█ حوار مع صديقي الملحد إذا كان الله قدَّر عليّ أفعالي فلماذا يحاسبني؟ قال شماتة وقد تصوّر أنه أمسكني من عنقي وأنه لا مهرب لي هذه المرة : أنتم تقولون إن يُجري كل شيء مملكته بقضاء وقدر وإن علينا أفعالنا فإذا هذا هو حالي وأن كلها مقدّرة عنده يحاسبني عليها ؟ لا تقل كعادتك أنا مخيـَّر فليس هناك فرية أكبر الفرية ودعني أسألك : هل خُـيّرتُ ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ؟ هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ؟ هل ينزل عليَّ القضاء ويفاجئني الموت وأقع المأساة فلا أجد مخرجاً إلا الجريمة لماذا يُكرهني فعل ثم يؤاخذني عليه ؟ وإذا قلت إنك حر لك مشيئة إلى جوار ألا تشرك بهذا الكلام وتقع القول بتعدد المشيئات ؟ ثم ما قولك حكم البيئة والظروف وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون ؟ أطلق صاحبي الرصاصات راح يتنفس الصعداء راحة تصوَّر أني توفيت وانتهيت ولم يبق أمامه استحضار الكفن قلت له هدوء : أنت واقع عدة مغالطات فأفعالك معلومة عند كتابه ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه إنها مقدَّرة علمه فقط كما تقدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024 رد أسئله لملحدين الدين الإسلامي رائع بالدلائل والأمثله يجيب عن تساؤلات عقلنا فترة نمر ويرد الآخرين الماديين صديقى رجل يحب الجدل ويهوى وهو يعتقد أننا أنفسنا المؤمنون السذج نقتات بالاوهام ونضحك بالجنة والحوار العين وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها وصديقى بهذه المناسبة تخرج فرنسا وحصل دكتوراه وعاش الهيبيز تاريخ آخر ينكر لا هل ؟ أطلق الكفن قلت أنت يحدث بالفعل فهل أكرهته أو تقديراً العلم أصاب علمك أما كلامك الحرية بأنها وتدليلك ذلك بأنك لم تخيَّر ميلادك ولا جنسك طولك لونك موطنك وأنك تملك نقل مكانها تخليط وسبب التخليط أنك تتصوَّر بالطريقة غير تلك نتصورها نحن المؤمنين أنت تتكلم حرية مطلقة فتقول أكنت أستطيع أخلق نفسي أبيض أسود طويلا قصيراً بإمكاني أنقل أوقفها مدارها أين حريتي ؟ ونحن نقول : تسأل التصرف الكون وهذه ملك لله وحده أيضاً { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } 68 سورة القصص ليس لأحد الخيرة مسألة الخلق لأن الذي يخلق يشاء ويختار ولن يحاسبك قِصَرك ولن يعاتبك يعاقبك لأنك توقف ولكن مجال المساءلة التكليف وأنت المجال هي الحدود نتكلم فيها تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة أنت تستطيع تجود بمالك ونفسك تصدق تكذب وتستطيع تكف يدك المال الحرام بصرك عورات تمسك لسانك السباب والغيبة والنميمة في أحرار وفي نُحاسَب ونُسأل الحرية يدور حولها البحث النسبية وليست المطلقة الإنسان التكليف وهذه حقيقة ودليلنا شعورنا الفطري داخلنا فنحن نشعر بالمسئولية وبالندم الخطأ وبالراحة للعمل الطيب ونحن لحظة نختار ونوازن بين احتمالات متعددة بل وظيفة الأولى الترجيح والاختيار البديلات ونحن نفرق بشكل واضح وحاسم يدنا وهي ترتعش بالحمى ويدنا تكتب خطاباً فنقول حركة جبرية قهرية والحركة الثانية حرة اختيارية ولو كنا مسيرين الحالتين لما استطعنا التفرقة ويؤكد به استحالة إكراه القلب يرضاه تحت أي ضغط فيمكنك تُكره امرأة بالتهديد والضرب تخلع ثيابها ولكنك بأي تهديد تجعلها تحبك قلبها ومعنى أعتق قلوبنا صنوف الإكراه والإجبار فطرها ولهذا جعل والنية عمدة الأحكام فالمؤمن ينطق بعبارة الشرك والكفر التهديد والتعذيب يحاسب طالما قلبه الداخل مطمئن بالإيمان استثناه المؤاخذة قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ٌ} 106 