اقتباس 10 من رواية إيجيكوين 💬 أقوال محمد حسن عبد الجابر 📖 رواية إيجيكوين
- 📖 من ❞ رواية إيجيكوين ❝ محمد حسن عبد الجابر 📖
█ كتاب إيجيكوين مجاناً PDF اونلاين 2024 عندما تصبح أحداث الحياة الأرض أقرب إلى عالم الخيال عندها يمكن للخيال العلمي أن ينزل ويلامس أرض الواقع ويضيف لونه ليطغى ويرتبط بها بحيث يكتسب الوضع الجديد طابعًا مألوفًا يختلط بأحداثه مع بدرجاته فمن الضروري يتم التعامل المعاصر وإن كان خارجًا عن المألوف
وعندما ينشأ الحب مثل هذا الجو يجب يكون مستوى القول يصنع المعجزات والمقصود بالمعجزات هنا فيما يتعلق بالجانب الرومانسي للرواية ليس الأحداث التي تنسب التدخل الإلهي المباشر
بدلاً من تشير كلمة معجزة صمود البطل للظروف والعقبات ساهمت المساعدة الإلهية المقام الأول ثم قدراتهم الخاملة للتغلب عليها وتحملها قدر المستطاع إذا تعريف المعجزة هو أنها قطع واضح يحدث قوانين الطبيعة فإن ما حدث وصفه بأنه شبيه بالمعجزة !! كنت أنوي كتابة ملخص لرواية (إيجيكوين) بالأسلوب التقليدي لكن الكلمات رفضت تتلاءم بعضها
تصارعت الرواية ذهني وخلاصة قرأته للتو إذن تصارعت
إذن
: 2 -
لهواة النظام وعشاق الدقة بتفاصيلها الغير منتهية .. عليهم القيام بجولة داخل مصنع الجزيرى ستشعرهم بأنهم داخل نموذج مكبر لخلية نحل متكاملة ، سير العمل بالمصنع يأخذ نفس نهج منظومة عمل خلية النحل و لكنه خلية بشرية لصناعة و تعبئة عسل النحل .. يعمل عمال المصنع على أيصال منتج المصنع و هو ( عسل نحل مدينتنا ) إلى أعلى جودة له ليكون فى أبهى صوره التسويقية ، حيث أن الجزيرى واحد من أثقل رجال أعمال ( مدينتنا ) و الذى يسعى
لأقتناص لقب أغنى رجل فى ( مدينتنا ) ..
نجح العمال فى الحفاظ على نفس درجة حماستهم فى العمل بالمصنع لسنوات و أستمرت حتى بدايات عام ٢٠٢٢ و قد بدأت أسعار السلع و المنتجات رحلة الصعود المتواصل مع ثبات مرتباتهم و عدم مرافقتها لرحلة صعود الأسعار لتواكبها .. أثر ذلك بالسلب على نفسية العمال فتأثر أدائهم فى العمل لا سيما و قد بائت كل محاولاتهم فى طلب الزيادة للمرتبات بالفشل حيث تم تأجيل ذلك لأكثر من مرة مع وعود جوفاء عامة ، مما سمح لبذور الأنقلاب أن تتناثر فى أجواء المصنع فتنبت شيئآ فشيئآ حتى تعمقت جذورها و أشتدت و فى أنتظار فقط من يداعب فتيل قنبلة التمرد فيجذبه لينفجر الغضب و يصب على رأس الجزيرى !!
كان الجو العام فى المصنع هادئا الهدوء الذى يسبق العاصفة إلى أن جاء خبر وفاة زميلهم فنى الكهرباء أثناء قيامه بتبديل أسبوتات الأضاءة فى سقف المصنع .. وقع الخبر كالصاعقة على مسامع زملائه لحبهم الجم له و بعد أن أنتزعوا حقيقة السبب المؤدى للوفاة !
لقد توفى فنى الكهرباء غرقاً بعد أن أنزلقت قدماه و أختل توازنه و سقط من أعلى السلم الخشبى ليهوي داخل سطل عملاق معبأ عن أخره بعسل النحل و يصل عمق هذا السطل لأكثر من مترين !!
أستطاع موظف ال IT بالمصنع أقتطاع الفيديو خفية الخاص بغرق زميلهم فى العسل و الأحتفاظ به بعد أن سجل الفيديو لحظات المعاناة المؤلمة التى مر بها الفنى حتى الوفاة !
تم تسريب الفيديو بين عمال المصنع و تم تداوله بينهم كأنتشار النار فى الهشيم , و مما أشعل النار فى قلوب العمال تسريب أيضاً خبر تستيف أوراق الواقعة على أنها وفاة طبيعية خارج المصنع وذلك
لعدم ألحاق الضرر بمصنع الجزيرى ..
كانت واقعة غرق العامل فى العسل بتطوراتها السريعة هى بمثابة جذب فتيل التمرد و الغضب لدى العمال ، سرعان ما تجمهر العمال وبزغ من بينهم من يصلح لتزعمهم و قاموا بوقفة أحتجاجية أتفقوا فيها على مطالبة الجزيرى بحق زميلهم و حقوقهم المؤجلة
و أعلنوا أنهم لم و لن يتنازلوا عنها ..
فى غضون لحظات نقلت الشخصيات ( المعصفرة ) بالمصنع التطورات للجزيرى الذى أتخذ الأمر على محمل الجد و ذهب لموقع الأحتجاج و بعد أن أستمع لهم أخبرهم أن ليست هذه هى الوسيلة التى تليق بأن يعرضوا عليه طلباتهم .. أمرهم أن يتفرقوا و يتموقعوا على ماكيناتهم و سينظر فى موضوع زيادة المرتبات .. رفض العمال و أشتاطوا غضباً و أصروا على موقفهم بروح الثوار مما أستفز الجزيرى أكثر فأخبرهم فى صرامة كاسحة أن لديهم ساعة واحدة من الزمن لفض هذه الوقفة الأحتجاجية و أستئناف عملهم أو مغادرتهم المصنع دون رجعة !!
★★★★★★★★
أكتشف محمود أن ( موطن الفاشلين ) الذى أسسه
هو حقآ أكبر نجاح قد حققه !!
لقد تفاقمت أعداد الفاشلين المنضمين لموطنهم الجديد و وصلت لحوالى نصف مليون ، مما رشح هذه الصفحة لتصدر مواقع البحث الألكترونى لتمر بأزهى أوان لها منذ أنشائها ..
لم تكن الصفحة محط أنظار الفاشلين فحسب بل كانت أيضاً محط أهتمام نوع أخر من رواد السوشيال ميديا.. كان يتابع الصفحة بل و أنضم إليها عدد هائل من الأطباء النفسيين تحت أسامى مستعارة تتيح لهم التوغل فى ( موطن الفاشلين ) دون أن يكشفهم أحد .. لقد كانوا يتابعون بوستات الفاشلين الذين يقومون بتشييرها و تعرض لمحات من حياتهم السوداوية , و كان هؤلاء الأطباء ينبهرون بضخامة تفاعل الفاشلين مع بعضهم البعض و كلاً منهم يشارك ببوست أقوى من الذى سلفه
و كأنه مزاد على أكثر حياة بائسة !!
