، وبالفعل كتبت، ولكن الأزمة أصبحت منذ ساعاتها الأولى، عاطفية بأكثر من اللازم... شخصية بأكثر من اللازم... و˝عسكرية بأكثر من اللازم˝..
وفي مثل هذه الأحوال عادة فإن الصدور ضيقة والأعصاب متوترة والأمزجة منحرفة، وليس هناك غير سؤال واحد مطروح على كل الناس بنعم أو لا؟.. مع هذا أو ذاك؟.. هنا أو هناك؟
وأعترف أنه طوال أزمة الخليج كان هذا النوع من الأسئلة وما يترتب عليه من خيارات. يبدو لي أسهل الحلول وأخطرها في نفس الوقت. سهل لأنه يعفى أصحابه من حق الاجتهاد، وخطر لأنه ينقل هذا الحق في الاجتهاد إلى إرادات أخرى لها أغراضها، وعندها خططها.
والغريب أن أطراف الأزمة الآخرين، والذين جعلوها عاطفية وشخصية وعسكرية كانوا يتحاورون لتحقيق هدف لم يكن عليه في النهاية خلاف، وهو ضرورة خروج العراق من الكويت. وقد ظل الكونجرس الأمريكي على سبيل المثال يناقش كل الممكنات إلى يوم 6 يناير 1991، أي قبل أيام معدودة من بدء الحرب ليلة 17 يناير 1991، وأما عندنا فقد توقف الحوار بعد ساعات من فجر 2 أغسطس 1990.
ومهما يكن، فإن هذا الكتاب يجئ بعد سنة من وقف إطلاق في حرب الخليج، ومن ثم فإني آمل أن يكون الفكر العربي قد تجاوز أزمة دهمته على غير انتظار، وحالة حصار أحاطت به على غير ضرورة . ❝
❞ “قضية تحرير المرأة قضية سياسية بالدرجة الأولى لأنها لا تمس حياة نصف المجتمع فحسب ولكنها تمس حياة المجتمع كله .أن تخلف المرأة وتكبيلها لا يخر النساء فحسب ولكنه ينعكس على الرجال و على الأطفال,وبالتالي يقود إلى التخلف المجتمع كله.”. ❝ ⏤نوال السعداوي
❞ “قضية تحرير المرأة قضية سياسية بالدرجة الأولى لأنها لا تمس حياة نصف المجتمع فحسب ولكنها تمس حياة المجتمع كله .أن تخلف المرأة وتكبيلها لا يخر النساء فحسب ولكنه ينعكس على الرجال و على الأطفال,وبالتالي يقود إلى التخلف المجتمع كله.” . ❝
❞ من العجيب أن التقدم الذي جاء بمزيد من وسائل الترف و الراحة و بمزيد من التسهيلات للإنسان.. قد قابله الإنسان بمزيد من الرفض و السخط و التبرم، فرأينا إحصائيات الانتحار ترتفع مع مؤشرات التقدم في كل بلد.. كلما ازداد البلد مدنيةً ازداد عدد الذين يطلقون على أنفسهم الرصاص و يلقون بأنفسهم من النوافذ و يبتلعون السم و يشربون ماء النار.. هذا غير الانتحار المستتر بالخمور و المخدرات و التدخين و المنومات و المسكنات و المنبهات.. و في مقدمة هؤلاء المنتحرين طلائع فن و فكر وثقافة تعود الناس أن يأخذوا عنهم الحكمة و العلم و التوجيه.
و وصلت الموجة إلى بلادنا فامتلأت أعمدة الصحف بأخبار ابتلاع السم و إطلاق الرصاص و الشنق و الحرق.. و قال المختصون إن نسبة الزيادة الإحصائية تجاوزت العشرين في المائة.. و هو رقم كبير.
و الازدياد متواصل سنة بعد سنة.
و السؤال.. لماذا.. و ما السر؟
و ما سبب الانتحار؟
و إذا تركنا التفاصيل جانباً و حاولنا تأصيل المشكلة وجدنا جميع أسباب الانتحار تنتهي إلى سبب واحد.. أننا أمام إنسان خابت توقعاته و لم يعد يجد في نفسه العزم أو الهمة أو الاستعداد للمصالحة مع الواقع الجديد أو الصبر على الواقع القديم.
إنها لحظة نفاد طاقة و نفاد صبر و نفاد حيلة و نفاد عزم.