النحل والوجه الآخر الخلط المسألة بعض الناس يفهم علو المشيئة وانفراد بالأمر فيتهم القائلين بالحرية بأنهم أشركوا بالله وجعلوا أنداداً يأمرون كأمره ويحكمون كحكمه وهذا فهمته فقلت فهم خاطئ فالحرية الإنسانية تعلو الإلهية إن قد يفعل بحريته ينافي الرضا الإلهي ولكنه يستطيع الله أعطانا نعلو رضاه "فنعصيه" يعط أحداً يعلو مشيئته وهنا وجه وجوه نسبية وكل منا داخل وضمنها خالف وجانب الشريعة وحريتنا ذاتها كانت منحة إلهية وهبة منحها لنا الخالق باختياره نأخذها منه كرهاً غصباً إن حريتنا عين ومن هنا معنى الآية {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن اللَّهُ 30 الإنسان لأن مشيئتنا ضمن ومنحة كرمه وفضله فهي إرادته ثنائية تناقض منافسة لأمر وحكمه والقول المعنى التوحيد يجعل يحكمون ويأمرون فإن حرياتنا أمره ومشيئته والوجه الثالث للخلط تناولوا والقدر والتسيير والتخيير فهموا بأنه للإنسان طبعه وطبيعته خطأ وقعت فيه نفى نفسه بآيات صريحة {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} 4 الشعراء والمعنى الممكن نُكره الإيمان بالآيات الملزمة ولكننا نفعل لأنه ليس سنتنا { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ 256 البقرة { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ 99 يونس ليس سُنة والقضاء يصح يُفهم للناس طبائعهم وإنما العكس يقضي إنسان جنس نيته ويشاء ويريد تسيير تخيير العبد يسيِّر امرئ هوى وعلى مقتضى نياته يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ حَرْثِهِ وَمَن الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا 20 الشورى { قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً 10 البقرة { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى 17 محمد وهو يخاطب الأسرى القرآن إِن يَعْلَمِ قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ 70 الأنفال الله ويقدِّر ويجري قضاءه وقدره النية والقلب شراً فشر خيراً فخير ومعنى التسيير التخيير الله يسيِّرنا اخترناه بقلوبنا ونياتنا ظلم جبر قهر طبائعنا { فَأَمَّا أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ لِلْعُسْرَى 5 الليل { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى الأنفال هنا تلتقي رمية والرمية المقدَّرة الرب فتكون واحدة مفتاح لغز التمكين فخير فشر والحرية مقداراً ثابتاً قدرة قابلة للزيادة الإنسان يزيد حريته بالعلم باختراع الوسائل والأدوات والمواصلات استطاع يطوي الأرض ويهزم المسافات ويخترق قيود الزمان والمكان وبدراسة قوانين يتحكم ويسخرها لخدمته وعرف كيف يهزم الحر والبرد والظلام وبذلك يضاعف حرياته الفعل العلم وسيلة كسر القيود والأغلال وإطلاق أما الوسيلة فكانت الاستمداد بالتقرب والأخذ عنه بالوحي والتلقي والتأييد الأنبياء ومن دربهم سخّر سليمان الجن وركب الريح وكلّم الطير بمعونة ومدده وشق موسى البحر وأحيا المسيح الموتى ومشى الماء وأبرأ الأكمه والأبرص والأعمى ونقرأ الأولياء أصحاب الكرامات الذين تُطوى لهم وتكشف المغيبات وهي درجات اكتسبوها بالاجتهاد العبادة والتقرب والتحبب إليه فأفاض عليهم المكنون إنه مرة أخرى ولكنه "اللدني" ولهذا يُلخص أبو حامد الغزالي مشكلة المخيَّر والمسيَّر قائلاً كلمتين الإنسان مخيَّر فيما يعلم مسيَّر وهو يعني كلما اتسع سواء المقصود الموضوعي اللدنِّي ويخطئ المفكرون أشد حينما يتصورون أسير التاريخية والطبقية ويجعلون حلقة سلسلة الحلقات فكاك الخضوع لقوانين الاقتصاد وحركة المجتمع كأنما قشة تيار بلا ذراعين وبلا إرادة والكلمة يرددونها