لقد راق كثيرا لهؤلاء الأطباء النفسيين المخفيين هذه الأحداث المتطورة بين رواد الصفحة و وجدوا فيها بيئة ملائمة تخدم مجال عملهم و تدعمه .. وعليه فقط فكر عدد لا بأس به من هؤلاء الأطباء فى نفس الفكرة و قاموا بالتواصل مع شركات دعاية للأعلان عن عياداتهم و أساليبهم المتطورة و الحديثة فى علاج و تطوير الذات على هذه الصفحة .. موطن الفاشلين ..
سرعان ما تم التواصل مع محمود من قبل شركات الدعايا و عرضوا عليه فكرة الأعلان على صفحة ( موطن الفاشلين ) لأطباء يعالجون
بطرق تنمية و تطوير الذات ..
تملص محمود فى بادئ الأمر و أبدى عدم ترحيبه بالفكرة فتنفيذها قد يقلل من مصداقية الصفحة فهى صفحة حرة و ملك لروادها ..
أسهل طريقة للأقناع هى ذكر المقابل المادى للخدمة و هذا ما أتبعته شركات الدعايا مع محمود الذى أصابه التخبط عندما أدرك أن المقابل المادى حقآ مجزى فلم يتماسك طويلاً و أعلن موافقته على الأعلانات الممولة التى فى غضون أيام تدفقت كفيضان أكتسح
موطن الفاشلين ...
***********************
مضت ساعة سلحفية داخل مصنع الجزيرى مرت على العمال و كأنها دهرآ و على الجزيرى أيضآ ..
الأنتظار فى حد ذاته يعصر العقل و أحياناً يعتصر القلب ..
بزغ الجزيرى فى مكان ما فى الأعلى يتيح له مخاطبة المتجمهرين من العمال المتمردين .. لحظة صمت ضربت الثوار بمثابة
ظهور الجزيرى لهم بعد تهديده الحاسم ..
رمقهم بنظرات خاطفة صارمة و خاطبهم بصوت أجش
و هو يسألهم ماذا نويتم ؟؟
كانوا يتجمهرون فى خطوط دائرية و فى مركزهم كان يقبع زعيمهم و ينادونه بعم ضياء الذى برز لمواجهة الجزيرى و قد رفع ناظريه للأعلى ليرد فى ثقة على سؤال الجزيرى ..
نوينا على أن لا نفرط فى حق زميلنا الشهيد و لن نتهاون فى حقوقنا
و لن نتراجع عن مطالبنا ..
رد الجزيرى فى حزم لحسم الموقف و قال له أسمعها قولآ واحداً منهم .. نظر عم ضياء لهم كأنه عازف يقود الأوركسترا حتى خرجت منهم سيمفونية الغضب التى أكدت على كلام عم ضياء ..
أنطلقت عبارات مقتضبة من الجزيرى على سياق .. أذن فلتصلكم حقوقكم المادية عن هذا الشهر و لتغادروا المصنع بعدها دون رجعة !!
عبارات قصيرة ثقيلة أنهى بها الجزيرى الموقف دون تردد أو تهاون .. قرار لم يتوقعه أحداً من الثوار أن يستغنى الجزيرى عن جميع عمال المصنع فى آن واحد .. لقد حول عم ضياء الوضع لظلمات لهم .. بينما تعامل الجزيرى مع الأمر بكل بساطة و كأنه يدهس سيجارته بعد أنهائها !
أرسل الجزيرى بعد ذلك من يتواصل مع أهل فنى الكهرباء الذى توفى غارقآ فى العسل و تم مراضية أسرته مع ضمان مبلغ شهرى كبير سيصلهم كل أول شهر شرط أن يغلقوا ملف الوفاة نهائيآ و عدم التجاوب مع أى محرض يحمل فيدوهات لن تجدى لهم نفعاً ،
بل ستبتر يد العون الممدودة لهم ..
و بخطوات ممنهجة لم يهدر الجزيرى الوقت بل كان يبرم أتفاقاً مع شركة يابانية لتوريد روبوتات بتكلفة مليون دولار ليقفوا على خطوط الأنتاج بمصنعه لأستمرار عجلة الأنتاج بل وضع خطة لمضاعفته !!!
******************
إذا وضعتك الظروف فى غرفة معتمة فلا شك أن ظهور شعاع نور فيها سيلفت نظرك و يجذب أنتباهك ..
محمود كان تائهآ فى ( موطن الفاشلين ) كان يشاهد و يتابع فى صمت بوستات أعضاء الصفحة التى توحى و كأنها لوحات أدبية لكنها سوداوية كانت تشعر محمود بالظلام الدامس ..
فى ظل هذه العتمة المعنوية كانت بوستات تشوبها بصيصاً من الأمل تنزل تباعآ لنفس الأسم .. أختلاف لونها المضئ لفت نظر محمود ليس فقط ذلك .. بل أسم صاحبة البوستات هو من جذب أنتباهه أكثر !
( وردة الجنة .. ذبلت فى جحيم الحياة ) كان محمود يتابع هذا الأسم المستعار منذ فترة طويلة و يتفحص بوستاته و هى مكتوبة من حروف تملؤها الشجن ويكسوها قشرة من الأمل !
قرر محمود كسر الحاجز الزجاجى الفاصل بينهما و فتح محادثة معها و تردد كثيرآ قبل أن يكتب لها : السلام عليكم ..
كانت شارة أدمن الصفحة تظهر جنب أسم محمود مما أوهم محمود أنه بمجرد ألقاء السلام على من يحدثه من أعضاء الصفحة سيقتنص عضو الصفحة هذه الفرصة سريعاً ، عاد محمود و ألقى السلام مرة أخرى و أيضآ لم يستقبل أجابة .. فعاد للمحادثة و كتب :
هو أنا مش بقول السلام عليكم ؟!
فجائت أجابة كتابية من وردة الجنة الذابلة : بـس يــاض ..
عقد محمود حاجبيه و كتب و هو يمسح حروفاً و يعود لكتابتها ثم كتب لها : أطوارك غريبة .. حتى صفحتك لما فتحتها غرقت فى بحر غموضها .. ممكن أعرف حكايتك ؟؟
ردت الفتاة : بس يا بابا .. و تانى مرة متفتحش حاجة متخصكش ..
ظهر غضب محمود فى كتابته للفتاة : و بعدين فى لماضتك دى ؟
أنتى منين عايز أفهم ؟ أسكندرية و لا القاهرة و لا منين ؟
الفتاة : هريحك و أرد علشان أجابتى هتحيرك ..
انا لا من أسكندرية و لا من القاهرة .. أنا من النص ..
أستخدم محمود دهائه فى المحاورة :
مهو لو عرفت أنتى منين بجد .. هتخيلك و هقولك حاجات
عن شخصيتك تبهرك .. جربى و أعتبريها لعبة للتسلية ..