لحظة إلقاء سلاح.. يأس.. ما يلبث أن ينقلب إلى اتهام و إدانة للآخرين و للدنيا ثم عداوة للنفس و للآخرين و للدنيا تظل تتصاعد و تتفاقم حتى تتحول إلى حرب من نوع مختلف يعلنها الواحد على نفسه و يشنها على باطنه، و في لحظة ذروة تلتقط يده السلاح لتقتلع المشكلة من جذورها.. و لتقتلع معها الإحساس المرير و ذلك بطمس العين التي تبصر و قطع اللسان الذي يذوق و تحطيم الدماغ الذي يفكر و تدمير اليد التي تفعل و القدم الذي يمشي.
و هو نوع من الانفراد بالرأي و الانفراد بالحل و مصادرة جميع الآراء الأخرى بل إنكار أحقية كل وجود آخر غير الذات.
و لهذا كانت لحظة الانتحار تتضمن بالضرورة الكفر بالله و إنكاره و إنكار فضله و اليأس من رحمته و اتهامه في صنعته و في عدله و رفض أياديه و رفض أحكامه و رفض تدخله.
فهي لحظة كبر و علو و غطرسة و استبداد.
و ليست لحظة ضعف و بؤس و انكسار.
و بدون هذا العلو و الكبر و الغطرسة لا يمكن أن يحدث الانتحار أبداً.
فالإنسان لا ينتحر إلا في لحظة دكتاتورية مطلقة و تعصب أعمى لا يرى فيه إلاّ نفسه.
و الانتحار في صميمه اعتزاز بالنفس و تأله و منازعة الله في ربوبيته.
و المنتحر يختار نفسه و يصادر كل أنواع الوجود الآخر في لحظة غل مطلق.. في لحظة جحيم..
و لهذا يقول الله أن من قتل نفسه يهوي إلى جحيم أبدي، لأنه قد اختار الغل و انتصر للغل و أخذ جانب الغل عند الاختيار النهائي للمصير.
و الانفراد المطلق في الرأي عصبية و غل و نارية إبليسية.. و النفس المتكبرة الأمارة بالسوء هي نار محضة و ظلمة..
و كل منا في داخله عدة احتمالات لنفوس متعددة.. في داخل كل منا نفس أمارة ظلمانية توسوس له بالشر و الشهوات.. و نفس لوامة نورانية تحضه على الخير ثم كل المراتب النفسية علواً و سفلاً فوق و تحت هاتين المنزلتين.
و كل نفس في حالة تذبذب مستمر بين هذه المراتب صاعدة هابطة فهي حيناً ترتفع إلى آفاق ملهمة و حيناً تهبط إلى مهاوٍ مظلمة شهوانية.
ثم في النهاية تستقر.. فإذا استقرت على الرفض و الكبر و الغطرسة و الغل ثم اقتلعت أسنانها و لسانها و سمعها و بصرها و قطعت رقبتها في غل نهائي لا مراجعة فيه.. هي قد اختارت الجحيم بالفعل.. بل إنها في ذاتها قبضة نار لا مكان لها إلا في الجحيم.
( ناراً وقودها الناس و الحجارة )
يقول ربنا إن هذه النفوس هي وقود النار و جمراتها و مصدر الطاقة النارية فيها، و معنى هذا أنها أشد نارية من النار.
و المنتحر يتصور أنه سوف يتخلص من نفسه، و لكن لا خلاص و لا مهرب لإنسان من ذاته، فهو لن يخرج بالانتحار إلى راحة، بل هو خارج من النار الصغرى إلى النار الكبرى و من النار الزمنية إلى النار الأبدية.
و لنتجنب هذا المصير فإننا لابد أن نتجنب المشكلة أصلاً.
و المشكلة أصلاً هي التعلق.. و من ليس له تعلق بشيء لا ينتحر لشيء.
و لا يجوز عند المؤمنين تعلق إلّا بالله فهو وحده جامع الكمالات، الدائم الباقي الذي لا يتغير و لا تخيب عنده التوقعات و لا تضيع الآمال.
و الله هو المحبوب وحده على وجه الأصالة و ما نحب في الآخرين إلا تجلياته و أنواره، فجمال الوجوه من نوره و حنان القلوب من حنانه فنحن لا نملك من أنفسنا شيئاً إلّا بقدر ما يخلع علينا سيدنا و مولانا من أنواره و أسمائه.