يتعبون ترديدها وكأنها قانون "حتمية الصراع الطبقي" كلمة خاطئة التحليل العلمي حتميات الإنساني الأكثر ترجيحات واحتمالات الفرق وبين التروس والآلات والأجسام المادية فيمكن التنبوء بخسوف بالدقيقة والثانية ويمكن التنبؤ بحركاتها المستقبلة مدى أيام وسنين أما يمكن أحد ماذا يُضمر وماذا يُخبئ غداً بعد غد معرفة سبيل الاحتمال والترجيح والتخمين وذلك فرض توفر المعلومات الكافية للحكم وقد أخطأت جميع تنبؤات كارل ماركس فلم تبدأ الشيوعية بلد متقدم تنبأ متخلف يتفاقم الرأسمالية والشيوعية تقارب الاثنان حالة التعايش السلمي وأكثر فتحت البلاد أبوابها لرأس الأمريكي تتصاعد التناقضات الرأسمالي الإفلاس توقعه ازدهر ووقع الشقاق والخلاف أطراف المعسكر الاشتراكي ذاته أخطأت حسابات جميعها دالة بذلك منهجه الحتمي ورأينا صراع العصر يحرك التاريخ اللاطبقي الصين وروسيا وليس الطبقي جعله عنوان وكلها شواهد فشل الفكر المادي والتاريخ وتخبطه حساب المستقبل وجاء نتيجة جوهري ذبابة شبكة ونسي تماماً أنّ أمّا كلام والمجتمع يعيش تتحرك فراغ نقول ردّاً كمقاومات للحرية الفردية إنما يؤكد الجدلي لهذه ينفيه تؤكد ّ مقاومة تزحزحها أما إذا يتحرك فراغ نوع فإنه يكون حراً بالمعنى المفهوم لن تكون عقبة يتغلب ويؤكد خلالها
❞ { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى } 17 سورة الأنفال
هنا تلتقي رمية العبد والرمية المقدَّرة من الرب ، فتكون رمية واحدة.. وهذا مفتاح لغز القضاء والقدر .. على العبد النية، وعلى الله التمكين، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر
والحرية الإنسانية ليست مقداراً ثابتاً ، ولكنها قدرة نسبية قابلة للزيادة . ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
هل مناسك الحج وثنية ؟
قال صاحبي وهو يفرك يديه ارتياحا ويبتسم ابتسامة خبيثة تبدي نواجذه وقد لمعت عيناه بذلك البريق الذي يبدو في وجه الملاكم حينما يتأهب لتوجيه ضربة قاضية .
- ألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة . ذلك البناء الحجري الذي تسمونه الكعبة وتتمسحون به وتطوفون حوله ، ورجم الشيطان .. والهرولة بين الصفا والمروة ، وتقبيل الحجر الأسود ..
وحكاية السبع طوفات والسبع رجمات والسبع هرولات وهي بقايا من خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوذات القديمة ، وثوب الإحرام الذي تلبسونه على اللحم ..
لا تؤاخذني إذا كنت أجرحك بهذه الصراحة ولكن لا حياء في العلم .
وراح ينفث دخان سيجارته ببطء ويراقبني من وراء نظارته .
قلت في هدوء :
- ألا تلاحظ معي أنت أيضا أن في قوانين المادة التي درستها أن الأصغر يطوف حول الأكبر ،
الإلكترون في الذرة يدور حول النواة ، والقمر حول الأرض ، والأرض حول الشمس ، والشمس حول المجرة ، والمجرة حول مجرة أكبر ، إلى أن نصل إلى " الأكبر مطلقا " وهو الله .. ألا نقول " الله أكبر " .. أي أكبر من كل شيء ..
وأنت الآن تطوف حوله ضمن مجموعتك الشمسية رغم أنفك ولا تملك إلا أن تطوف فلا شيء ثابت في الكون إلا الله هو الصمد الصامد الساكن والكل في حركة حوله ..
وهذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمته في الفيزياء ..
أما نحن فنطوف باختيارنا حول بيت الله ..
وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله ..
فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزا وبيتا لله ..
ألا تطوفون أنتم حول رجل محنط في الكرملين تعظمونه وتقولون أنه أفاد البشرية ، ولو عرفتم لشكسبير قبرا لتسابقتم إلى زيارته بأكثر مما نتسابق إلى زيارة محمد عليه الصلاة والسلام ..