الفتاة فى ثقة : أزاى زعيم الفاشلين هينجح فى حاجة ؟
أنا من مدينة تتوسط المحافظتين .. مدينة أسمها ( مدينتنا ) .. لما تعرفها أبقى أتخيلنى و أبهرنى المرة الجاية .. دلوقت أنا لازم أقفل .. سلااااام ...
نظر محمود طويلاً بعينان مفتوحتان عن أخرهما لشاشة موبايله بعد أن قرأ كلمات الفتاة صاحبة أسم .. ( وردة الجنة.. ذبلت فى جحيم الحياة ) ..
*************
أرض الرخاء هى أرقى بقاع ( مدينتنا ) تقع بالطبع فى الجانب الشرقى فى أقصاه .. تم تخصيصها لصفوة أثرياء المدينة ..
أحدث تصميمات عصرية لفيلات ستجدها فى أرض الرخاء .. واحدة من التصميمات المبهرة كانت من نصيب فيلا تضج دومآ بالحياة .. هذه الفيلا يقوم صاحبها و هو شاب فى أواخر العشرينات يدعى نهاوند ، بتأجيرها لأقامة حفلات الزفاف و أعياد الميلاد و ماشابه و هذا بمقابل مادى باهظ ..
فى حالة عدم و جود حفلات يقيم هو حفلاته الخاصة مع أصدقائه و صديقاته ليكسر بهذه الحفلات سكون الليل إلى أن تعود الشمس من غيابها مرة أخرى ..
فى هذا اليوم كان جدول الأعمال خالى من أى حفلات ، لذلك دعا نهاوند أصدقائه و صديقاته لقضاء سهرة ساخنة فى فيلته .. نهاوند كان يقدر المخدرات لا سيما الحشيش بينما أصدقائه لا يحبذونه فمنهم من يدمن الخمور و الويسكى و منهن
من غرزت أقدامهن فى حبوب الهلوسة الخطيرة !
نهاوند يسعى دائماً لأستخدام الطرق التى تيسر عليه المعيشة فهو على أستعداد لأن يبذل جهداً كبيراً كتلة واحدة مقابل أن تمنحه كتلة الجهد هذه أطول فترة راحة ممكنة فيما بعد ..
حتى فى أمور الهلس يطبق نهاوند نظريته فى الحياة.. فعلى سبيل المثال أبتاع نهاوند مبشرة خضروات و قد بحث عنها جاهداً حتى حصل على واحدة أستانلس فتحاتها أوسع قليلا من خرم الأبرة !
و أتفق مع ديلر و أبتاع منه كيس حشيش كامل يزن حوالى ٢٥٠جراماً و قام ببشره على المبشرة لتحويله لبودر بنى
و قام بتعبئته فى برطمان زجاجى كبير !!
و عند أحتياجه لتعاطى المخدرات فقط يفتح البرطمان و يأخذ المقدار المناسب ليستخدمه حسب طريقة تعاطيه للحشيش ..
نهاوند يعيش فى الحياة بهدف الحصول على اللذة و الغرق فى المتعة و هذه أحدى الأسباب الرئيسية لخلافه مع والده ..
هجم الليل فى موعده و خيم بظلامه على المدينة .. عكس الحال داخل فيلا نهاوند فالأضاءات الليد المتناثرة هنا و هناك تشعرك
أنك فى وضح النهار .. أنتشر أصدقاء نهاوند و صديقاته فى الفيلا و كلاً يغنى على ليلاه .. فهناك من يرفع زجاجة الويسكى و يجرع منها فى همجية و هنا فتاة تبتلع حباية يدسها فى فمها شاب يرقص معها و يدس واحدة فى فمه هو أيضاً..
الجميع كان فى حالة لذة صارخة و نشوة عارمة ..
نهاوند كان يجلس بمرافقة فتاة ممشوقة القوام يغطى شعرها الأسود الداكن كتفيها و تتلوى على أنغام الموسيقى بينما هو كان ممسكآ بسيجارة الحشيش بين أصبعيه و يسحب منها ببطء فينفث بعدها سحابات كثيفة من الدخان ، كان يجلس بالقرب منهما شاب سكير مع فتاة تشبهه ..
جميع الحاضرون يعرفون الخلاف القائم بين نهاوند و والده رجل الأعمال منذ سنوات قريبة و على أثره أنتقل نهاوند للعيش بمفرده فى هذه الفيلا التى سجلها له والده بأسمه قبل نشوب الخلاف بينهما ..
لكن تأثير الخمور قد ضرب هذا الشاب السكير بقوة الذى يجلس على مقربة من نهاوند و جعله يتطاول فى حديثه مع نهاوند و هو يخاطبه فقال :
شفت أبوك عمل أيه .. سرح العمال اللى عنده فى المصنع و هيجيب مكانهم روبوتات .. ثم ضحك ضحكاً مريعاً و أستطرد السكير مخاطباً نهاوند .. ليك حق تطفش منه وتقاطعه و تيجى تعيش هنا .. و أصدر ضحكة مقززة أخرى ثم رفع الزجاجة على فمه التى كان قابضاً عليها بيديه و ظل يشرب منها و كأنها مياه غازية !
كان نهاوند قد أعتدل فى جلسته و ما أن أنهى صديقه الثمل حديثه حتى قام نهاوند عن مقعده و أقترب منه فأطفأ سيجارة الحشيش بأسقاطها داخل زجاجة الخمر الممسك بها و قال له :
خلافى مع والدى لن يمنحك الحق فى التطاول على الجزيرى باشا .. ثم كال له لكمة عنيفة كانت قد حولت الصخب من حولهما لصمت الموتى .. ترقب الجميع الموقف بعدها ، و مع تأثير المخدرات كانوا يشعرون أنهم أثقل وزناً و لم يستغرق الموقف أكثر من خمس دقائق قد أنتهى بطرد نهاوند للسكير المتطاول على والده ثم عاد الوضع لما كان عليه و صدحت الموسيقى مرة أخرى من مكان ما و أحيت معها
الشرب و الضحك و الرقص و كأن شيئاً لم يكن ..
***************************
محمود طايع هو بالفعل بارع فى مجال البرمجيات ولكنه ليس الأبرع فيه .. صفحته (موطن الفاشلين ) حالها كحال الجروبات الخاصة بالنساء فقط .. فتجد هذه الجروبات سرية للبنات لكنها فى الحقيقة تزخر بالرجال المتنكرين فى أسماء مستعارة لسيدات ، هذا على سبيل المثال ..
( موطن الفاشلين ) هو بالفعل مأوى للفاشلين و المحبطين و للهاربين من الحياة بسننها و قوانينها المعقدة .. لكن لا مانع من تواجد بعض الفضوليين فى هذه الصفحة لمتابعة ظهور فكرة جديدة كـ ( موطن الفاشلين ) و محاولة تقليدها و هناك من يندس بينهم لأغراض صحفية و منهم لأغراض مهنية كما فعل بعض الأطباء النفسيين ..
كما أن مواطنين الصفحة من الفاشلين لم تولدهم أمهاتهم فاشلين .. بل من المؤكد أن لديهم مواهب أو أنهم أتقنوا مهارات أو وظايف على مدار حياتهم السابقة ، لكن ضغوطات الحياة تمكنت منهم و سحقت حماسهم و دهست طموحاتهم فأصبحوا على ما هم عليه الأن فهاجروا إلى ( موطن الفاشلين ) بمجرد ظهوره ..
