█ غيرة عائشة تشير الكثير من المواقف التي نقلتها كتب السير والتراجم أرّخت لتلك الفترة إلى وجود مظاهر لغيرة بين عائشة وزوجات النبي محمد الأخريات وهو ما أقرت به حين صنّفت زوجاته حزبين الأول فيه وحفصة وصفية وسودة والآخر ضم أم سلمة وبقية نساء أحب أكثر نسائه أدركه المسلمون فكانوا يؤخرون هداياهم حتى يكون بيت أدركته أمهات المؤمنين فندبن لتسأل أن يكلم الناس ذلك فقال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهَا إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ» ورغم تلك المحبة إلا لم يمنعها الغيرة ففي حجة الوداع خرج بزوجاته وكانت جمل خفيف ومعها متاع قليل فيما كانت صفية بطيء ثقيل فأمر يتبادلا راحلتيهما يسرع الركب فغضبت وقالت: «يَا لَعِبَادِ غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ عَلَى اللَّهِ» فشرح لها سبب فعل فقالت: «أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟» فتبسم وقال: «أَفِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟» كتاب رمضان 24 مجاناً PDF اونلاين 2024 مجمع لبعض القصص النبوية وسير الصحابيات
❞ الابنة الثالثة
˝أم كلثوم˝
هي أم كلثوم بنت رسول الله وأمها خديجة بنت خويلد.
وأم كلثوم أصغر من رقية؛ لأن رسول الله زوج رقية من عثمان، فلما توفيت زوجه أم كلثوم، وما كان ليزوج الصغرى ويترك الكبرى والله أعلم.
قصة إسلام أم كلثوم:
أسلمت أم كلثوم حين أسلمت أمها، وبايعت رسول الله مع أخواتها حين بايعه النساء، وهاجرت إلى المدينة حين هاجر رسول الله.
خرجت أم كلثوم إلى المدينة لما هاجر النبي مع فاطمة وغيرها من أولاد النبي، فتزوجها عثمان بن عفان بعد موت أختها رقية في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.
وعن قتادة بن دعامة قال: تزوج أم كلثوم بنت رسول الله عتيبة بن أبي لهب فلم يبن بها حتى بعث النبي وكانت رقية عند أخيه عتبة بن أبي لهب، فلما أنزل الله : {تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ}. قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة: رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد، وقالت أمهما بنت حرب بن أمية وهي حمالة الحطب: طلقاهما يا بني فإنهما قد حبتا فطلقاهما.
من مواقف أم كلثوم مع الرسول:
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن أم كلثوم بنت النبي أنها قالت: يا رسول الله، زوجي خير أو زوج فاطمة؟ قالت: فسكت النبي ثم قال: ˝زوجك ممن يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله˝، فولت، فقال لها: ˝هلمي ماذا قلت؟˝، قالت: قلت: زوجي ممن يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: ˝نعم، وأزيدك دخلت الجنة فرأيت منزله، ولم أر أحدًا من أصحابي يعلوه في منزله˝.
زواج أم كلثوم:
لما توفيت رقية بنت رسول الله خلف عثمان بن عفان على أم كلثوم بنت رسول الله وكانت بكرًا وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.
وروى سعيد بن المسيب أن النبي رأى عثمان بعد وفاة رقية مهمومًا لهفان فقال له: ˝ما لي أراك مهمومًا˝ قال: يا رسول الله، وهل دخل على أحد ما دخل علي، ماتت ابنة رسول الله التي كانت عندي وانقطع ظهري، وانقطع الصهر بيني وبينك. فبينما هو يحاوره إذ قال النبي: ˝يا عثمان هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن الله أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها˝. فزوجه إياها.
لما زوج النبي بنته أم كلثوم بعثمان قال لها: ˝إن بعلك أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد˝.
وتقول أم عياش: إن رسول الله قال: ˝ما زوجت عثمان أم كلثوم إلا بوحي من السماء˝.
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال لعثمان: ˝يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها˝.
وفاة أم كلثوم:
توفيت أم كلثوم في حياة النبي، في شعبان في السنة التاسعة من الهجرة.
وغسّلتها أسماء بنت عميس، وصفية بنت عبد المطلب، وشهدت أم عطية الأنصارية غسلها.
وعن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله ونحن نغسل ابنته أم كلثوم. فقال: ˝اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن فى الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني˝ فلما آذناه، فألقى إلينا حقوه، وقال: ˝أشعرنها إياه˝.