ألا تضعون باقة ورد على نصب حجري وتقولون أنه يرمز للجندي المجهول فلماذا تلوموننا لأننا نلقي حجرا على نصب رمزي نقول أنه يرمز إلى الشيطان ..
ألا تعيش في هرولة من ميلادك إلى موتك ثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديد وهي نفس الرحلة الرمزية من الصفا " الصفاء أو الخواء أو الفراغ رمز للعدم " إلى المروة وهي النبع الذي يرمز إلى الحياة و الوجود ..
من العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدم ..
أليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقات ..
ألا ترى في مناسك الحج تلخيصا رمزيا عميقا لكل هذه الأسرار .
ورقم 7 الذي تسخر منه .. دعني أسألك ما السر في أن درجات السلم الموسيقي 7 صول لا سي دو ري مي فا ثم بعد المقام السابع يأتي جواب الصول من جديد .. فلا نجد 8 وإنما نعود إلى سبع درجات أخرى وهلم جرا ، وكذلك درجات الطيف الضوئي 7 وكذلك تدور الإلكترونات حول نواة الذرة في نطاقات 7 والجنين لا يكتمل إلا في الشهر 7 وإذا ولد قبل ذلك يموت وأيام الأسبوع عندنا وعند جميع أفراد الجنس البشري 7 وضعوها كذلك دون أن يجلسوا ويتفقوا ..
ألا يدل ذلك على شيء ..أم أن كل هذه العلوم هي الأخرى شعوذات طلسمية.
ألا تقبل خطابا من حبيبتك .. هل أنت وثني ؟ فلماذا تلومنا إذا قبلنا إذا قبلنا ذلك الحجر الأسود الذي حمله نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في ثوبه وقبله . لا وثنية في ذلك بالمرة .. لأننا لا نتجه بمناسك العبادة نحو الحجارة ذاتها .. وإنما نحو المعاني العميقة والرموز والذكريات .
إن مناسك الحج هي عدة مناسبات لتحريك الفكر وبعث المشاعر وإثارة التقوى في القلب . أما ثوب الإحرام الذي نلبسه على اللحم ونشترط ألا يكون مخيطا فهو رمز للخروج من زينة الدنيا وللتجرد التام أمام حضرة الخالق .. تماما كما نأتي إلى الدنيا في اللفة ونخرج من الدنيا في لفة وندخل القبر في لفة .. ألا تشترطون أنتم لبس البدل الرسمية لمقابلة الملك ونحن نقول : إنه لا شيء يليق بجلالة الله إلا التجرد وخلع جميع الزينة لأنه أعظم من جميع الملوك ولأنه لا يصلح في الوقفة أمامه إلا التواضع التام والتجرد .. ولأن هذا الثوب البسيط الذي يلبسه الغني والفقير والمهراجا والمليونير أمام الله فيه معنى آخر للأخوة رغم تفاوت المراتب والثروات .
والحج عندنا اجتماع عظيم ومؤتمر سنوي ..
ومثله صلاة الجمعة وهي المؤتمر الصغير الذي نلتقي فيه كل أسبوع .
هي كلها معان جميلة لمن يفكر ويتأمل .. وهي أبعد ما تكون عن الوثنية .
ولو وقفت معي في عرفة بين عدة ملايين يقولون الله أكبر ويتلون القرآن بأكثر من عشرين لغة ويهتفون لبيك اللهم لبيك ويبكون ويذوبون شوقا وحبا – لبكيت أنت أيضا دون أن تدري وتذوب في الجمع الغفير من الخلق .. وأحسست بذلك الفناء والخشوع أمام الإله العظيم مالك الملك الذي بيده مقاليد كل شيء .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
الروح ؟
قال صديقي الدكتور وهو يعلم هذه المرة أن الإشكال سيكون
عسيرا.
_ما دليلك على أن الإنسان له روح وأنه يبعث بعد موت وأنه ليس
مجرد الجسد الذي ينتهي إلى تراب .. وماذا يقول دينكم في
تحضير الأرواح ؟
قلت بعد برهة تفكير:
-لاشك أن السؤال اليوم صعب والكلام عن الروح ضرب في تيه
والحقائق الموجودة قليلة ولكنها مع ذلك في صفنا نحن وليست
في صفكم.
ومضيت برهة أغرقت فيها في التفكير ثم قلت مردفا:
-فكر معي قليلا .. إن أول المؤشرات التي تساعدنا على التدليل
على وجود الروح..