فنحن لا نحب في بعضنا إلّا هو.
و هو حاضر لا يغيب و لا يهجر و لا يغدر و لا يغلق بابه في وجه لاجيء و لا يطرد من رحابه ملهوف.
فالواقفون عنده مطمئنون راضون ناعمون لا يخطر لهم الانتحار على بال سعداء في جميع الأحوال.
إنما ينتحر الذي تعلق بغيره.
الذي تعلق بليلاه و معشوقته و ظن أن جمالها منها فتعلق بها لذاتها تعلق عبادة، و أصبح يتوقع منها ما يتوقع عبد من معبود و ربط نفسه بها رباط مصير. و نسى أنها ناقصة كسائر الخلق و محل للتغير و التبدل تتداول عليها الأحوال و التقلبات فتكره اليوم ما أحبته بالأمس و تزهد غداً فيما عشقته اليوم.
و نسى أن جمالها مستعار من خالقها و أنها إعارة لأجل و حينما ينتهي الأجل ستعود أقبح من القبح.
مثل هذا الرجل المحجوب الغافل إذا أفاق على الصحوة المريرة و فاجأه الغدر و التحول، يشعر شعور من فقد كل رصيده و أفلس إفلاس الموت و لم يبق له إلا الانتحار.
و لو أنه رأى جمالها من خالقها لأحب فيها إبداع صنعة الصانع و لكان من أهل التسبيح الذين يقولون عند رؤية كل زهرة.. الله.. فإذا رأوها في آخر النهار ذابلة.. قالوا حقاً لا إله إلا الله.. فحبهم لله و في الله و روابطهم روابط مودة و معروف لا مقصد لها و لا غرض و لا توقع.. فالغدر لا يفاجئهم و الهجر لا يصدمهم و شأنهم كما يقول المثل العامي.. اعمل الخير و ارمه البحر.. يبسطون أيديهم بالمعونة دون حساب لأي عائد و دون توقع لثمرة.
هؤلاء هم أهل السلامة دائماً.
و هم أهل الطمأنينة و السكينة لا تزلزلهم الزلازل و لا تحركهم النوازل.
هم أهل الطمأنينة اليوم.
و هم أهل الطمأنينة يوم الفزع الأكبر.. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، و يوم لا ينفع مال و لا بنون.
و هؤلاء لا يتعلقون إلّا بالله.
و لا يؤملون إلّا في الله.
و لا يتوقعون إلّا من الله.
إن المشكلة هي بالدرجة الأولى مشكلة إيمان.. فكلما وضعت التكنولوجيا في يد الإنسان قوة و ثروة و استغناء ازداد بعداً و غروراً و كبراً و تمرداً، و ازداد تعلقاً و ارتباطاً بالأصنام المادية التي خلقها، و ازداد خضوعاً للملذات التي يسّرها لنفسه.. و تصور أن قوته سوف تعصمه و علمه سوف يحميه فأمعن في غروره.
و هل عصم الجبل ابن نوح من الطوفان ؟!
بل كان من المغرقين.
( فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ).
ضع يدك في يد الله و لا تبرح و حسبك من علاقتك بالناس أن تبذل لهم مودتك و رحمتك على غير توقع لشيء.. فذلك هو قارب النجاة في عالم اليوم.. عالم الانتحار و المنتحرين
مقال / الانتحار
من كتاب / أناشيد الإثم والبراءة
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ من العجيب أن التقدم الذي جاء بمزيد من وسائل الترف و الراحة و بمزيد من التسهيلات للإنسان.. قد قابله الإنسان بمزيد من الرفض و السخط و التبرم، فرأينا إحصائيات الانتحار ترتفع مع مؤشرات التقدم في كل بلد.. كلما ازداد البلد مدنيةً ازداد عدد الذين يطلقون على أنفسهم الرصاص و يلقون بأنفسهم من النوافذ و يبتلعون السم و يشربون ماء النار.. هذا غير الانتحار المستتر بالخمور و المخدرات و التدخين و المنومات و المسكنات و المنبهات.. و في مقدمة هؤلاء المنتحرين طلائع فن و فكر وثقافة تعود الناس أن يأخذوا عنهم الحكمة و العلم و التوجيه.