وعن أبي أمامة قال: لما وضعت أم كلثوم ابنة رسول الله في القبر قال رسول الله : {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} . ثم لا أدري أقال: ˝بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله˝ أم لا.
وعن أنس: رأيت النبي جالسًا على قبرها -يعني أم كلثوم- وعيناه تدمعان فقال: ˝فيكم أحد لم يقارف الليلة˝. فقال أبو طلحة: أنا، فقال: «فانزِل في قبرِها» فنزلَ في قبْرِها فقبَرَها.
#بنات_النبي
#صفاءفوزي . ❝
❞ بنات النبي
كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذا وُلدت له ابنةٌ فرِح واستبشر بها، وأسماها اسماً حسناً، وأحسن تربيتها ونشأتها، وبناته -صلى الله عليه وسلم- قد نَشَأْنَ في بيت النبوّة؛ أبوهنّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأمّهنّ خديجة -رضي الله عنها- أول من أسلمت على الإطلاق، وحين كَبِرْن؛ حرص على تزويجهنّ الأتقياء الصالحين الأكفاء، وكان ذلك، وهو قبل ذلك كان يستشيرهنّ ويسألهنّ.
الابنة الأولى
˝زينب˝
زينب بنت محمد بن عبد الله، أكبر بنات النَّبي محمد من زوجته خديجة بنت خويلد، واختُلف أيّهما أكبر هي أم القاسم، وُلدت قبل البعثة النبوية بعشر سنوات، وأدركت الإسلام وهاجرت إلى المدينة المنورة، وتُوفّيت سنة 8 هـ عند زوجها وابن خالتها أبو العاص بن الربيع وعمرها يومئذٍ قريب الثلاثين.
(حياتها)
وُلدت زينب في مكة سنة 23 ق.هـ الموافق 600 أي قبل بعثة النبي محمد بعشر سنوات، وعمره يومئذٍ ثلاثين عامًا. تزوّجها أبو العاص بن الربيع ابن خالتها هالة بنت خويلد، وقد كانت خديجة بنت خويلد قد طلبت من النبي محمد تزويجها إياه، والذي كانت تعدّه بمنزلة ولدها، وقد كان ذلك قبل بعثة النبي محمد وعُمرها يومئذٍ أقل من عشرة أعوام.
ولمّا بُعث النبي محمد، أسلمت زينب وبقي زوجها على دينه، وجعلت قريش تدعو أبا العاص لمفارقة زوجته زينب، فكان يردّ عليهم بقوله «لا والله، إنِّي لا أفارق صاحبتي، وما أحبُّ أنَّ لي بامرأتي امرأة من قريش»، فبقيت زينب عند زوجها كلٌّ على دينه.
أنجبت زينب من زوجها أبي العاص ولدًا وبنتًا، فأمّا الولد فاسمه عليّ، مات وهو صغير، والبنت اسمها أمامة تزوّجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة الزهراء، وتزوّجها المغيرة بن نوفل بعد وفاة علي بن أبي طالب وهي التي ورد في حديث نبوي أنّ النبي محمد حملها على عاتقه في صلاة الفجر.
(وقوع زوجها بالأسر)
بعد هجرة النبي محمد إلى المدينة المنورة، خرج أبو العاص مع قريش محاربة ضد المسلمين في غزوة بدر سنة 2 هـ، وبقيت زوجته زينب في مكة، ومع انتهاء الغزوة لصالح المسلمين، وقع أبو العاص أسيرًا بأيدي المسلمين، وكان الذي أسره اسمه خِرَاش بن الصِّمَّة. ولما أرسل أهل مكة الأموال في فداء أسراهم، أرسلت زينب في فداءه بقلادة كانت لها من أمّها خديجة بنت خويلد، فتأثر النبي محمد لذلك، وقال لأصحابه الذين أسروه: «إن رأيتم أن تُطلقوا لها أسيرها وتردُّوا عليها مالها فافعلوا»، فأطلقوا سراحه وردّوا مالها. وقد كان النبي محمد قد اشترط على أبي العاص أن يخلّي سبيلها ويأذن لها بالهجرة إلى المدينة المنورة، فوفّى بذلك.