فى الأونة الأخيرة ظهرت مجموعة من الفاشلين المخلصين فى ( موطن الفاشلين ) كانت تقوم بتشيير بوستات على الصفحة تدين فيها الأطباء النفسيين و تستنكر أنتشار
الدعايا و الأعلانات الممولة على صفحة موطنهم !
لاقت هذه البوستات الكثير من التفاعل معها سواء بـ لايك أو كومنت مؤيد للبوست ، و بدأت تجذب و بشدة أنتباه معظم مواطنين الصفحة و بدا ذلك جلياً من تنامى التفاعل مع بوستات الفاشلين المتضجرين ..
مما حفز أحد أعضاء الصفحة من فئة الفاشلين المخلصين لأن يستجمع خبراته المغمورة بعقله الباطن و يلملم نفسه و يستفاد من إلاعيبه السابقة فى تهكير الأجهزة و أختراق المواقع و يكرس ذلك ليتمكن من تقديم المساعدة لنفسه أولاً و لأعضاء الصفحة من الفاشلين و المحطمين نفسياً ..
كانت البوستات تتوالى و كانت بمثابة حطب نار الأنتفاضة ..
بالفعل نجحت هذه البوستات فى أطلاق الشرارة الأولى بداخل الفاشل الهاكرز حتى تحولت لجحيم فى رأسه و قرر أن يطلق سراحها .. تحول هذا الهاكرز لتنين بشرى يُخرج فحيح الغضب من مسامه .. أصبح عزمه معقودا على التنفيذ حتى حدد يوم رد الأعتبار ..
على الصعيد الأخر كان محمود يتعامل مع البوستات الأنتقادية و الضجر على صفحته كما تعامل مبارك وحاشيته مع ثوار يناير .. التجاهل .. ظن محمود أن ما يحدث فى ( موطن الفاشلين ) مجرد زوبعة فى فنجان و ستتبخر و تذهب لحالها ، و توهم أن الحماية التى غلف بها الصفحة منحتها قوة ستجعل الصفحة تدوم رغم أى مناوشات تدور معها !
كما أنه كان يؤمن فى أعماق نفسه أن ما يتحصل عليه من دخل مادى ضخم بفضل الأعلانات الممولة على ( موطن الفاشلين ) لن يتنازل عنه و لن يفرط فيه و رأى أن التجاهل فن و هذا أوانه ..
فى اليوم المحدد بذهن الفاشل الهاكرز بدأ فى ممارسة خطته الهجومية .. أستغرق من الوقت ما أستغرقه و فى النهاية تمت السيطرة التامة على الصفحة من حذف للأعلانات الممولة و تعطيل نشر بوستات جديدة و وقف التفاعل مع البوستات القديمة .. أى تم شل حركة الصفحة بالكامل .. لم يكتف الفاشل الهاكرز بذلك بل كتب بالبنط العريض على الصفحة الرئيسية :
لقد تم أحتلال موطن الفاشلين ..
هذه الصفحة أكذوبة.. فمن أنشأها يتاجر بفشل أعضائها ..
لا للمصالح الشخصية ..
علم محمود بما حدث من خلال ( عصفورة النت ) و هى أشعارات الفيس التى تخبر صاحبها بكل همسة تحدث فيما يشارك به .. فتح محمود ليفهم ما التعديلات التى حدثت لصفحته دون أن يفعلها ، لكن أصابته الصدمة عندما وجد نفسه كباقى أعضاء الصفحة يفتح ليقرأ فقط ما تم كتابته على الصفحة .. حاول محمود أن يستغل براعته فى مجاله لأستعادة صفحته لكنه فشل فشلآ ذريعآ و أدرك أنه عاد مرة أخرى لنقطة الصفر ..
أيقن محمود وقتها أن هناك من هو أبرع منه فى المجال و أنه
كان مخطئا عندما ظن أن فى التجاهل نجاة ..
*****************************************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الثاني
2 -
لهواة النظام وعشاق الدقة بتفاصيلها الغير منتهية .. عليهم القيام بجولة داخل مصنع الجزيرى ستشعرهم بأنهم داخل نموذج مكبر لخلية نحل متكاملة ، سير العمل بالمصنع يأخذ نفس نهج منظومة عمل خلية النحل و لكنه خلية بشرية لصناعة و تعبئة عسل النحل .. يعمل عمال المصنع على أيصال منتج المصنع و هو ( عسل نحل مدينتنا ) إلى أعلى جودة له ليكون فى أبهى صوره التسويقية ، حيث أن الجزيرى واحد من أثقل رجال أعمال ( مدينتنا ) و الذى يسعى
لأقتناص لقب أغنى رجل فى ( مدينتنا ) ..
نجح العمال فى الحفاظ على نفس درجة حماستهم فى العمل بالمصنع لسنوات و أستمرت حتى بدايات عام ٢٠٢٢ و قد بدأت أسعار السلع و المنتجات رحلة الصعود المتواصل مع ثبات مرتباتهم و عدم مرافقتها لرحلة صعود الأسعار لتواكبها .. أثر ذلك بالسلب على نفسية العمال فتأثر أدائهم فى العمل لا سيما و قد بائت كل محاولاتهم فى طلب الزيادة للمرتبات بالفشل حيث تم تأجيل ذلك لأكثر من مرة مع وعود جوفاء عامة ، مما سمح لبذور الأنقلاب أن تتناثر فى أجواء المصنع فتنبت شيئآ فشيئآ حتى تعمقت جذورها و ....... [المزيد]
التقليد الأعمى هو النقل الحرفى لكثير من أفعال دول الغرب و محاولة
تطبيقها فى مجتمعاتنا الشرقية رغم تناقضها معها و مع ذلك
تنال أعجاب الكثير و يدعموها !
التقليد المبصر هو مصطلح ظهر حديثاً فى ( مدينتنا ) و يعزى الفضل فى ذلك للجزيرى نتيجة أستبداله للعنصر البشرى بنظيره الألى و تحقيق أنتاج مضاعف لما كان عليه الوضع سالفاً فى مصنعه ..
مما حفز بعضاً من رجال أعمال ( مدينتنا ) للفكرة وراقت لهم كثيرآ بعد ضمان نجاحها من مراقبة تجربة الجزيرى ..
واحداً من هؤلاء الرجال الذين راقت لهم تجربة الجزيرى يدعى منير المنفلوطى و يمتلك مصنع التونة الشهير بـ ( مدينتنا ) و قد أستخدم حيلة خفض مرتبات العمال للنصف بـ داعى خسارة المصنع و عدم توافر بعض الخامات الأساسية مما أجبر عدد كبير من عمال المصنع على تقديم أستقالاتهم و الرحيل للبحث عن لقمة عيش فى مصنع أخر أو شركة أخرى ..