و وصلت الموجة إلى بلادنا فامتلأت أعمدة الصحف بأخبار ابتلاع السم و إطلاق الرصاص و الشنق و الحرق.. و قال المختصون إن نسبة الزيادة الإحصائية تجاوزت العشرين في المائة.. و هو رقم كبير.
و الازدياد متواصل سنة بعد سنة.
و السؤال.. لماذا.. و ما السر؟
و ما سبب الانتحار؟
و إذا تركنا التفاصيل جانباً و حاولنا تأصيل المشكلة وجدنا جميع أسباب الانتحار تنتهي إلى سبب واحد.. أننا أمام إنسان خابت توقعاته و لم يعد يجد في نفسه العزم أو الهمة أو الاستعداد للمصالحة مع الواقع الجديد أو الصبر على الواقع القديم.
إنها لحظة نفاد طاقة و نفاد صبر و نفاد حيلة و نفاد عزم.
لحظة إلقاء سلاح.. يأس.. ما يلبث أن ينقلب إلى اتهام و إدانة للآخرين و للدنيا ثم عداوة للنفس و للآخرين و للدنيا تظل تتصاعد و تتفاقم حتى تتحول إلى حرب من نوع مختلف يعلنها الواحد على نفسه و يشنها على باطنه، و في لحظة ذروة تلتقط يده السلاح لتقتلع المشكلة من جذورها.. و لتقتلع معها الإحساس المرير و ذلك بطمس العين التي تبصر و قطع اللسان الذي يذوق و تحطيم الدماغ الذي يفكر و تدمير اليد التي تفعل و القدم الذي يمشي.
و هو نوع من الانفراد بالرأي و الانفراد بالحل و مصادرة جميع الآراء الأخرى بل إنكار أحقية كل وجود آخر غير الذات.
و لهذا كانت لحظة الانتحار تتضمن بالضرورة الكفر بالله و إنكاره و إنكار فضله و اليأس من رحمته و اتهامه في صنعته و في عدله و رفض أياديه و رفض أحكامه و رفض تدخله.
فهي لحظة كبر و علو و غطرسة و استبداد.
و ليست لحظة ضعف و بؤس و انكسار.
و بدون هذا العلو و الكبر و الغطرسة لا يمكن أن يحدث الانتحار أبداً.
فالإنسان لا ينتحر إلا في لحظة دكتاتورية مطلقة و تعصب أعمى لا يرى فيه إلاّ نفسه.
و الانتحار في صميمه اعتزاز بالنفس و تأله و منازعة الله في ربوبيته.
و المنتحر يختار نفسه و يصادر كل أنواع الوجود الآخر في لحظة غل مطلق.. في لحظة جحيم..
و لهذا يقول الله أن من قتل نفسه يهوي إلى جحيم أبدي، لأنه قد اختار الغل و انتصر للغل و أخذ جانب الغل عند الاختيار النهائي للمصير.
و الانفراد المطلق في الرأي عصبية و غل و نارية إبليسية.. و النفس المتكبرة الأمارة بالسوء هي نار محضة و ظلمة..
و كل منا في داخله عدة احتمالات لنفوس متعددة.. في داخل كل منا نفس أمارة ظلمانية توسوس له بالشر و الشهوات.. و نفس لوامة نورانية تحضه على الخير ثم كل المراتب النفسية علواً و سفلاً فوق و تحت هاتين المنزلتين.
و كل نفس في حالة تذبذب مستمر بين هذه المراتب صاعدة هابطة فهي حيناً ترتفع إلى آفاق ملهمة و حيناً تهبط إلى مهاوٍ مظلمة شهوانية.
ثم في النهاية تستقر.. فإذا استقرت على الرفض و الكبر و الغطرسة و الغل ثم اقتلعت أسنانها و لسانها و سمعها و بصرها و قطعت رقبتها في غل نهائي لا مراجعة فيه.. هي قد اختارت الجحيم بالفعل.. بل إنها في ذاتها قبضة نار لا مكان لها إلا في الجحيم.
( ناراً وقودها الناس و الحجارة )
يقول ربنا إن هذه النفوس هي وقود النار و جمراتها و مصدر الطاقة النارية فيها، و معنى هذا أنها أشد نارية من النار.