أن الإنسان ذو طبيعة مزدوجة.
الإنسان له طبيعتان:
طبيعة خارجية ظاهرة مشهودة هي جسده تتصف بكل صفات
المادة ، فهي قابلة للوزن والقياس متحيزة في المكان متزمنة
بالزمان دائمة التغير والحركة والصيرورة من حال إلى حال ومن
لحظة إلى لحظة فالجسد تتداول عليه الأحوال من صحة إلى
مرض إلى سمنة إلى هزال إلى تورد إلى شحوب إلى نشاط إلى
كسل إلى نوم إلى يقظة إلى جوع إلى شبع ، وملحق بهذه
الطبيعة الجسدية شريط من الانفعالات والعواطف والغرائز
والمخاوف لا يكف لحظة عن الجريان في الدماغ.
ولأن هذه الطبيعة والانفعالات الملحقة بها تتصف بخواص المادة
نقول إن جسد الإنسان ونفسه الحيوانية هما من المادة.
ولكن هناك طبيعة أخرى مخالفة تماما للأولى ومغايرة لها في
داخل الإنسان.
طبيعة من نوع آخر تتصف بالسكون واللازمان واللامكان والديمومة
.. هي العقل بمعاييره الثابتة وأقيسته ومقولاته .. والضمير
بأحكامه ، والحس الجمالي ، وال أنا التي تحمل كل تلك الصفات "
من عقل وضمير وحس جمالي وحس أخلاقي."
وال أنا غير الجسد تماما وغير النفس الحيوانية التي تلتهب بالجوع
والشبق.
ال أنا هي الذات العميقة المطلقة وعن طريق هذه الذات
والكينونة والشخوص والمثول في العالم .. وبأنه هنا وبأنه كان
دائما هنا .. وهو شعور ثابت ممتد لا يطرأ عليه التغير لا يسمن ولا
يهزل ولا يمرض لولا يتصف بالزمان .. وليس فيه ماض وحاضر
ومستقبل .. إنما هو " كن " مستمر لا ينصرم كما ينصرم الماضي ..
وإنما يتمثل في شعور بالدوام .. بالديمومة.
هنا نوع آخر من الوجود لا يتصف بصفات المادة فلا هو يطرأ عليه
التغير ولا هو يتحيز في المكان أو يتزمن بالزمان ولا هو يقبل الوزن
والقياس .. بالعكس نجد أن هذا الوجود هو الثابت الذي نقيس به
المتغيرات والمطلق الذي نعرف به كل ما هو نسبي في عالم
المادة.
وأصدق ما نصف به هذا الوجود أنه روحي وأن طبيعته روحية.
ولنا أن نسأل بعد ذلك.
أي الطبيعتين هي الإنسان حقا.
هل الإنسان بالحقيقة هو جسده أو روحه.
ولنعرف الجواب علينا أن نبحث أي الطبيعتين هي الحاكمة على
الأخرى.
يقول لنا الماديون أن الإنسان هو جسده ، وأن الجسد هو الحاكم
وأن كل ما ذكرت من عقل ومنطق وحس جمالي وحس أخلاقي
وضمير وهذه " التخريفة " التي اسمها الذات أو ال أنا كل هذه
ملحق بالجسد ثانوي عليه تابع له يأتمر بأمره ويقوم على خدمته
ويتولى إشباع شهواته وأهوائه.
هذا كلام إخواننا الماديين وهو خطأ ، فالحقيقة أن الجسد تابع
وليس متبوعا مأمور وليس آمرا ألا يجوع الجسد فنرفض إمداده
بالطعام لأننا قررنا أن نصوم هذا اليوم لله .. ألا يتحرك بشهوة
فنزجره ؟!
ألا نصحوا في الصباح فيبدأ الجسد تلقائيا في تنفيذ خطة عمل
وضعها العقل وصنف بنودها بندا بندا .. من ساعة إلى ساعة من
التابع هنا ومن المتبوع ؟
ولحظة التضحية بالنفس حينما يضع الفدائي حزام الديناميت حول
جسده ويتقدم ليحطم الدبابة ومن فيها .. أين جسده هنا .. أين
المصلحة المادية التي يحققها بموته .. ومن الذي يأمر الآخر .. إن
الروح تقرر إعدام الجسد في لحظة مثالية تماما لا يمكن أن
يفسرها مذهب مادي بأي مكسب مادي والجسد لا يستطيع أن
يقاوم هذا الأمر .. ولا يملك أي قوة لمواجهته ، لا يملك إلا أن
يتلاشى تماما .. وهنا يظهر أي الوجودين هو الأعلى .. وأي
الطبيعتين هي الإنسان حقا.
