الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل... 💬 أقوال مصطفى محمود 📖 كتاب نقطة الغليان

- 📖 من ❞ كتاب نقطة الغليان ❝ مصطفى محمود 📖

█ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر مدى ساعات آفاق ممتدة الرمال شريط أزرق البحر يبدو يختفي اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء يُصاب الرأس بالدوار و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى مقعد القيادة نائماً فرط الرتابة و مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء يرى الإنسان إلا عيوبه الدنيا جوانبها السالبة الكون شيئاً جديراً بالحمد فالكون مشروع فاشل الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت العَطَب الفساد يكتنف كل فالورد يذبُل الشمس تأفُل الجسد يشيخ الأرض تتبدل يبقى حاله يشرب دموعه مع ضحكة فأين الحكمة أين الإبداع الجمال علام التسبيح شكراً حمداً تعفير الجباه سجوداً ركوعاً كيف نشكر الخالق الميكروب السرطان الزلزال غرقاً حرقاً أما الآخر فهو النقيض مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا الحمد القناعة رأيه أنه ليس الإمكان أبدع مما أن الله خلق أحسن صورة الشيخوخة كتاب نقطة الغليان مجاناً PDF اونلاين 2024 هو تأليف الدكتور مصطفى محمود وهو عبارة عن مجموعة قصصية يدور محورها الرئيس حول الهداية والإيمان بالله العلي القدير وبأقداره وبما قسمه للإنسان صورت القصص ما يشعر به المعاصر ضياع وعدمية وفقدان لمعنى وجوهرها وقدمت يكون سعيدا بغير هداية له الصحيح؛ فلا سعادة بمال أو حب سلطة دون التوجه تعالى والتقرب منه وإليه

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
❞ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر على مدى ساعات .. آفاق ممتدة من الرمال و شريط أزرق من البحر يبدو و يختفي .. و اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء , و يُصاب الرأس بالدوار ..

و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى على مقعد القيادة نائماً من فرط الرتابة .



و في مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة ..



و صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء و لا يرى من الإنسان إلا عيوبه , و لا يرى في الدنيا إلا جوانبها السالبة و لا يرى في الكون شيئاً جديراً بالحمد ..

فالكون مشروع فاشل , و الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت .. و العَطَب و الفساد يكتنف كل شيء ..

فالورد يذبُل .. و الشمس تأفُل .. و الجسد يشيخ .. و الأرض تتبدل .. و لا شيء يبقى على حاله .. و الإنسان يشرب دموعه مع كل ضحكة .. فأين الحكمة .. و أين الإبداع .. و أين الجمال .. و علام ذلك التسبيح شكراً و حمداً .. و علام تعفير الجباه سجوداً و ركوعاً .. و كيف نشكر الخالق على الميكروب و السرطان و الزلزال و الموت غرقاً و حرقاً ..



أما صاحبنا الآخر فهو على النقيض , رجل مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا و الحمد و القناعة ..

و في رأيه أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان .. و أن الله خلق الكون و الإنسان على أحسن صورة ..

و أن الموت و الشيخوخة و المرض .. هي ظِلال لابد منها لكمال الصورة .. فما كانت الصحة لِتُعرَف لولا المرض .. بل إن المرض يعطي للإنسان فيما يُعطي .. المناعة و الحصانة .. كما أنه يعلمه الصبر و الجَلَد .. ثم هو الذي يخلق المناسبة للرحمة و التعاطف و البذل بين الناس .. و حُكمِهِ حُكم لَسعَة البرد و الحر التي تنبه الجسد و تستفزه ليحتشد .. و لو أخلد الإنسان إلى إعتدال دائم لاسترخت خلايا جسده و هلكت من الخمول و الترف ..

و شُكراً للميكروب فهو يخلق للعقل وظيفة عاجلة ليفكر و يبتكر و يحتال على الإنقاذ .. و هل البنسلين و الكلورميسين و الأريومسين و كافة عائلة المضادات الحيوية إلا مخلفات ميكروبات .. !

و هل يحصل النبات على سماده الطبيعي إلا بميكروبات في درنات الجذور تثبت النيتروجين و تسلمه لنبات سماداً جاهزاً .. !



** إن للشر دائماً وجهاً آخر خَفيّاً .. هو عين الخير .



و لولا الزلازل و البراكين التي تُنَفِس عن الضغط الزائد في باطن الأرض لانفجرت الأرض بِمَن عليها من ملاين السنين .



و كما يقول الفيلسوف الحكيم أبو حامد الغزالي : كلما ازداد القوس إعوجاجاً أعطى السهم تَوتُراً و اندِفاعاً أكثر ليصيب هدفه , و ذلك هو الكمال الذي يَخفَى في باطن النقص .



و لهذا قال الغزالي : إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان , و أن الدنيا بما فيها من نقص هي أكمل مثال لدنيا زائلة .