و المنتحر يتصور أنه سوف يتخلص من نفسه، و لكن لا خلاص و لا مهرب لإنسان من ذاته، فهو لن يخرج بالانتحار إلى راحة، بل هو خارج من النار الصغرى إلى النار الكبرى و من النار الزمنية إلى النار الأبدية.
و لنتجنب هذا المصير فإننا لابد أن نتجنب المشكلة أصلاً.
و المشكلة أصلاً هي التعلق.. و من ليس له تعلق بشيء لا ينتحر لشيء.
و لا يجوز عند المؤمنين تعلق إلّا بالله فهو وحده جامع الكمالات، الدائم الباقي الذي لا يتغير و لا تخيب عنده التوقعات و لا تضيع الآمال.
و الله هو المحبوب وحده على وجه الأصالة و ما نحب في الآخرين إلا تجلياته و أنواره، فجمال الوجوه من نوره و حنان القلوب من حنانه فنحن لا نملك من أنفسنا شيئاً إلّا بقدر ما يخلع علينا سيدنا و مولانا من أنواره و أسمائه.
فنحن لا نحب في بعضنا إلّا هو.
و هو حاضر لا يغيب و لا يهجر و لا يغدر و لا يغلق بابه في وجه لاجيء و لا يطرد من رحابه ملهوف.
فالواقفون عنده مطمئنون راضون ناعمون لا يخطر لهم الانتحار على بال سعداء في جميع الأحوال.
إنما ينتحر الذي تعلق بغيره.
الذي تعلق بليلاه و معشوقته و ظن أن جمالها منها فتعلق بها لذاتها تعلق عبادة، و أصبح يتوقع منها ما يتوقع عبد من معبود و ربط نفسه بها رباط مصير. و نسى أنها ناقصة كسائر الخلق و محل للتغير و التبدل تتداول عليها الأحوال و التقلبات فتكره اليوم ما أحبته بالأمس و تزهد غداً فيما عشقته اليوم.
و نسى أن جمالها مستعار من خالقها و أنها إعارة لأجل و حينما ينتهي الأجل ستعود أقبح من القبح.
مثل هذا الرجل المحجوب الغافل إذا أفاق على الصحوة المريرة و فاجأه الغدر و التحول، يشعر شعور من فقد كل رصيده و أفلس إفلاس الموت و لم يبق له إلا الانتحار.
و لو أنه رأى جمالها من خالقها لأحب فيها إبداع صنعة الصانع و لكان من أهل التسبيح الذين يقولون عند رؤية كل زهرة.. الله.. فإذا رأوها في آخر النهار ذابلة.. قالوا حقاً لا إله إلا الله.. فحبهم لله و في الله و روابطهم روابط مودة و معروف لا مقصد لها و لا غرض و لا توقع.. فالغدر لا يفاجئهم و الهجر لا يصدمهم و شأنهم كما يقول المثل العامي.. اعمل الخير و ارمه البحر.. يبسطون أيديهم بالمعونة دون حساب لأي عائد و دون توقع لثمرة.
هؤلاء هم أهل السلامة دائماً.
و هم أهل الطمأنينة و السكينة لا تزلزلهم الزلازل و لا تحركهم النوازل.
هم أهل الطمأنينة اليوم.
و هم أهل الطمأنينة يوم الفزع الأكبر.. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، و يوم لا ينفع مال و لا بنون.
و هؤلاء لا يتعلقون إلّا بالله.
و لا يؤملون إلّا في الله.
و لا يتوقعون إلّا من الله.
إن المشكلة هي بالدرجة الأولى مشكلة إيمان.. فكلما وضعت التكنولوجيا في يد الإنسان قوة و ثروة و استغناء ازداد بعداً و غروراً و كبراً و تمرداً، و ازداد تعلقاً و ارتباطاً بالأصنام المادية التي خلقها، و ازداد خضوعاً للملذات التي يسّرها لنفسه.. و تصور أن قوته سوف تعصمه و علمه سوف يحميه فأمعن في غروره.
و هل عصم الجبل ابن نوح من الطوفان ؟!
بل كان من المغرقين.
( فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ).
ضع يدك في يد الله و لا تبرح و حسبك من علاقتك بالناس أن تبذل لهم مودتك و رحمتك على غير توقع لشيء.. فذلك هو قارب النجاة في عالم اليوم.. عالم الانتحار و المنتحرين
مقال / الانتحار
من كتاب / أناشيد الإثم والبراءة
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