وعندنا اليوم أكثر من دليل على أن الجسد هو الوجود الثانوي .. ما
يجري الآن من حوادث البتر والاستبدال وزرع الأعضاء .. وما نقرأه
عن القلب الإلكتروني والكلية الصناعية وبنك الدم وبنك العيون
ومخازن الإكسسوار البشري حيث يجري تركيب السيقان والأذرع
والقلوب.
ولن تكون نكتة أن يدخل العريس على عروسه سنة 2000
فيجدها تخلع طقم الأسنان والباروكة والنهود الكاوتشوك والعين
الصناعية والساق الخشبية فلا يتبقى منها إلا هيكل مثل شاسيه
السيارة بعد نزع الجلد والكراسي والأبواب.
إلى هذه الدرجة يجري فك الجسم وتركيبه واستبداله دون أن
يحدث شيء للشخصية لأن هذه الذراع أو تلك الساق أو ذلك
الشعر أو العين أو النهد كل هذه الأشياء ليست هي الإنسان ..
فها هي تنقل وتستبدل وتوضع مكانها بطاريات ومسامير وقطع
من الألومنيوم دون أن يحدث شيء .. فالإنسان ليس هذه الأعضاء
وإنما هو الروح الجالسة على عجلة القيادة لتدير هذه الماكينة
التي اسمها الجسد .
إنها الإدارة التي يمثلها مجلس إدارة من خلايا المخ .. ولكنها
ليست المخ.
فالمخ مثله مثل خلايا الجسد يصدع بالأوامر التي تصدر إليه ويعبر
عنها ولكنه في النهاية ليس أكثر من قفاز لها .. قفاز تلبسه هذه
اليد الخفية التي اسمها الروح وتتصرف به في العالم المادي.
نفهم من هذه الشواهد كلها أن الإنسان له طبيعتان:
طبيعة جوهرية حاكمة هي روحه.
وطبيعة ثانوية زائلة هي جسده.
وما يحدث بالموت أن الطبيعة الزائلة تلتحق بالزوال والطبيعة
الخالدة تلتحق بالخلود فيلتحق الجسد بالتراب وتلتحق الروح
بعالمها الباقي.
ولعشاق الفلسفة نقدم دليلا آخر على وجود الروح من الخاصية
التي تتميز بها الحركة.
فالحركة لا يمكن رصدها إلا من خارجها.
لا يمكن أن تدرك الحركة وأن تتحرك معها في نفس الفلك وإنما لا
بد من عتبة خارجية تقف تقف عليها لترصدها .. ولهذا تأتي عليك
لحظة وأنت في أسانسير متحرك لا تستطيع أن تعرف هل هو
واقف أم متحرك لأنك أصبحت قطعة واحدة معه في حركته .. لا
تستطيع ادراك هذه الحركة إلا إذا نظرت من باب الأسانسير إلى
الرصيف الثابت في الخارج.
ونفس الحالة في قطار يسير بنعومة على القضبان .. لا تدرك
حركة مثل هذا القطار وأنت فيه إلا لحظة شروعه في الوقوف أو
لحظة إطلالك من النافذة على الرصيف الثابت في الخارج.
وبالمثل لا يمكنك رصد الشمس وأنت فوقها ولكن يمكنك رصدها
من القمر أو الأرض .. كما لا يمكنك رصد الأرض وأنت تسكن عليها
وإنما تستطيع رصدها من القمر.
لا تستطيع أن تحيط بحالة إلا إذا خرجت خارجها.
ولهذا ما كنا نستطيع إدراك مرور الزمن لولا أن الجزء المدرك فينا
يقف على عتبة منفصلة وخارجة عن هذا المرور الزمني المستمر
" أي على عتبة خلود " .ولو كان إدراكنا يقفز مع عقرب الثواني كل
لحظة لما استطعنا أن ندرك هذه الثواني أبدا ، ولا نصرم إدراكنا
كما تنصرم الثواني بدون أن يلاحظ شيئا.