أما القلائل المتبقين و لم يغادروا المصنع فقد تمكن المنفلوطى من أقناعهم أن وضع العمل أصبح من سئ لأسوأ لا سيما بعد رحيل كم هائل من العمال و مغادرتهم المصنع مما أدى لشلل كلى فى دورة العمل ..
المنفلوطى كان يقلد الجزيرى و لكنه يقلد و هو يحسب جيداً لخطواته المقبلة حالماً أن يضاعف أنتاجه فـ تتضاعف ثروته دون الأهتمام لمن سيدهسهم فى طريقه لهدفه ، هو يؤمن فى أعماقه أن العواطف فى البيزنس تقضى على صاحبها و تعرقل خطوات تقدمه !
و عليه قام المنفلوطى بالتواصل مع نفس الشركة اليابانية التى تعامل معها الجزيرى و تعاقد معهم منير المنفلوطى على توريد روبوتات و لكن هذه المرة كانت بقيمة أثنان مليون دولار !!
التقليد سواء كان أعمى أو مبصر يتحول فى معظم النهايات لوباء ..
فهو يمر بمراحل تطور الفيروس من :
ظهور فأنتقال فأنتشار ثم توغل و أكتساح ..
ظاهرة أستبدال العنصر البشرى بـ روبوت بدأت فى الظهور بفضل الجزيرى ثم تطورت لمرحلة الأنتقال و فعلها المنفلوطى ، و أما من يتناول منه الشعلة و تبدأ مرحلة الأنتشار و التوغل ، أو وأد الفتنة فى مهدها و
وقف الزحف الألى على ( مدينتنا) ..
************
محمود كان قابعاً فى غرقته يجلس على كرسيه الخشبى الهزاز يهتز معه و هو ينظر إلى لا شئ .. يسبح بخياله فى أحلامه التى رسمها و بدأ فى تلوينها بمثابة حصوله على أول دفعة محولة لحسابه من الإعلانات الممولة التى جرت كنهر على صفحته و أغدقته بالأموال .. الأن يجلس شارداً مفعماً بالبؤس و يتمنى لو لم يكن قد عرف مذاق تخمة النقود ، فالجوع بعد شبع مؤلم أكثر من الجوع ذاته !
كان موعد الغداء قد حان فى منزل طايع و هذا يعنى أن الحاجة زكية تقف وسط الأبخرة الخانقة فى المطبخ تعد الطعام فى حين أن الحاج طايع فى وضعه الجديد يجلس ساهماً فى غرفة نومه يفكر طويلاً فى ماذا بعد أنتهاء مكافأة نهاية الخدمة التى عوض بها المنفلوطى أخر مجموعة رحلت من العمال
بعد تصفية المصنع و كان طايع واحداً منهم ..
ألتهم التفكير عقله و كان متخبطاً ماذا سيفعل الفترة المقبلة ، دار حوار ذهنى بداخل رأسه عبارة عن سلسلة من التساؤلات .. هل يقدم على فرصة عمل فى مصنع أخر و لكنه لا يدرى إلى أى مدى سينتشر وباء الروبوتات فقد يكتسح كل المصانع .. هل يفكر فى تبنى مشروعاً صغيراً يدر عليه دخلاً مادياً يتيح له المعيشة لكن أين المبلغ المالى الذى سيبدأ به ؟؟
تآكل عقله من الفكر حتى جاء صوت الحاجة زكية من الصالة .. الغدا جاهز يــا حااااج فأفاقه الصوت من كآبته .. ثم تكرر صوت الحاجة زكية و لكن هذه المرة كانت تنادى على محمود .. الغدا يـا فـااااااشــل ..
و هنا أنتبهت أن الكلمة فى هذا الوضع الذى يملؤه التوتر قد يتم ترجمتها خطئاً من قبل زوجها طايع .. خرج محمود أولاً من غرفته و ألتقى بوالدته و أثار قلقها أكثر و قال لها :
أبقى حددى بعد كدة و أنتى بتقولى يا فاشل
لحسن تتفهمى غلط .. دى فيها طلاق دى ..
ردت زكية بعد أن مطت شفتها السفلى فى أسى :
على رأيك بدل عاطل واحد بقوا أتنين ..
هنا خرج عليهم الحاج طايع فـ سـاد الصمت فى الصالة و جلس ثلاثتهم على طاولة السفرة يتناولون وجبتهم فى صمت تام على عكس الوضع سابقاً عندما كان يتناقش طايع فى أمور العمل مع الحاجة زكية ..
كسرت الحاجة زكية الهدوء المريع الذى سيطر على المكان و قالت للحاج طايع : بقولك يا حاج .. المعلم أبو كرش هيفتح محل جديد و محتاج محاسب شاطر يمسك حسابات المحل .. أيه رأيـ ـ ـ
و قبل أن تكمل زكية الكلمة كان وجه طايع قد أحتقن غيظاً و هو ينظر إليها فى زجر ، فقامت زكية عن مقعدها و هى تحمد الله فى أيحاء منها أنها قد أنهت طعامها و سدت جوعها ..
*******************
فى ظل الظروف العصيبة التى يمر بها منزل طايع حيث وجود رب الأسرة فى المنزل دون عمل يتطرق الأمر إلى مشكلات مفتعلة وغير مفتعلة و جو محمل بالأضطرابات يسود المنزل ، و عليه أضطر محمود أن يفعل أشياء على دون رغبة منه لكنه يعتبرها الملاذ للفرار من المنزل و الذى تحول لثكنة عسكرية ..
محمود يمقت مجالسة أصدقائه على المقهى حيث سحب كثيفة من أدخنة الشيش و السجائر و ضوضاء لعب الطاولة و هبد الدومينو و ما شابه ، لكن أصبح هذا الوضع بالنسبة له أهون من تواجده فى المنزل ..
أجرى خالد أتصالاً هاتفياً بصديقه محمود و هما صديقان منذ سنوات طويلة من الطراز اللذان قد لا تجمعهما الظروف لشهور و لكن عند لقائهما يبدوان و كأنهما كانا بصحبة بعضهما بالأمس و هو ممن هاجر إلى ( مدينتنا ) كما فعل محمود .. هذا الطراز من الصداقة الأصيلة موجود و منتشر و يفرض وجوده ..
عبر خالد فى أتصاله الهاتفى بمحمود عن أنه يرغب فى مقابلته على المقهى و هو يعلم أن محمود سيتملص منه لذلك أخبره أن هناك أمر هام يتعلق بحياته يود أخباره به على سبيل الفضفضة ..
لم يضيع محمود هذه الفرصة حيث أصبح
ما كان يفر منه سابقاً هو فرصة يجب أن تقتنص حالياً !
أستجاب محمود لرغبة صديقه و ذهب للمقهى الذى ينتظره فيه خالد و بالفعل وجد خالد فى أنتظاره فهو من طراز نادر من الأصدقاء و الذى يلتزم بمواعيده ..
