█ الليل الطويل كان قد ترك مسكنه الكوربة وحيداً كعادته إلا أنه هذه المرة قصد سوق الأسماك بضاحية صلاح الدين آثار ضوء خافت كان يمشي ببطء يتذكر آخر رحلاتهما سوياً وكان الوقت ليلاً أيضاً وجيه يس؟! لن ينساه ولا تلك الجلسات الحميمية كافيه»بالميرا» والتنزه في»الميريلاند» وتلك الحدائق المورقة المخيفة والتي كلما سارا فيها انقبض قلبه من دون سبب معلوم يخشى هفهفات الجذوع الخفيفة التي تترنح بين أشجار السرو العالية تتمايل مع الريح العتمة فيدق رغم بعده عن موقع الأشجار وكأن قتيلاً مجهولاً سيهوي فوق رأسه وهذا القتيل قريب منه يعرفه شكل حميمي كأنه شقيقه الأكبر الذي بات يشفق عليه كثيراً الأيام الأخيرة خصوصاً أن»بُرهان» أجريت له العملية الثانية عينه اليسرى منذ يومين موت التوأم ظله التل الكبير وقت قضاء خدمته العسكرية فرقة الاستطلاع أسفل أن يحرس قرب مخزن الذخيرة خلف أكوام الرمال الكثيفة تركض فوقها الأرانب الجبلية البيضاء السمينة هاوية الظلمة كالضليلة تساق إلى طريق تعلمه ولكنها لا تراه تفر بخفة عكس لمح البصر صارت عقدته تتعاظم رأى حتى وهو حبيبته ذات الأصول كتاب شخص ثالث مجاناً PDF اونلاين 2024 عشر سنوات وأنا أرى الحلم نفسه أبي يقود» لنشاً» سريعاً يخترق صفحة ماء هادر أدقق ملامحه أدنو منطقة الوعي بلملمة أطراف وبين اليقظة أتشمّم عرقه أرقب وشماً علي رقبته أأبي هو أم جدي ؟ دنوت ُ لأ تشمّمه تنفلت مني حسيّتي المفرطة الحقيقة مقاتلاً الأرض جرى تهجير أهلها المستبقين ولم يكن بحاراً ؛ ليقود لنشاً يمرق كل أسبوع أمامي النوم واليقظة الخاضعة سلفاً لتدريب شاق قائد لنش بورسعيد عشرينيات القرن الفائت وأمي أكدا لي المعلومة ومنذ عندما سألت أمي وجود اشتبكا وقتها صرخت وجه أبي:» مش معقولة يا حسن إنت نسيت التاريخ وسيرة أبيك ؟”
❞ ثم فرَّ من السخرة وركب باخرة إيطالية مكثت في البحر شهوراً عدة حتى رست في ميناء صغير يسمي (صقلية)، وبات يتنقل من مركب إلي آخر حتى عُثر عليه مقتولاً، وعند تفتيش كوخه كانت هناك صورة فوتوغرافية لشخص يشبهني، وقد دوّن عليها تاريخ مولدي باليوم والشهر من دون تحديد سنة ما . ❝
❞ ظل يشير إلي هدف محدد. وعندما حاذت السفينةُ لنش أبي، بان ضئيلاً، وهو يحاول التقدم صوب بوغاز ما بات علي مشارف الرائي. ربان السفينة كان يبتسم وهو يشير إلي قائد اللنش الذي ثبّت وجهته بنصف صدغه الأيمن ناحيتي، وأطلَّ في صمت محير من دون أن يرمش له جفن، رغم تلك الشارة التي تعمدت رفعها صوب وجهه وقت فراره نحو الغاطس. تاه اللنش في الغاطس، وظهرت مؤخرة السفينة، وقت أن طاف الفنار متنقلاً ببقع ضوء عديدة تخرج في نثار وتنزاح لتضوي علي واجهات مبانٍ وسفنٍ معطلة علي الجانب الآخر من المجري الملاحي الذي أعرفه، بل سبق أن أبحرتُ فيه بمركب مازالت صورته بطرازه الماهوجني محفورةً في ذاكرتي.
أستعيد الحلم كثيراً. أجتر تفاصيله، لتتأكد لي، من خلال تتابع الصور، حقيقة الاشتباك معهما. هناك شخص ثالث بالفعل. نعم، أبي وجدي كانا في الحلم، ولكنه ليس جد والدي المدعو عبد الرحيم الكبير. بل المفاجأة أن أمي الصديقة قالت لي يوماً ما إن عبد الرحيم الكبير شارك في حفر القناة عشرة أعوام . ❝
❞ قالت لي أمي: جدك عبد الرحيم الكبير هو الذي كان يعمل سائق لنش» الرياح». كان هذا اسمه، كما أكدت والدتي. ما يهمني في الأمر، هو تأثير هذا الحلم في وعيي وذاكرتي. عدتُ لأنام متعمداً، لعل اشتباك وعيي المتضخم بما يحدث، ينير لي دروب رحلة عائلة الأب وعلاقتها بالبحر. حتى جاءت ليلة الأمس. وقفتُ على شاطئ متوسطي أعرفه ولمحت اللنش يقترب من ميناء أقف في مقدمته مطلاً علي فنار قديم رأيته من قبل. وكالعادة زعق اللنش وبدأ حجمه يتضخم، ولاحت في خلفية رفاسه سفينةٌ، وبان قبطان يلوح لي بإصبعيه، الوسطي والسبابة . ❝