وهي نتيجة مذهلة تعني أن هناك جزءا من وجودنا خارجا عن
إطار المرور الزمني " أي خالد " هو الذي يلاحظ الزمن من عتبة
سكون ويدركه دون أن يتورط فيه ولهذا لا يكبر ولا يشيخ ولا يهرم
ولا ينصرم .. ويوم يسقط الجسد ترابا سوف يظل هذا الجزء على
حاله حيا حياته الخاصة غير الزمنية هذا الجز هو الروح.
وكل منا يستطيع أن يحس بداخله هذا الوجود الروحي على صورة
حضور وديمومة وشخوص وكينونة مغايرة تماما للوجود المادي
المتغير المتقلب النابض مع الزمن خارجه.
هذه الحالة الداخلية التي ندركها في لحظات الصحو الباطني
والتي أسميتها حالة حضور .. هي المفتاح الذي يقودنا إلى
الوجود الروحي بداخلنا ويضع يدنا على هذا اللغز الذي اسمه
الروح...
ودليل آخر على طبيعتنا الروحية هو شعورنا الفطري بالحرية ، ولو
كنا أجساما مادية ضمن إطار حياة مادية تكمنا القوانين المادية
الحتمية لما كان هناك معنى لهذا الشعور الفطري بالحرية.
لنا الروح إذا تعلو على الزمن وتتخطى الموت وتتخطى الحتميات
المادية.
ماذا عن البعث إذا.
لم يعد أحد بعد الموت ليخبرنا ماذا جرى له.
ولم يأت يوم البعث لنقدم دليلا ملموسا أو شاهد عيان.
وكل ما يمكن قوله في موضوع البعث أنه حقيقة دينية يرجحها
العقل والعلم.
لماذا يرجحها العقل والعلم ؟
لأن شواهد الوجود وظواهره تشير جميعها إلى أن هناك عودا
على بدء ودورة لكل شيء .. بعد النهار يأتي الليل ثم يعود من
جديد فيأتي النهار ، والشمس تشرق ثم تغرب ثم تعود فتشرق.
الصيف والخريف والشتاء والربيع ثم تعود فتتكرر الدورة من جديد
فيأتي الصيف ثم الخريف ثم الشتاء الخ..بعد اليقظة ونوم الليل
نعود فنستيقظ من جديد .. وهذا يرجح أنه بعد رقود الموت هناك
صحوة بعث .. لأن هناك عودا لكل شيء .. والله يسمي نفسه في
القرآن المبدئ المعيد.
( كما بدأكم تعودون ).
(يبدأ الخلق ثم يعيده ).
ألا يدور كل شيء في فلك من الذرة إلى المجرة ، حتى الحضارات
لها دورات والتاريخ له دورات.
الدليل الآخر على البعث هو النظام المحكم الذي ليس فيه بادرة
خلل واحدة من أكبر المجرات حتى أصغر الذرات حتى الإلكترون
الذي لا يرى نجد النظام والقانون يهيمن على كل شيء .. حتى
الإلكترون المتناهي في الصغر لا يستطيع أن ينتقل من فلك إلى
فلك في الذرة إلا إذا أعطى أو أخذ مقدارا من الطاقة يساوي
حركته .. وكأنه راكب قطار لا يستطيع ،،،،، أي مكان بدون تذكرة ..
فكيف نتصور في هذا النظام ،،،،، يهرب قاتل أو يفر ظالم من
الجزاء لمجرد أنه ضلل ،،،،، إن العقل يتصور أنه لابد سيلقى جزاءه
حتما ، وإن هناك لابد عالما آخر يسوى فيه الحساب .. هكذا يقول
العدل.
ونحن مفطورون على تحري العدل وعلى حب العدل والبحث عن
العدل ومحاولة تحقيق العدل.
ومع ذلك فالعدل في الدنيا غير موجود.
وكما يقول أهل الفكر إذا كان الظمأ إلى الماء يدل على وجود الماء
.. فلا بد أن الظمأ إلى العدل يدل على وجود العدل .. فإن لم يكن
موجودا في دنيانا فلا بد أن له يوما وساعة تنصب فيها موازينه.
كل هذه مؤشرات تشير وترجح أن هناك بعثا وحسابا وعالما آخر.