زينب
هجرتها إلى المدينة
بعد إطلاق سراح زوجها وعند وصوله مكة أمرها زوجها باللحوق بأبيها في المدينة المنورة وفاءً لوعده، فبدأت زينب بالتجهّز للرحلة، وعَرضت هند بنت عتبة مساعدتها فرفضت وأنكرت تجهّزها خوفًا منها. ولمّا انتهت من جهازها، جاءها أخو زوجها كنانة بن الربيع فحملها على بعير له فركبته وهي في هودج، فخرج بها نهارًا حاملاً قوسه معه يحرسها، فعلمت بذلك قريش ولحقوا بها، وكان أول من سبق إليها رجل يُدعى هبّار بن الأسود وآخر اسمه نَافِع بن عبد قيس، فأخافها هبّار برمح له وهي في الهودج، وتذكر الروايات أنّها كانت حاملاً، فلمّا خافت أسقطت حملها. وتفاوض أبو سفيان مع كنانة بأن يرجع بها إلى مكة وينطلق بها سرًا ليلاً خوفًا من أن يتحدث أهل مكة بذلك، ففعل كنانة ذلك، وسلّمها لزيد بن حارثة ورجلٌ آخر كان النبي محمد قد أرسلهما بعد غزوة بدر بشهر لاصطحابها إلى المدينة.
وقد أرسل النبي محمد لاحقا سرية لقتل هبّار ونافع، فقال: «إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبَّارِ ابْن الْأَسْوَدِ، أَوْ الرَّجُلِ (أي نافع بن عبد قيس) الَّذِي سَبَقَ مَعَهُ إلَى زَيْنَبَ فَحَرَّقُوهُمَا بِالنَّارِ». ثمّ في اليوم التالي أرسل للسريّة: «إنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إنْ أَخَذْتُمُوهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ ظَفَرْتُمْ بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا».
إسلام زوجها
بعد انتقال زينب للعيش في المدينة المنورة، بقي أبو العاص مقيمًا في مكة، وفي عام 8 هـ قبل فتح مكة بقليل، سافر أبو العاص بمالٍ له لبعض قريش متاجرًا إلى الشام، فلمّا عاد اعترضته أحد سرايا النبي محمد وأخذوا ما معه من مال، فذهب أبو العاص ودخل المدينة المنورة ليلاً، واستجار بزينب، فصرخت بالناس فجرًا وهم يصلّون: «أيُّها النَّاس، إنِّي قد أَجَرتُ أَبَا العَاص بن الرَّبيع»، فأقرّ ذلك النبي محمد بقوله: « إنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ». ثمّ طلب النبي محمد ممن أغاروا عليه وسلبوا ماله أن يردوا عليه ماله، ففعلوا، ثمّ عاد بأمواله كاملة إلى مكة وأعاد أموال قريش لهم، ثم أعلن إسلامه وعاد مهاجرًا إلى المدينة المنورة.
وعند وصوله المدينة المنورة ردّ النبي محمد ابنته زينب إلى أبي العاص كزوجة له بعقد نكاح ومهر جديدين، وقيل على عقد نكاحها الأول.
وفاتها
تُوفيت زينب في حياة النبي محمد قيل في عام 8 هـ الموافق 629 عن عمر يقارب الـ 29 عامًا، ويُروى في سبب موتها أنّها مرضت بسبب ما تعرّضت له أثناء هجرتها إلى المدينة المنورة من إسقاط حملها، فلم يزل بها المرض حتى ماتت.
#بنات_النبي
#صفاءفوزي . ❝
❞ تجارة خديجة
كانت خديجة ترسل الرجال في تجارتها إلى الشام واليمن، وكانت دائمَة التدقيق والتمحيص فيمن تختاره حتى تضمن سلامة أموالها وعظيم ربحها، فلما بلغها عن محمد ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، تذكرت عندما كانت تجلس مع نساء أهل مكة يوم اجتمعن في عيد لهنَّ في الجاهلية، فتمثل لهن رجل فلما قرب نادى بأعلى صوته: يا نساء تيماء إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد يُبعث برسالة الله فأيما امرأة استطاعت أن تكون زوجًا له فلتفعل، فحصبته النساء وقبحنه وأغلظن له وأغضت خديجة على قوله ولم تعرض له فيما عرض له النساء، فبعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرًا إلى الشام، وقيل بل إن أبا طالب عم الرسول هو من أشار إليه بالعمل في تجارة خديجة وقال له: «أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك».
