❞ مقدمة
نبذة عن الأمثال الشعبية
ارتبط المجتمع العربي بقول الأمثال والاستدلال بها
, في مختلف المواقف
, فالأمثال ميراث الآباء للأبناء
, ويرى البعض أنها ضرورة
, وما من أمة أو مجتمع إلا واستعان بهذا الأدب الشعبي
, فعبارة موجزة بليغة تغني عن شرح وسرد موقف أو إهداء نصيحة بحوار طويل
, والمثل يعد من أفضل الآداب التي يمكن للمرء التعبير بها في أثناء الحديث
, وإيصال الفكرة المطلوبة بسهولة
, وهو يعبر عن موضوعات عامة ومشتركة بين الناس. وفي الغالب يصاحب المثل قصة من الممكن أن تكون حقيقية ووقعت بالفعل
, ولكن في أغلب الأحيان تكون القصة من الخيال
, ولذا نجد تعدد بعض القصص للمثل الواحد وتغير المشاهد من قصة لأخرى
, ذلك لطول العهد بين رؤية المستدل بالمثل وصاحب القصة
, وحاجة المجتمع لهذا النوع من الإضافة والتوضيح.
ونرى أن قائل المثل يردده بقوة صاحب الحجة والبرهان
, وكأنه استدل بخبر من السماء
, وعلى المستمع السمع والطاعة والرضوخ
, وأحيانًا لا يحق للمستمع حتى المناقشة
, لأن القائل معه الحجة والبرهان
, ولا تملك رد قوله لأن معه الدليل كما يظن.
المثل له معنى في اللغة وآخر في المصطلح..
المثل في اللغة: النظير والشبه.
المثل في المصطلح: هو الأقوال التي تورث من الآباء للأبناء
, وتعكس ثقافة المجتمع
, وهو جملة مفيدة موجزة متواترة شفهيًا من جيل إلى جيل
, والأمثال ˝علم سماعي˝ ينتقل شفهيًا عبر الأجيال والأقطار
, وقد يضاف إليه أو يحذف منه
, ويظل المعنى في الأعم الأغلب واحدًا.
ويصدر المثل عن جموع الناس كل الناس
, وهو عبارة بليغة موجزة جميلة الصياغة
, وقوية التأثير والدلالة
, وعادةً ما يحظى بالقبول والانتشار والتداول والتواتر.
ولا يشترط أن يكون المثل صحيح المعنى
, فهناك أمثال غير صحيحة الدلالة
, وشُرِح ذلك في الجزء الأول من هذه السلسلة
, في كتاب ˝دور الحكمة والأمثال الشعبية في المجتمع˝
, وهناك مثل عكس مثل
, نعم
, لأن الأمثال قول البشر
, ولا تصدر عن نفس الشخص
, ويختلف الزمان والمكان بين كل مثل وعكسه
, وكذلك ثقافة المجتمع الصادر منه المثل
, ومن هنا كان الاختلاف.
وقد يكون الاختلاف مقبولًا ويصح الجمع بينهما
, فليس كل اختلاف تضادًا
, فقد يكون الاختلاف في الحالة التي يستدل بها على المثل
, وهناك أمثال تخالف الشرع والدين
, وفي المقابل هناك أمثال من القرآن والسنة
, والمولى -سبحانه وتعالى- ضرب لنا الأمثال في كتابه العزيز
, نجد أيضًا في السنة المطهرة العديد من الأمثال
, وقد ذكرنا في الجزء الأول من هذه السلسلة أنواع الأمثال في الكتاب والسنة
, التي ذكرت لتوضيح المعنى وتبسيط المعلومة
, وهناك أمثال تحاكي تجارب الحكماء
, والنصح والإرشاد
, والعلم والتعليم
, والصناعة
, والزراعة
, والطقس
, والآداب.
باختصار الأمثال وردت في كل فنون الحياة.