والمؤمن الذي يصدق القرآن في غير حاجة إلى هذه الاستدلالات
لأنه آمن بقلبه وأراح نفسه من الجدل.
يبقى بعد ذلك أن نسأل وما الروح:
( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم
إلا قليلا)
هي لغز ولا أحد يعلم عنها شيئا.
والعجيب أنه كلما جاء ذكر الروح في القرآن ذكرت معها كلمة من
أمر ربي.
( يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ).
( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ).
( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ).
( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا )
دائما كلمة " من أمرنا " .. " من أمره " .. " من أمر ربي " .. كلما
ذكرت الروح .
أيكون أمر الله روحا ؟
وكلمة الله روحا ؟
ألم يقل الله عن المسيح عليه السلام أنه:
( كلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم ).
وأنه:
(كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ).
الكلمة .. الأمر .. الروح .. هل هي ألفاظ مترادفة لمعنى واحد.
هي مجرد إشارات.
ولا أحد يعلم الحقيقة إلا العليم.
يبقى بعد ذلك سؤالك عن تحضير الأرواح.
وتحضير الأرواح عندنا أمر مشكوك فيه.
مشكوك فيه أنه ظواهر الغرفة المظلمة سببها حضور روح فلان أو
علان.
ومفكر كبير مثل هنري سودر يقول: إن تلك الظواهر مصدرها
العقل الباطن للوسيط والقوى الروحية للوسيط ذاته.. ولاشيء
يحضر بالمرة.
ويقول المفكرون الهنود : إن الذي يتلبس الوسيط أثناء التحضير
هي أرواح سفلية تعرف بعض الأشياء عن الموتى وتستخدمها
في السخرية بعقول الموجودين والضحك عليهم.
ويقول الصوفية المسلمون إن الذي يحضر في تلك الجلسات ليس
الروح ولكن القرين ، وهو الجن الذي كان يصاحب الميت أثناء حياته
..وهو بحكم هذه الصحبة يعرف أسراره .. ولأن الجن معمر فإنه
يبقى حيا بعد موت صاحبه .. وهو الذي يحضر الجلسات ويفشي
أسرار صاحبه ويقلد صوته وعاداته ليسخر من الموجودين على
عادة الجن في عدائهم للإنسان.
وهم يقولون : إننا إذا دققنا جرس المكتب فإن الذي يحضر هو
الخادم .. أما السادة فإنهم لا يتركون عالمهم ويحضرون بهذه
السذاجة وبالمثل في عالم الأرواح .. فالذي يحضر في الجلسات
ويهرج على الموجودين هي الأرواح السفلية والجن ومن في
مستواهم .
أما الأرواح البشرية فهي في عالم آخر هو عالم البرزخ ولا يمكن
استحضارها .. ولكنها قد تتصل بمن تحب في الحلم أو في اليقظة
إذا توفرت الظروف الملائمة.
ومن الجلسات الكثيرة التي حضرناها ومما جمعنا من خبرة خاصة
في هذا الموضوع نقول :أنه لا يوجد دليل واحد على أن ظواهر
الغرفة المظلمة سببها حضور الروح المطلوبة.
وربما كان رأي الصوفية المسلمين أكثر الآراء تفسيرا لما يحدث.
والمسألة ما زالت قيد البحث.
وللأسف الشعوذات في هذا الموضوع أكثر من الحقائق .. والكلمة
الأخيرة لم تقل بعد.
لا شك أنك سوف تضحك على كلمات مثل الجن والأرواح السفلية
.. والقرين.
ولك عذرك .. فإذا آنت لا تؤمن بروحك أنت فكيف يتوقع منك أن
تؤمن بجني..
وإذا آنت لا تؤمن بالله فكيف ينتظر منك أن تؤمن بشياطينه.
ومع ذلك لو كنت ولدت منذ مئة سنة وجاءك رجل يحدثك عن
أشعة غير منظورة تخرق الحديد ، وصور تنتقل في الهواء عبر
المحيطات في أقل من ثانية ، ورائد فضاء يمشي على تراب القمر
.. ألم تكن تضحك وتقهقه وتستلقي على قفاك أضعاف ما تضحك
الآن .. وتقول لنفسك .. هذا رجل هارب من مستشفى المجانين
ومع ذلك فيا لها من حقائق ملء السمع والبصر الآن.
من كتــاب حوار مع صديقي الملحد
للدكتور مصطفى محمود رحمه الله . ❝