بعد العناق و القبلات جلس محمود بصحبة صديقه خالد و هو يسأله الأسئلة الروتينية عن أخباره و أحواله و أسرته فجاء رد غير روتينى من خالد و أخبر محمود أنه أنفصل عن زوجته و طلقها و ترك معها الأولاد .. هذه الكلمات صعقت محمود لأنه يعرف أن خالد أنضج صديق له و يمتاز بالحكمة و لديه قدر وافر من الدبلوماسية ، لكن برر له خالد أن ظروف المعيشة باتت صعبة و متطلبات و أحتياجات أسرته تتفاقم و لم تتحمل زوجته الوضع المادى و الذى أصبح غير ملائم للظروف المعيشية المستجدة فطلبت منه الطلاق و هو قد لبى ..
واساه محمود و أبدى حزنه على ما حدث له و أيقن محمود فى أعماقه أنه ليس الأسوأ حظاً فى هذا العالم .. سأل خالد صديقه عن أحواله و عن ( موطن الفاشلين ) الذى فشل ، أجابه محمود بحمده لله على كل حال و أخبره أنه لا يرغب التحدث فى هذا الأمر ، جبر خالد خاطره ببعض العبارات التى تقال فى مثل هذه المواقف مثل ربنا يعوضك و ربنا يوفقك و جمل من هذا القبيل .. ثم أستأذن خالد ليذهب للحمام كى يلبى نداء الطبيعة ، فى حين فتح محمود هاتفه و أستغل مجانية الواى فاى المتاحة بالمقهى و فتح الفيس الخاص به على سبيل التسلية إلى أن يعود صديقه ..
شرع محمود فى تفقد الفيس و أخذ يقلب فى بوستاته دون أكتراث إلى أن يعود خالد ، تارة يقرأ بوست لأحد الأصدقاء و تارة أخرى يفوت العشرات من البوستات حتى أستوقفه بوست ليس لأصدقاء الصفحة و لكن كان لـ ( وردة الجنة ) و كان محمود قد أصر على متابعة صفحتها عندما أكتشف عدم أمكانية أضافتها كصديق و قد أغلقت هذه الصلاحية عن عمد ، كان البوست حزين فكانت
( وردة الجنة التى ذبلت فى جحيم الحياة ) قد أدرجت على صفحتها بوست لأحياء الذكرى الخامسة لوفاة والدتها و كانت تدعى لها بالرحمة و تطلب من قارئى البوست فضلاً و ليس أمراً أن يدعون لوالدتها و أن يصبر الله قلبها المكلوم .. أدرك محمود أن هذه فرصة ثمينة و مدخلاً جيداً لتوطيد التعارف بينهما و عليه أرسل لها رسالة كتابية يعزيها فيها و يناوشها لجذب الكلمات منها فكتب لها بعد تقديم واجب العزاء و الدعاء :
يبدو أنك أكتسبتى هذا الأسم المستعار منذ خمس سنوات ..
فتم الرد برسالة كتابية : أنا بحب الذكاء مش الأستذكاء ..
عاد خالد و جلس على مقعده دون أن يشعر به محمود ، كان الأخير منهمكاً فى مناوشته مع وردة الجنة و مازال جهله بعالم وردة الجنة مستمراً إلى أن أنتزع منها أعترافاً أن حقاً لوفاة والدتها نصيب كبير من أتخاذ أسمها المستعار ..
طال الحوار بينهما حتى مل خالد من الجلوس بمفرده فصاح فى محمود و طلب منه ترك هاتفه فهذه المقابلة تتكرر بينهما على فترات متباعدة ، أعتذر له محمود و طلب منه أن يمهله دقائق فقد أقترب من معرفة أسم الفتاة , فتعجب خالد وسأله أى فتاة التى تتحدث معها و أنت عدو للجنس الناعم بجميع أعماره ؟!
لم ينتبه محمود أصلاً لتنمر خالد عليه و غرق فى المحادثة مرة أخرى و قد وصلت لذروتها عندما سأل الفتاة عن أسمها الحقيقى و قد أشارت له فى معمعة المحادثة أنها ستخبره به ، لقد أنسجم الحوار بينهما فكان محمود يجيد فن أدارة الحوار .. هو يحملق فى الشاشة لملاحظته أنها تكتب له بعد أعادة سؤاله لها عن أسمها .. كان ينتظر و كله لهفة لمعرفة أسم هذه الفتاة و التى تبدو له أنها مختلفة عن باقى جنسها .. توقفت عن الكتابة و ظهر الرد فجأة أمامه ..
أسمى جميلة .. جميلة الجزيرى ..
مازالت هذه الفتاة قادرة فى نهاية كل محادثة مع محمود على أن تتركه و هو يحدق لشاشة موبايله و عيناه مفتوحتان عن أخرهما ..
*********************
مضت شهور قليلة على خطوة الجزيرى الجريئة فى أستبدال العنصر البشرى بنظيره الألى .. شهوراً قليلة كانت كفيلة لأن تحول الفيروس لوباء .. لقد أكتسحت الروبوتات جميع مصانع و شركات الجانب الشرقى فى ( مدينتنا ) و تم تسريح العاملين بهذه الكيانات مما تسبب فى أحتقان الوضع فى الجانب الغربى و تحويله لكتلة غاضبة عاطلة ..
بات الوضع سيئاً للغاية بعد أن طبق رجال أعمال المدينة نظرية مضاعفة الأنتاج بأستخدام الروبوتات و فضلوا مصالحهم الشخصية على حساب العمال و الموظفين أصحاب البيوت ..
تحول الوضع فى الجانب الغربى لبركان خامد لكن بدأ يوحى ظاهره بما فى باطنه كان جوفه يفور بحمم الغضب التى تحفر لنفسها مخارج لتنطلق منها و تخرج عن سكونها ..
الصورة العامة للوضع فى الجانب الغربى بالأحرى فى هذه الفترة بعد أن بات الوضع الأقتصادى خيالياً و أصبحت الأسعار حرة طليقة لا يسيطر عليها أحد و تتنامى بتضخم مرضى ملحوظ ، أصبح الحال عبارة عن تزايد فى عدد حالات الطلاق .. بدء ظاهرة العنف التى تتطور للجريمة فى أحياناً كثيرة .. ظهر عم ضياء مرة أخرى الذى لا يكف عن الأعتراض و حث المتضررين الذين يقعون فى طريقه على المطالبة بتغيير الأوضاع .. ظهر العديد من الشخصيات أمثال عم ضياء و سلكوا نفس الأتجاه و أنشغلوا بالبحث عن المتضررين لحشدهم .. كان التجاوب معهم أيجابياً للغاية فكان مواطنين الجانب الغربى على أهبة الأستعداد النفسى للثورة ، فقط كانوا ينتظرون من يحركهم و يوجههم ..
أتفق عم ضياء و أمثاله من مجلس قيادة الثورة فى ( مدينتنا ) على حشد مواطنين الجانب الغربى فى ( ميدان العاصمة ) و هو أكبر ميدان فى الجانب الشرقى و يسع لأكثر من عشرة ألاف شخص ..