وبلغ خديجة ما كان من محاورة الرسول وعمه، فأرسلت إليه في ذلك، وقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك، فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك، فخرج مع غلام خديجة ميسرة، وأوصته أن يقوم على خدمته وألا يخالف له أمرًا وأن يرصد لها أحواله، وجعل عمومة الرسول يوصون به أهل العير، فلما قدما بصرى من الشام، نزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة قال ميسرة: نعم لا تفارقه، قال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء، ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل خلاف، فقال رجل احلف باللات والعزى، فقال الرسول: ما أحلف بهما قط وإني لامرؤ، فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتًا في كتبهم، وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان الرسول من الشمس، فوعى ذلك كله ميسرة، وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له، وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا، قال ميسرة: يا محمد انطلق إلى خديجة، فأخبرها بما صنع الله لها على وجهك فإنها تعرف لك ذلك، فتقدم محمد حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة، وخديجة في عليةٍ لها فرأته وهو على بعيره، ودخل عليها فأخبرها بما ربحوا في تجارتهم، فسرت بذلك، فلما دخل عليها ميسرة أخبرها بما قال الراهب، وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع، وكانت قد ربحت ضعف ما كانت تربح، وأعطت لمحمد ضعف ما خصصت له.
زواج خديجة من النبي
أخذت خديجة تفكر في أمر محمد بعدما سمعته من غلامها ميسرة، وبعدما رأت من أمانته وصدقه، فأفضت بسرها لصديقتها نفيسة أخت الصحابي يعلي بن أمية وقالت: «يا نفيسة إني أرى في محمد بن عبد الله ما لا أراه في غيره من الرجال، فهو الصادق الأمين وهو الشريف الحسيب وهو الشهم الكريم، وهو إلى ذلك له نبأ عجيب وشأن غريب، وقد سمعت ما قاله غلامي ميسرة عنه، ورأيت ما كان يظلله حين قدم علينا من سفره، وما تحدث به الرهبان عنه، وإن فؤادي ليكاد يجزم أنه نبي هذه الأمة»، فقالت نفيسة لخديجة: تأذنين وأنا أدبر الأمر، قالت نفيسة: فأرسلتني خديجة إليه دسيساً أعرض عليه نكاحها فقبل.
بعد أن رضي محمد بالزواج من خديجة كلّم أعمامه أبو طالب والعباس وحمزة فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه وقال أبو طالب خطيبًا: «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وجعلنا حَضَنَةَ بيته، وسوّاس حرمه، وجعل لنا بيتًا محجوجًا، وحرمًا آمنًا، وجعلنا حكام الناس، إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفاً ونبلاً وفضلاً إلا رجح به، وهو إن كان في قل فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة، اليوم معك وغداً يكون مع فلان وفلان، وهذا يكون غنياً ثم فقيراً، والفقير يصبح غنياً والدول هكذا... وبعد هذا هو والله له نبأ عظيم وخطب جليل جسيم، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعلي»،
ثم رد عليه ورقة بن نوفل وقال: «الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا تنكر العشيرة فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم؛ وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا عليّ معاشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على كذا»
ثم سكت، فقال أبو طالب: قد أحببت أن يشركك عمها، فقال عمها عمرو بن أسد: «اشهدوا عليّ يا معشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد»،
وعلى إثر ذلك تم الزواج، وأولم عليها محمد فنحر جزورا وقيل جزورين وأطعم الناس، حضر العقد بنوهاشم ورؤساء مضر،
وذلك بعد رجوع محمد من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة، وكان سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبًا وثروة وعقلًا، وهي أول امرأة تزوجها الرسول، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
روى ابن سعد في الطبقات عن الواقدي: «وتزوجها رسول الله وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة».
كثيرة هي الأقوال التي وردت في عمر السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- لمَّا تزوجها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومع أنَّ الراجح من الأقوال هو أنَّها كانت تبلغ من العمر أربعين عامًا، إلَّا أنَّ بعض الأقوال حملت خلاف هذا القول بعضهم قال أن عمرها إذ ذاك خمسًا وثلاثين، وقيل خمسًا وعشرين سنة˝. ابن كثير
وفي هذا الزواج نزلت آية: ( وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)
أي فقيرا لا مال لك، فأغناك بخديجة.