● قال الرجل الثِرثار :

كل هذا كلام في كلام .. و أُحِب أن أرى الآن لو كُسِرَت ذراعُك أو كُفَ بَصرُك .. ماذا تقول .. ؟



● قال الرجل الهادئ :

أقول الحمد لله لطفت يا رب في قضائك و أبقيت لي ذراعاً سليمة .. و أخذت بصري و أبقيت سمعي .. فشكراً على ما أبقيت .. و لك الحكمة فيما أخذت .



● قال الثرثار :

هذا دجل صريح .. و أراهن أنك أكبر دجال فيما تقول .. و أُراهن أن الموقف سوف يختلف كثيراً إذا أصابك شيء من هذا .. و أنك سوف تَسُب الدين و المِلّة .



● قال الرجل المطمئن :

حاشا لله أن أفعل شيئاً من ذلك .. و أنا أُحسِن الظن بالله .. و أرى جماله في كل شيء .. و أرى رحمته تسبق عدله .. و لُطفِه يسبق رحمته في كل قضاء .. و لا أراه ظالِماً أبداً .. تعالى ربي عن الظُلم عُلُواً كبيراً .



و لم يُجِب الرجل الثِرثار .. فقد وقعت العربة في مطب فجأة و انحرفت عجلة القيادة .. و ظهرت عربة قادمة بسرعة من الإتجاه الآخر .. و فقد السائق السيطرة على توجيه عربته تماماً ..

و رآها تخرج من يده إلى خارج الطريق المرصوف ثم تميل ميلاً شديداً لتنقلب و تبدأ في الدوران حول نفسها عدة مرات لتستقر على بعد مائة متر في الرمال .



و خرج الرجل الثرثار شاحِباً يرتجف و هو يتحسس نفسه و يدهش كيف لم يُصَب بِخدش .. أما الرجل المطمئن فكان فاقد الوعي يتنفس بصعوبة و يخرج من فمه شخير .

و انطلق الرجل في فزع إلى أقرب نقطة مرور و اتصل تليفونياً بأقرب وحدة صحية , و كانت وحدة العلمين على بُعد عشرة كيلو مترات .



و جاءت عربة الإسعاف .. و قال طبيب الوحدة بعد الفحص الأوَلي إن هناك تمزُقاً بالكلية اليُمنى و نزيفاً , و إن الحل الوحيد هو نقل المصاب فوراً إلى الإسكندرية و إجراء جراحة إستئصال عاجلة للكلية ..



و في الغُرفة رقم "7" بعنبر الجراحة بمستشفى الجامعة .. كان المُصاب مسجى على فراشه بعد أن خرج من غرفة العمليات .. و كان لا يزال في غفوة البنج .

و إلى جواره جلس صديقه الثرثار في انتظار اللحظة التي يفتح فيها عينيه , و كان أول ما قال الرجل حينما فتح عينيه :



● الحمد لله .



و كان الرجل الثرثار يجلس مبهوتاً , و كان لا يزال يرتجف من هول ما رأى و ما سَمِع و هو يتأرجح على عتبة الموت .. و كان لا يزال يتحسس جسده السليم و لا يُصدِق كيف خرج سليماً , و كان الطبيب يتحدث بالتليفون إلى قسم الباثولوجي .

و وضع الطبيب التليفون و ظهرت على وجهه دهشة لا حد لها ..

قال الطبيب و قد اتسعت حدقتاه :



● هذا أمر عجيب .. أمرٌ لا يُصَدَق .!



● قال الرجل الثرثار .. كيف .. ماذا تعني .. ماذا حدث ؟



● قال الطبيب و هو يبتلع لعابه من الإنفعال :

الكلية التي أستُئصِلَت ..



● قال الرجل الثرثار في فضول :

ما خطبها .. ؟



● قال الطبيب :

يقول تقرير الباثولوجي .. إنه كان بها سرطان وليد في أول مراحله .



و خيَّم الصمت على الثلاثة برهة و كأن على رؤسهم الطير ..



● ثم استأنف الطبيب الكلام :

لولا هذا الحادث الذي إستأصلنا بسببه الكلية لكان المصاب سيهلك بالسرطان حتماً .. هذا عجيب .. هذا حادث إنقاذ .. هذا حادث مُلاطَفة .. و ليس نكبة .

إن ما حدث كان خيراً لا حد له ..



● و ابتسم الرجل المطمئن إبتسامة واهنة في فراشه و قال : الحمد لله .

إن الله يعاملني بنياتي , فقد كنت دائماً أُحسِن الظن به .

و التفت إلى صاحبه الثرثار قائلا :

أرأيت يا صديقي .. فذلك هو الخير الباطن في الشر ..



و سكت الطبيب ساهِماً .



و بُهِتَ الذي كَفَر .. فلم يجد ما يقول ..



*****

قصة / ملاطفة

من كتـــاب / نقـطــة الغـليــان

للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
0
0 تعليقاً 0 مشاركة