هكذا دغدغ مجلس قيادة ثورة ( مدينتنا ) الطبقة السطحية لبركان الغضب لدى المواطنين مما أدى لتهتك قشرة الصبر لديهم فأنطلقت حمم الغضب لتملأ الأجواء و تم بالفعل فى اليوم الذى تم تحديده من قبل ( مجلس قيادة ثورة المدينة ) الحشد و التجمهر للأعتصام فى ( ميدان العاصمة ) مما دق ناقوس الخطر و بشدة فى الجانب الشرقى فأدى ذلك لزلزلة أرض الأستقرار تحت أقدام رجال أعمال ( مدينتنا ) و بدأ مواطنين الجانب الشرقى يطالبون بحفظ الأمن و الأمان للجانب الشرقى و للمدينة بأكملها بعد أن أنتقل التوتر و القلق من الجانب الغربى للجانب الشرقى ليعم المدينة بأكملها و قد حذر العديد من مواطنيها العقلاء و أكدوا على ضرورة السيطرة على الوضع قبل أن تنتشر الفوضى فتطول كل مكان !!
*******************
تحركت قوات الشرطة من مركز شرطة ( مدينتنا ) و أتجهت إلى ( ميدان العاصمة ) بالجانب الشرقى فور وصول البلاغ الأول عن وجود أعتصام بالميدان الرئيسى للمدينة و قد تم أعلان المعتصمين عن أستمرار الأعتصام لأيام أو لأسابيع و ربما لشهور و هذا يتوقف على مدى الأستجابة لمطالبهم ..
بدا ذلك جلياً من اليفط التى يرفعها المعتصمين .. مئات البلاغات توالت تباعاً على مركز الشرطة مما دعا لطلب تعزيزات أمنية تحسباً لأي تطورات قد تطرأ ..
وصلت قوات الأمن للميدان و قد بدا المشهد مهيباً بالنسبة لهم لذلك تم الأتصال بالقيادات لتعجيل التعزيزات الأمنية ، كما حضر عدد لا بأس به من رتب أمنية لمحاولة أحتواء الوضع القائم .. تم مخاطبة ألاف المعتصمين مرات عديدة و لكنهم لم يستجيبوا لفض الأعتصام و عرضوا مطالبهم بكل سلمية و شرطهم الوحيد لفض الأعتصام هو تلبية مطالبهم و هو أيضاً مطلب وحيد وهو أيجاد مصدر رزق أخر بدلاً من الذى خسروه .. أمرتهم القوات الأمنية بالتفرق و سيتم بحث المشكلة مع المسؤلين و أيجاد حل فى أقرب فرصة لأن حلول مثل هذه النوعية من المشكلات يتطلب بالتأكيد لأكثر من يوم و أكدوا لهم أنهم لم و لن يوافقوا على أستمرار الأعتصام فى الشارع لأنه يهدد الأمن العام ..
لم يبالى المعتصمين بالكلام بل أكدوا أنهم لن يعودوا لمنازلهم إلا بعد الألتزام أمامهم بوعود حقيقية واقعية تضمن لهم توفير فرص عمل
تعينهم على المعيشة ..
لم يكن أمام القوات الأمنية خيارات ، فكان الأمر محسوماً لهم فالمعتصمين ليس لهم أى أغراض غير مقبولة كما أنهم سلميين و يحافظون على ذلك فلا خيار أمامهم أذن غير الأجتماع بكبار رجال أعمال المدينة المتسببين فيما وصل إليه الوضع الراهن لألزامهم بأيجاد حل يطفأ لهيب الغضب الذى أصاب المعتصمين ..
بالفعل بعد مرور ساعاتان تم عقد أجتماع عاجل بفيلا أحمد الماظة بحضور كلاً من رجل الأعمال الجزيرى و رجل الأعمال المنفلوطى و عدد لا بأس به من رجال أعمال المدينة المساهمين فى أضطراب الوضع الراهن , و حضر الأجتماع عدد من القيادات الأمنية العليا و التى دعت لهذا الأجتماع و قد لخصوا للحضور من رجال الأعمال الوضع الحالى و المستقبلى لأمن المدينة فلابد من إيجاد حلول جذرية و سريعة لمعاونة المتضررين بدلاً من تطور الأمور و اللجوء لتدخل مكاتب العمل من خارج المدينة و فرض عقوبات قد تغرمهم بتعويضات كبيرة مما يؤدى لعرقلة عجلة العمل بمصانعهم و شركاتهم ..
بعد شد و جذب بين الطرفين .. طرف رجال الأعمال و الطرف الآخر و هو القوات الأمنية و قد شاعت موجة غضب بين رجال الأعمال لما أعتبروه من تهديد صريح لهم و كادت أن تتدهور لغة الحوار و التفاهم بين الطرفين لكن كان فى كلاً من الطرفين رجلاً رشيداً أستطاع ان يتمسك بنقط التفاهم فى الحوار و وصلوا لضرورة إيجاد فرص عمل بديلة للمعتصمين و لكن طلب الرجل الرشيد فى رجال الأعمال و كان أحمد الماظة من الرجل الرشيد فى قوات الأمن أن يمنحوهم أسبوعاً على الأقل ليتمكنوا من حل هذه المشكلة ..
وافقت القوات الأمنية و لكنها أشترطت على بعض رجال الأعمال مرافقتهم لموقع الأعتصام للتأكيد على جدية حل المشكلة أمام المعتصمين و بالفعل كان الرجل الرشيد فى القوات الأمنية رشيداً و مقنعاً لثوار لقمة العيش حيث تعهد أمامهم أنه فى غضون أسبوع سيتوفر حل مرضى للجميع و عليه فيتوجب عليهم فض الأعتصام و أن يعودوا أدراجهم لمنازلهم و إن لم يحدث تغيير بعد أسبوع و هذا مستحيلاً .. فهم يعرفون طريق الميدان فلهم الحق للأعتصام وقتها و سيكون أعتصامهم تحت حماية القوات الأمنية !!
بعد الخطبة المعسولة من هذا القائد و بعد تأكيد رجال الأعمال الحاضرين على كلامه لم يكن أمام الثوار أى أختيار غير الإستجابة لمناشدة القائد الأمنى و بالفعل بدأت جموع المتضررين فى التفرق شيئاً فشيئاً حتى تلاشت تماماً فعادت للميدان رئته ليتنفس بحريته مرة أخرى ..
هم رجال الأعمال أيضاً بالرحيل و كذلك قوات الأمن ، فعزم أحمد الماظة على الجزيرى بتناول فنجان قهوة بمكتبه الخاص فى فيلته بأرض الرخاء فرحب الجزيرى بذلك و أستقل الماظة سيارته برفقة الجزيرى و توجها إلى أرض الرخاء مع سماع أغنية لكوكب الشرق و كلاً منهما يحمل سيجار سميك بين أصبعيه فى أنسجام مع الجو العام حتى تفاجأ الماظة بظهور مفاجئ لسيارة حاولت تفادى التصادم معه و توقفت على فاصل سم واحد تقريباً مع سيارته ، نزل من السيارة المتهورة شاب قد ضربه مخدر الحشيش بقوة و يؤكد هذا سيجارة الحشيش التى نزل بها و نزلت من سيارة الشاب فتاة شبه عارية تترنح أثر سيجارة حشيش أيضاً كانت تسحب منها ثم تنفث سحب كثيفة من الدخان ، كان الشاب يقف فى حالة عدم أتزان و يوجه إتهامات بصورة غير لائقة لألماظة حتى نزل ألماظة من سيارته ليتحقق من الشاب المسطول لكن الجزيرى داخل السيارة كان قد تحقق بالفعل من هذا الشاب أنه .. نهاوند ..
