█ تقدموا به حتى أوقفوه خشبةِ التنفيذ قيَّدوه بالأحزمة كي يشلُّوا حركته حاول أن يصرخَ لكنَّ الصرخاتِ وقفت حلقِه بلَّل ملابسَه من شدة الرعب نبضاتُه تضربُ صدرَه بعنف تُمزِّق ضلوعه ركبتاه تتخبَّط تصارعا أنفاسُه تغيبُ لثوانٍ ثم تعود مِنصَّةُ الحكم بالإعدام أَصبحت جاهزةً الحبل ملفوفٌ حول عنقِه عيناه بارقتانِ الخوفُ موتٍ محتومٍ جعل أَطرافهُ ترتعشُ؛ خُيِّلَ لهُ أنهُ مات قبل يُوضع حبلُ المشنقةِ حوْلَ رقبتِه ! دخل إغماءٍ وكأنهُ يرِيدُ يمرَّ بسرعةٍ إلى ظلامٍ وسكونٍ أَبَدَيينِ وُضِع رأْسِه غطاءٌ أَسْودُ اللَّوْنِ تمنَّى لدقيقةٍ يكونَ كابوساً مزعجاً سيستفيق منه أو أنَّ أحداً ما يتدخل لإنقاذه الموت فتح عينيه داخل الغطاء ظلامٌ دامسٌ لا يرى سواه هز رأسه حرَّك قدميه المكبلتين شعر بالحبل يضيق عنقه عاد مسرعاً لسكون جسدِه خوفًاً يختنق نهج بشدَّةٍ صرخ بينه وبين نفسِه: أنقذوني فُتحَتِ الطبليَّةُ أَسفلَ قدميه؛ فسقط بئرٍ عمقُها أَربعةُ أمتارٍ احتقن وجهُه؛ حيثُ مال اللون الأزرق وبرز لسانُه ولازال قلبُه يخفق بشدة حين أخرجوه لم ينتبهوا قلبَه لازال ينبض لفُّوه ببطانيةٍ ووضعوه خارجَ الغرفة نظر إليه العميد مصطفى وتنفَّس كتاب إرم العهد الحديث مجاناً PDF اونلاين 2024 الحديث رواية يوسف حسين اسكرايب للنشر والتوزيع تنصَّتَتِ الشياطينُ لصراخِ الشرِّ حناجرِ المذنبين النهار خصوصاً يلهثُ الطيبونَ وراءَ لُقمِة عيشِهم يُنبتُ القلقُ وجوهِ المذبذبين وينفجرُّ داخلَهم مثل قنبلةٍ حاقدةٍ منذُ صدرَ حكمُ المحكمة الجاسوسِ "جون" يستطع العميدُ يهنأَ بنومِه وكأن هذا الرجلَ هو ذنبه الأعظمُ الذي يُؤرِّقه ليلَ نهار ويقف حارساً عند جفنيه مانعاً النومَ يقتربَ العميدَ أضحى يُقدِمُ فعلِ أيِّ شيءٍ يغتاله وتفضحَ الأسرارُ نفسَها وتُوزَّعَ الاعترافاتُ عليه لِيُفتضَحَ أمرُه الأمرُ بات معقداً جداً كلَّ ساعةٍ تمرُّ والرجلُ قيدِ الحياةِ تنقضي عمر كأنه قادمٌ الإعدامِ بنفسِه حياتُه أصبحت معلقةً برحيلِ الرجلِ عن عالمنِا أصبح صراعٍ دائمٍ مع النفس تهزمُه تارةً ويعقِدُ هُدنةً معها أخرى زفَّ جلالٌ خبرَ تصديقِ رئيسِ الجمهوريةِ حكمِ إعدامِ الجاسوس تسعه الدنيا الفرحِ فقفز عالياً عدَّةَ مراتٍ كطفلٍ صغيرٍ والدُه نجاحِه الابتدائية وهرول نحو الزنزانةِ آمرَاً السجَّانَ يفتحها دلفَ وخلفه ليريا السجين مضطجعاً جنبه الأيمنِ زاويةٍ الزنزانة فَـهَمَّ وركلَه بقدمه قائلاً بتوبيخ: انهض يا حقير
❞ ها هو يعودُ لرؤيةِ الأحذيةِ الفخمةِ من جديدٍ؛ لكن تلك المرةَ كانت تختلف عن سابقاتها فقد كان صاحبُ الحذاءِ رجلاً مديدَ القامة، مفتولَ العضلات ذا عينينِ ضيقتينِ تُشعَّانِ مكراً ودهاءً، وأنفٍ حادٍّ ينمُّ عن شخصيةٍ جادةٍ.. يقفُ مُستنداً بيديه على طاولة.. ينظر لصيدِه الثمين وهو يتكوَّرُ على نفسِه في أرضيةِ الغرفة؛ وجسدُه يرتجف كخرافٍ مبتلةٍ في ليلةِ شتاءٍ عاصفةٍ!