حكمة خديجة وحبها للنبي
عاشت خديجة مع الرسول خمسة عشر عامًا قبل بعثته، أحاطته بكل رعاية وعناية واهتمام، وكانت هذه السنوات هي السنوات التي شغلت فيها خديجة بإنجاب أولادها باستثناء عبد الله الذي وُلد بعد البعثة، فقد رُزقت بأولادها زينب ورقية وأم كلثوم، والقاسم الذي كان يكنى به الرسول، وفاطمة الزهراء، ثم عبد الله الذي عرف بالطيب الطاهر، كانت خديجة مشتغلة بتربية أولادها، ثم شاء الله أن يتوفى القاسم، وفي هذه الفترة طلب الرسول من عمه أبو طالب وقد لاحظ كثرة الأولاد عنده أن يعطيه عليًا ليربيه، أراد التخفيف عليه، وقامت خديجة برعايته أتم رعاية، وعندما مات العوام بن خويلد خلّف ورائه الزبير وهو ابن سنتين، فقررت خديجة أن تكفله وترعاه، فنشأ الزبير بين بيت عمّته خديجة وبين بيت أمه صفية بنت عبد المطلب عمّة الرسول، ثم لما قدم حكيم بن حزام بن خويلد من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف، دخلت عليه عمته خديجة، وهي يومئذ عند رسول الله، فقال لها: اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك، فاختارت زيداً فأخذته، فرآه رسول الله عندها، فاستوهبه منها، فوهبته له، فاعتقه رسول الله وتبناه، وذلك قبل أن يوحى إليه،فكان بمثابة الابن من خديجة، ورعته خير رعاية، وكانت لهذه التربية الصالحة الأثر العظيم في اتباع هؤلاء الأشخاص لنور الإسلام، فـ˝علي˝ أول من أسلم من الصبيان، و˝الزبير˝ من أوائل من دخل في الإسلام.
وزيد بن حارثة ثاني من أسلم من الرجال بعد علي.
كان الرسول محمد يواصل مسيرته بالاختلاء بنفسه، وبتعبده في غار حراء بعيدًا عن الناس، وكانت خديجة مشغولة بالأسرة وتوفير ما يلزمها، في الوقت الذي كانت تشتغل فيه بتجارتها التي تنفق منها على الأسرة، ومع ذلك كانت تذهب إليه في غار حراء لتوفر له الأكل والشرب، قال ابن حجر العسقلاني: «كانت حريصة على رضاه بكل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها»،
روى الفاكهاني عن أنس بن مالك قال: «أن النبي كان عند أبي طالب، فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له، وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال لها: انظري ما تقول له خديجة، قالت نبعة: فرأيت عجبًا، ما هو إلا أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت: بأبي وأمي، والله ما أفعل هذا لشيء، ولكني أرجو أن تكون أنت النبي الذي ستُبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الذي يبعثك لي، قالت: فقال لها: والله لئن كنت أنا هو قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدًا، وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدًا».
عندما حُبب إلى الرسول الخلوة، صار يتجه لغار حراء يعتكف متأملًا ويتعبد متبتلًا، وكان موقف خديجة موقف المعين الداعم، فكانت تعد له ما يحتاجه في خلوته من طعام وشراب ومهاد، تُجهزه قبل خروجه، وتحمل إليه إن طالت غيبته ما يكفيه من مؤونة، وفي بعض الأحيان تصحبه في خلوته، تخدمه وتؤنسه وتسقيه وتطعمه، ولما أصبح في عقده الرابع بدأت تظهر له المبشرات، يسمعها أو يراها، يقظةً أو منامنًا، مثل سماعه نداء يأمره بستر عورته حين كان يحمل الحجارة من أجياد لبناء الكعبة، ومثل تسليم الحجر والشجر عليه، ومن ذلك ما رواه عمرو بن شرحبيل أن الرسول قال لخديجة: «إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرًا، فقالت : معاذ الله ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث»
وعن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال: «كان من بدء أمر رسول الله أنه رأى في المنام فشق ذلك عليه، فذكر ذلك لصاحبته خديجة بنت خويلد فقالت: أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرً»
وكان الرسول كلما رأى رؤيا قصها على خديجة، فقد روى محمد بن يوسف الصالحي الشامي: «رأى رسول الله مرةً في منامه أن سقف بيته نزعت منه خشبة، وأدخل فيه سلمٌ من فضَّة، ثم نزل إليه رجلان، فأراد أن يستغيث فمُنع من الكلام، فقعد أحدهما إليه والآخر إلى جنبه، فأدخل أحدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه، فأدخل يده في جوفه، ورسول الله يجد بردهما، فأخرج قلبه فوضعه على كفه، فقال لصاحبه: نعم القلب قلب رجلٍ صالح، فطهر قلبه وغسله، ثم أدخل القلب مكانه، وردَّ الضلعين ثم ارتفعا، ورفع سلّمها، فإذا السقف كما هو، فذكر ذلك لخديجة فقالت له: أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرًا، هذا خير فأبشر».
روى البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثمّ حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل وتكسب المعدوم وتُقري الضيف وتُعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيراً قد عمى، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله: أو مُخرِجِيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثمّ لم ينشب ورقة أن توفي و فتر الوحي.»
#أمهات_ المؤمنين . ❝