نزل الجزيرى من السيارة و عيناه ثاقبتان لا يرفعهما عن نهاوند
حتى تلاقت نظراتهما ، هنا تحقق الماظة أنه نهاوند الجزيرى ..
الماظة بالطبع يعلم أن فيلا نهاوند تقع فى نفس محيط فيلته و الطريق المؤدى لكلا الفيلتين واحد لكنه لم يكن يعلم أنه سيقابله بهذه الطريقة و فى هذا التوقيت ..
نظرات الجزيرى لنهاوند كانت ثاقبة و مؤثرة بقوة سكب جردل من الماء المثلج على رأس نهاوند الذى أبتلع لسانه و تمنى
لو أنشقت الأرض من تحته و أبتلعته فى هذه اللحظة ..
أشاح الجزيرى بوجهه بما يعنى أنه ليس هناك فائدة ، ثم أدار ظهره لنهاوند و عاد للسيارة و هو يقول لألماظة :
يلا نمشى من هنا ..
*****************
كانت لأجابة فتاة ( وردة الجنة ) على سؤال محمود عن أسمها
واقع السحر عليه .. هو لم يتوقع أطلاقا أن ( موطن الفاشلين ) المنهار كان يخبئ بين مواطنيه شخصيات بارزة أمثال أبنة الجزيرى أنجح رجال أعمال ( مدينتنا ) .. راودته الأسئلة و سيطرت عليه الحيرة و سأل نفسه كيف لهذه البرنسيسة أن تطأ قدميها أرض الفقراء و البائسين الفاشلين
و تتعامل على أنها واحدة منهم ؟؟
هل جميلة تعمل صحفية أم أنه فضول منها أو قد يكون بدافع التسلية أم أن هناك أغراض أخرى لم تفصح عنها بعد ؟؟
كان يسأل دون أن يتلقى أي أجابة و مع ذلك أستمر هذا التحقيق الذاتى لكنه أنتبه و أجاب على واحد من عشرات الأسئلة التى وجهها لنفسه و أخبر نفسه أنها كانت تشارك ببوستات عديدة و كانت البوستات يشوبها الحزن و يتخللها بصيصاً من الأمل ، فعاد يحلل الموقف و لكن بأسئلة جديدة فيسأل ذاته كيف لهذه الفتاة و العالم بين يديها أن تكون حزينة بائسة
و تشعر بالأمان فى ( موطن الفاشلين ) !!
هى غامضة و كان لغموضها الفضل فى خلق كيمياء من المشاعر و الأحاسيس بداخله تجاهها و تتطور طرديا مع كل محادثة معها ، لكن الأن بعد معرفة أنها من الجانب الشرقى و بالأحرى أبنة رجل الأعمال الناجح الجزيرى ، فلابد من ترجيح كفة المنطق على كفة الكيمياء التى تكونت بداخله حتى
لا يرسب فى هذا الأختبار .. أختبار جميلة الجزيرى ..
بعد هذا التحقيق المجهد الذى قام به محمود مع ذاته قرر أستدعاء الطرف الأخر لسماع أقواله ليهتدى لحقيقة الأمر فى قضيته الخاصة .. بالفعل فتح محمود الماسنجر و دخل مباشرة على المحادثة الخاصة بجميلة و لحسن الحظ كانت النقطة الخضراء بجانب أسمها مضيئة مما حمسه على فتح المحادثة و محاورتها و مازالت الأسئلة طازجة برأسه ..
ألقى السلام أولاً فـ ردت جميلة السلام ثم أرسلت له أيموشن ضحك فأرسل إليها أيموشن تعجب فأجابته بسؤال و كتبت له :
أين ذهبت بعد معرفة أسمى ؟ أنا ظننت أنك قرأتها لوسيفر و ليس جميلة .. و كان هذا سبب فزعك !
فأجابها : كيف ملاك مثلك يقارن ب شيطان .. و بدأ تجاذب أطراف الحديث حتى وصل محمود لنقطة مناسبة لأنطلاق أسئلته و عند هذه اللحظة أنهال محمود على جميلة بحيرته و تخبطه و كان ينتظر الهداية فى أجاباتها ليهدى ضالته ..
أخبرته جميلة أن ليس للثروة و لا للجاه مذاق بعد فقدان والدتها لا سيما فى حالتها و قد كانت والدتها هى الدنيا و ما فيها .. كانت فى ناظريها الثروة و القوة و الحنان و الأمان .. كانت الصديقة و الأم و الأخت و السند كانت مرتبطة بها أرتباط مرضى , لذلك لم تتحمل مغادرتها للحياة و لم تقوى على مفارقتها .. كان لخبر الوفاة أثر قوى عليها أدى وقتها لأرتفاع ضغط الدم مما زاد من التأثير و الضغط على الأوعية الدموية فوصل الأمر إلى تمزق الأوعية الدموية مما أدى لأصابتها بالشلل و أخبرته أنها أصبحت بعدما فقدت والدتها
جليسة كرسى متحرك !
مازالت جميلة قادرة على جعل محمود فى نهاية كل محادثة معها أن يحدق لشاشة موبايله و عيناه مفتوحتان عن أخرهما !!!
*******************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الثالث
- 3 -
التقليد الأعمى هو النقل الحرفى لكثير من أفعال دول الغرب و محاولة
تطبيقها فى مجتمعاتنا الشرقية رغم تناقضها معها و مع ذلك
تنال أعجاب الكثير و يدعموها !
التقليد المبصر هو مصطلح ظهر حديثاً فى ( مدينتنا ) و يعزى الفضل فى ذلك للجزيرى نتيجة أستبداله للعنصر البشرى بنظيره الألى و تحقيق أنتاج مضاعف لما كان عليه الوضع سالفاً فى مصنعه ..
مما حفز بعضاً من رجال أعمال ( مدينتنا ) للفكرة وراقت لهم كثيرآ بعد ضمان نجاحها من مراقبة تجربة الجزيرى ..
واحداً من هؤلاء الرجال الذين راقت لهم تجربة الجزيرى يدعى منير المنفلوطى و يمتلك مصنع التونة الشهير بـ ( مدينتنا ) و قد أستخدم حيلة خفض مرتبات العمال للنصف بـ داعى خسارة المصنع و عدم توافر بعض الخامات الأساسية مما أجبر عدد كبير من عمال المصنع على تقديم أستقالاتهم و الرحيل للبحث عن لقمة عيش فى مصنع أخر أو شركة أخرى ..
أما القلائل المتبقين و لم يغادروا المصنع فقد تمكن المنفلوطى من أقناعهم أن وضع العمل أصبح من سئ لأسوأ لا سيما بعد رحيل كم هائل من العمال و مغادرتهم المصنع مما أدى لشلل كلى فى دورة ....... [المزيد]