المطلوب: مراجعة المثل ومعايرته
, فإن اختلف مع الشرع والدين والثوابت والموروثات الصحيحة
, لا نعتقد فيه ولا نردده
, وننصح بعدم قبوله وقوله وتداوله
, وإن اتفق قبلناه
, لأن المولى -سبحانه وتعالى- سيسأل العباد عن الأقوال والأفعال والاعتقاد. قال سبحانه: (وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). والرسول (ص) قال: ˝أو لا يكب الناس على وجوههم في النار يوم القيامة إلا من حصائد ألسنتهم˝.
فالكلمة أمانة
, والعبد مسؤول عنها
, ولذا لزم ضبط الأقوال التي نرددها
, وننصح بها مع ميزان الشرع.
الفرق بين المثل والحكمة
المثل لا يشترط أن يكون صحيح المعنى
, ولكنه صادف ظرفًا اشتهر به
, وتم تداوله وتواتره بين الناس. أما الحكمة فلا بد أن تكون صادقة في كل الأحوال
, لأن نظرة قائل المثل موضوعية
, صادرة من عامة الناس
, أما قائل الحكمة حكيم وذو نظرة شمولية من جميع الجوانب
, ولا بد أن تتفق مع شرع الله.
باب معنى القصة والحكاية والفرق بينهما
سنتعرض في هذا الكتاب لقصة مثل أو حكاية مثل
, وبداية لا بد أن نوضح الفرق بين القصة والحكاية
, ومعنى الحكاية التي سنتخذها وسيلة لعرض الأحداث
, وأنواعها.
الحكاية والقصة والفرق بينهما:
الحكاية: هي نص شفهي روائي
, يرويه جيل عن جيل
, وهي متوارثة
, ويضاف إليها أو يحذف منها
, والإبداع فيها يعتمد على الراوي وطريقة عرض الحكاية
, فليس لها كاتب
, وهي موروث ولسان الجماعة وملك للجميع.
القصة: هي لكاتب معين
, تعبر عنه وعن رؤيته الخاصة
, بمنظور فردي
, وليست رؤية مجتمعية
, ولا يجوز الإضافة أو الحذف منها
, والحكاية كلمة اشتُقَت من كلمة (حكي) وهي التلقي بطريقة شفهية
, ولا يستطيع المتلقي (المستمع) أن يضيف عليها بخياله
, والمكان بالحكاية غير ذي قيمة أو تأثير بالغ كما بالقصة
, أما القصة لها ضوابط مختلفة
, وتسمح للقارئ بالتخيل
, والحكاية من الممكن أن تتحول إلى قصة بعد إعادة صياغتها وكتابتها
, وخلق أحداث وحبكة ترويها شخصيات القصة لا الراوي
, وتم ذلك في بعض القصص التاريخية وترجمة بعض الحكايات الشعبية الموروثة وتحويلها إلى قصص.
والشاهد: أن الأمثال الهدف منها الدرس والعبرة والنصح والتحذير
, في صور بسيطة موجزة
, ولذا فقصة المثل أو حكاية المثل تأتي في نفس السياق
, ويأتي المثل من الخيال
, ويضاف إليه أو يحذف منه
, أو يُسقَط
, ولذا نرى أن حكاية المثل تأتي وقد تولد من أصل الحكاية (فتكون حكاية المثل)
, ومن الممكن أن يكون المثل ثم تأتي الحكاية لتوضيح معنى ومغزى المثل
, وقد تُروى حكاية المثل على لسان إنسان أو حيوان
, والأصل في سرد الحكاية أنها متواترة لهذا المثل
, وقد يرد للمثل أكثر من حكاية
, نتعرض لها أو نروي أكثرها انتشارًا وتداولًا بين الناس
, وقد نستعين ببعض الحكايات لشرح بعض الأمثال
, رأينا أنها مناسبة لشرح وتوضيح المعنى.
د. عادل سالم محمد خلف. ❝