طال الصمتُ بينهما إلى أن قطعه الأوَّلُ وهو يقول بصوتٍ أجش:
_ جمال.. أظنُّ أنك تعلم جيداً ما أنت فيه الآن...! الموتُ آتٍ لا محالةَ...! فإمَّا أنْ تُنقذَ نفسك وتخبرَني بموضعِ الملفِّ وإمَّا أن أُرسلَكَ إلى الجحيم هديةً لا تُردُّ...!
صمت الأخيرُ لوهلةٍ، ثم تنهَّدَ بعمقٍ وتحدثَ بكبرياءٍ مُتصنَّعٍ بعدما سيطر على دقَّاتِ قلبِه التي أخذت تتسارع نحوَ الهلاك :
ومن أخبركَ بأنني حيٌّ...؟! ربما تكونُ بذرةُ الحياةِ الوحيدةُ في أرض روحي هي ملفُّكم، اضمن لي خروجاً آمناً من هذا، أضمن لكم بقاء كرسيكم . ❝
❞ ذهب هارون مع دكتور كريم والممرضة بعد أن تقمص شخصية دكتور محمد الطالب في كلية الطب في طريقهم لمقابلة ماجد الحقيقي لأول مرة. دخل هارون وحده غرفة ماجد وانتظر الدكتور بالخارج، كان ماجد يجلس على السرير متكئا على يديه لم يستدر وجهه لهارون، اقترب هارون من ماجد ثم سمع ماجد يقول:
أنا مش مجنون، أنا هربان منه، أنا مش مجنون أنا هربان منه . ❝
❞ في الساعة 10:20 مساءً...
استفاق آدم من غيبوبته على ألم يمزق صدره، حيث الوشم الذي وُشِم به، كان غارقًا في بِركة من الدماء والصراخ والظلام معًا، كل صراخ البائسين في هذه الدنيا الظالم أهلها تجمَّع في حلقه، فأطلقه دفعة واحدة، عل من به رحمة أو ما يزال محتفظًا بذرات من الإنسانية يسمع استغاثاته وينتفض لينقذه من جحيم سوداء، تأكل الأفئدة ببطء شديد، لكن صراخه لم يجلب إليه إلا الزبانية، فقد حضره الرجل العملاق المتشح بالسواد وفي يده سوط، كالذي رآه في يد أمه، له رأسان، لكن لونه كان مختلفًا، فقد كان أصفر فاقعًا مرقطًا ببعض البقع السوداء. رفع العملاق يده بالسوط عاليًا، ثم شد بأنفه العميق جرعة أكسجين طويلة، وراح يلوح بما في يده أمام عينَي آدم المذعورتين، رغم كل الألم الذي يشعر به الأخير وكل ما ألمَّ بجسده من عذاب، لم يستسلم بعد، ما زالت هناك فيه قوة خفية تحثه على المقاومة، على التمرد على كل شيء حوله وإن كان يعذب في قبره، لذا انتهزها فرصة وقبض على طرف السوط ذي الرأسين، محاولًا الحصول عليه بجذبه من العملاق بقوة، ولكن هيهات هيهات، فما قوته أمام قوة الأخير إلا كنسيرة لحم مطبوخ حُشرت بين فكَي أسد شرس.
شدَّه العملاق بعنف، لينكفئ تحت قدميه، وقد خارت قواه أو لنكون أدق وصفًا قد فرت هاربة تلك القوة الخفية، التي ظهرت فجأةً، لتتركه خرقة بالية أسفل قدمَي كتلة الظلام المتمثلة في هيئة رجل لم يتوانَ لحظة في دك رأس آدم في الرمال بضغطة قوية عليه، ثم تركه بعد ذلك، ليغوص في أعماق أوجاعه بحثًا عن ترياق يُسكِّن آلامه، أو يفقده وعيه لبضع ساعات، لربما يعثر بداخله على الخير، الذي نوه عنه الكائن المخيف حين ظهر له أول دخوله القبر، طالبًا منه البحث عنه، وقد تذكر في هذه اللحظة كلماته التي قالها له في بادئ الأمر: ˝في جوفي يختبئ خيرك، فاسرد قصتك عل بها ما يصيرني بشرًا مثلك، أؤنس وحشتك، ولا تختزل ربما كلمة واحدة تكمن خلفها نجاتك˝ . ❝